بري في مواجهة العاصفة: لا نزع للسلاح ولا تفكيك للوحدة
في لحظة سياسية دقيقة إقليميًا وداخليًا، أطلّ رئيس مجلس النواب نبيه بري بكلمة شاملة في الذكرى الـ47 لتغييب الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه، مقدّمًا موقفًا استراتيجيًا متماسكًا إزاء التحديات التي تواجه لبنان، خصوصًا ما يتعلق بالورقة الأميركية، ملف سلاح "حزب الله"، الضغوط الإسرائيلية، ومحاولات تحميل الجيش اللبناني مسؤولية فرض ترتيبات أمنية داخلية.
خطاب جاء في سياق مشحون على أكثر من مستوى: إسرائيل توسّع اعتداءاتها جنوبًا، واشنطن تضغط لفرض "ترتيبات نهائية"، الجيش اللبناني يستعد لتقديم خطة لحصر السلاح بيد الدولة، فيما تتصاعد داخليًا وتيرة الانقسامات السياسية والطائفية.
فالرئيس بري، الذي تكلم من موقعه كرئيس للسلطة التشريعية وكأحد أركان "الثنائي الشيعي"، اختار منصة الإمام الصدر ليخاطب الداخل والخارج على حد سواء، واضعًا الخطوط الحمراء لما يمكن وما لا يمكن القبول به، دون ان يتبنَّ نبرة تصعيدية، كما تصور البعض، قاصدا من ذلك التأكيد أن أي حلّ في لبنان يجب أن يمر من بوابة الوحدة الوطنية، التوازن الداخلي، والالتزام بقرارات الشرعية الدولية، لا من خلال فرض أجندات خارجية.
كل ما تقدم يبرز بوضوح أن الخطاب لم يكن حدثًا عابرًا، بل خطوة مدروسة في معركة صراع الإرادات التي يعيشها لبنان: بين مشروع تفكيك عناصر قوته، ومشروع الحفاظ على موقعه في معادلات الردع الإقليمية.
من هنا جاء كلامه كبيان سياسي استراتيجي في لحظة لبنانية وإقليمية دقيقة، ترسم ملامح مرحلة جديدة من الصراع، حيث يمكن قراءته وتحليله من أربعة أبعاد رئيسية:
ـ التوقيت والدلالة الرمزية:
إلقاء الخطاب في ذكرى الإمام الصدر، الذي يُعد رمزًا وطنيًا وعابرًا للطوائف، فهو لا يتحدث فقط كرئيس مجلس النواب أو زعيم سياسي، بل كامتداد لنهج الامام المغيب الداعي إلى الدولة العادلة، حماية المستضعفين، ورفض الهيمنة، وهو ما أعطى للخطاب بعدًا تعبويًا واستقطابيًا ضمن بيئته ومحيطه الوطني.
ـ رفض الضغوط الأميركية – الإسرائيلية وتثبيت معادلة الردع:
من خلال التطرق إلى خارطة "نتنياهو الزرقاء" التي تضم لبنان، وإلى انتهاكات القرار 1701، أكد "أستاذ عين التينة" أن إسرائيل لا تزال تمثل الخطر الأساسي على لبنان، وأن سلاح المقاومة ليس ترفًا بل ضرورة، رافضا في هذا الاطار ما اعتبره "تجاوزًا" في الورقة الأميركية، معتبرًا أن المقترحات الدولية تتخطى مسألة حصر السلاح لتطال التوازنات السياسية والسيادية في البلاد. في هذا السياق، أعاد الخطاب تأطير سلاح "حزب الله" كجزء من معادلة ردع وطنية في وجه تهديدات إسرائيل المستمرة.
ـ حماية الجيش اللبناني من التفجير الداخلي:
أطلق رئيس المجلس، تحذيرًا استراتيجيًا بعدم رمي كرة النار في حضن الجيش اللبناني، في إشارة إلى الخطر الكامن في تكليف المؤسسة العسكرية بمواجهة ملف السلاح منفردة، وهو ما قد يهدد وحدة الجيش أو يزجّه في مواجهة مع "حزب الله". من هنا، وضعه "خطًا أحمر" لحماية آخر مؤسسات الدولة المتماسكة، داعيا إلى حل سياسي – وطني وليس أمني – عسكري لهذا الملف.
ـ خطاب وحدة لا مواجهة داخلية:
رغم الطابع الدفاعي، تعمد "الرئيس" نزع الطائفية عن موقف وزراء "الثنائي"، مذكرا بأن القرى المدمرة في الجنوب لا تنتمي فقط لبيئة الحزب، بل تمثل التنوع اللبناني. الهدف من ذلك هو تطويق الاتهامات بالفئوية، وتحشيد غطاء وطني شامل للموقف الرافض للضغوط. وفي الوقت نفسه، الدعوة إلى التعاون والوحدة، مُبرزًا الخطاب كدعوة للحوار، لا للمواجهة.
عليه يمكن اعتبار خطاب "الاستاذ"، محاولة واضحة لترسيم الحدود السياسية في لحظة مفصلية، رافضا تسويات سريعة تُفرض من الخارج، متمسكا بمعادلة الردع مع إسرائيل، محذرا من تفخيخ الجيش اللبناني بمهمات تفوق قدرته، وهي رسائل موجّهة إلى واشنطن وتل أبيب، وإلى الداخل اللبناني في آنٍ معًا.
ميشال نصر -الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|