تهجير العلويين من حي السومرية بدمشق: الفصائل تعلو فوق الدولة
تقسم مساكن حي «السومرية»، الذي يقع في نهاية اوتستراد المزة وعلى تماس مع بلدة «المعضمية» بريف دمشق، إلى ثلاثة أقسام، الأولى «مساكن السرايا» التي أنشأها رفعت الأسد لضباطه وجنوده عندما كان قائدا للـ«الوحدة 596» التي ستعرف لاحقا باسم «سرايا الدفاع» اختصارا لاسمها الحقيقي «سرايا الدفاع عن المطارات»، وهذه توسعت كثيرا بعدما عمد الكثيرون من عناصر «السرايا»، الذين لم يتحصلوا على شقق فيها، إلى البناء بجوارها، ومساكن «الصناعة» و«الشهداء»، وهما منطقتان ذات طابع مدني يقطنهما في الغالب متقاعدون من الجيش، أو مستأجرون، أو مالكون، وإن كان هؤلا الأخيرون بنسبة قليلة، وتشير احصائيات لناشطين من السومرية إلى إن الحي الذي يبلغ عديد سكانه ما بين 20 - 25 ألف نسمة هم في غالبيتهم من العلويين الذين تبلغ نسبتهم نحو 75%، في حين يتقاسم «المرشديون» والمسيحيين باقي النسبة بواقع يشير إلى إن نسبة الأخيرين قد لا تتعدى ال 5%، وفي اتصالات أجرتها «الديار» للوقوف على طبيعة امتلاك تلك المساكن، أوالأراضي التي قامت المساكن عليها، أكد هؤلاء، وبعصهم ضباط سابقون عاصروا المراحل الأولى للبناء، إن الإراضي التي قامت عليها «مساكن السرايا» كانت في معظمها أراضي تعود لبلدة «المعضمية» المجاورة، وجزءا بسيطا منها كانت تعود ملكيته للدولة «أرض مشاع»، ويؤكد هؤلاء إن وزارة الدفاع السورية كانت قد اشترت تلك العقارات التي أقيمت عليها المساكن في العام 1990، وبالتالي فقد باتت عائديتها منذ ذلك الوقت إلى الدولة السورية التي أضحت المالك الحقيقي لها، وهي الوحيدة التي يحق لها الادعاء، والجدير ذكره في هذا السياق أن المساكن التي كان يقطنها عسكريون، كانوا ما يزالون على رأس عملهم، كانت قد أخليت تماما منتصف شهر تموز الماضي دون أن يؤدي الفعل إلى أي نوع من التوترات، بل إنه لم يذكر في الإعلام على الإطلاق، ما يؤكد على سلاسة التسليم والاستلام.
يوم 25 آب المنصرم اقتحم عناصر تابعون لـ«فصيل المعضمية» بقيادة الشيخ «أبو حذيفة» حي السومرية، وباشروا إعطاء أوامر شفهية بوجوب إخلاء الحي، ثم قاموا بوضع إشارة «x» على المنازل المطلوب إخلاؤها خلال مدة لا تزيد على ثلاثة أيام، وأضاف هؤلاء إن «لديهم أوامر صادرة عن القصر الجمهوري»، وفقا لما وثقته مقاطع مصورة كان ناشطون قد عرضوها على صفحاتهم، وقد قالت «هنادي زحلوط» في منشور لها يوم 29 آب «أنا كنت سابقا من سكان حي السومرية، وما تم تهجيره من السكان هم العلويون فقط، القسم المدني من الحي ثلثه من الطائفة المرشدية، وفيه مسيحيون أيضا، ولم يتم التعرض لهم على الإطلاق»، ولعل ذلك يسقط من ذريعة «العشوائيات» و «التعدي على أملاك خاصة وعامة» التي تم التواري وراءها لتبرير ما يحدث، وقد نشر «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، يوم 30 آب، منشورا جاء فيه إن «أبو حذيفة قائد فصيل المعضمية يرفض البلاغ، والتوجيهات الحكومية الموجهة إلى أهالي حي السومرية، ويطالبهم بمغادرة منازلهم، موجها شتائم للرئيس والقيادة السورية»، وقد جاء ذلك بعدما قال مظهر شعير، مختار الحي، لوكالة «الصحافة الفرنسية» أنا «أطمئن الأهالي إلى إن الأوضاع استقرت، وعليهم البقاء في منازلهم وعدم تركها».
خلال يومي الخميس والجمعة الماضيين كان هناك حال من الشد والجذب بين «الفصائل» وبين الحكومة السورية ممثلة بمحافظة دمشق ولجنة «السلم الأهلي»، حيال ما يجري في الحي، ففي الوقت الذي كانت هذه الأخيرة ترسل الإشارة تلو الأخرى للتأكيد أن «ما من وجود لمخطط يقضي بتهجيرهم»، كانت الفصائل تصر على مطالبها بوجوب إخلاء الحي، وفي الوقت الذي أعلن فيه المحامي عادل خليان، من خلال منشور له يوم 29 آب، «تم إيقاف تنفيذ قرار الإخلاء حاليا، بشكل مؤقت، وسيعقد ممثلو السكان اجتماعا مع محافظ دمشق للوصول إلى حل يتناسب مع الجميع وفق القانون والمصلحة العامة»، كان مراسل «مونت كارلو»، عدي منصور، ينقل لوكالته قول أحد السكان «إن من تبقى ربما يقتل»، والجدير ذكره هنا أن تقارير لناشطين من أهل الحي كانت قد أفادت أن «نحو 80% من سكان السومرية كانوا قد أخلوا منازلهم بحلول يوم الاثنين الفائت، بعدما تعرضوا للضرب والتنكيل والتهديد بهدم منازلهم فوق رؤوسهم إذا ما أصروا على البقاء فيها»، وعلى الرغم مما لاقاه الفعل من صدى «دولي»، كان قد تمثل بتصريحات ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمم المتحدة، الذي قال في مؤتمر صحفي إن «مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسون يتابع عن كثب القضايا المعقدة المتعلقة بالإسكان والأراضي والممتلكات، مع إعطاء الأولوية لحماية المدنيين بناء على سيادة القانون، وبما يتمشى مع المعايير الدولية»، فإن «آذان» الفصائل ظلت صماء كمن يريد القول «الأمر لي» و«لا قانون، أو معايير، يعلو فوق قانونها أو معاييرها».
وما زاد في الأمر سوءا هو إن «نيران السومرية» سرعان ما انتقلت شرارتها إلى حي «المزة 86»، الذي وصلته يوم الاثنين الماضي، فوفقا لناشطين تلقى سكان هذا الحي الأخير إشعارات من «أبو حذيفة» تقول بوجوب «مغادرة الحي فورا»، والذريعة المستخدمة هي نفسها السابقة: «مساكن عشوائية»، وإذا ما كان ذلك صحيحا في حالة حي «المزة 86»، الذي تقول تقديرات إن عديد سكانه هو بين 400 - 500 ألف نسمة، فإن حل هذه المشكلة لا يكون عبر توجيه إنذارات بالإخلاء، خصوصا أن الفعل يحمل شبهة «تغيير ديموغرافي» تشمل طائفة بعينها . يقول أسامة جديد، وهو ناشط مدني وابن اللواء صلاح جديد الأمين العام المساعد لحزب «البعث» حتى العام 1970، إن «الإحصائيات تقول إن ما بين 50 - 60% من السوريين يعيشون في مناطق مخالفات جماعية، ولو طبق النظام عليها فنصف سوريا سينام في الشارع».
هذه الممارسات تضع العلويين أمام تحد مصيري، ولا بديل، في سياقه، عن طرح تساؤلات من نوع: من نحن ؟ و ما هو موقعنا في سورية الجديدة؟ بالأمس أحيت السويداء أربعين منير الرجمة، الذي ظهر في شريط مصور وهو يجيب مسلحا ردا على سؤال وجهه إليه الأخير يريد منه معرفة طائفته، الرجمة أجاب «أنا سوري»، إلا إن الشريط انتهى بإطلاق الرصاص على هذا الأخير، والشعار الذي جرى رفعه في تلك الذكرى كان يقول «السويداء تحيي ذكرى استشهاد آخر درزي قال إنه سوري»، لمصلحة من يجري الدفع بآخرين لـ «استنساخ» تلك الذكرى في مناطق أخرى؟، أو الدفع بسكانها نحو إحياء تلك الذكرى تأكيدا لتمجيدها كخيار صحيح؟
عبد المنعم علي عيسى -الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|