إيرادات النافعة ترتفع "مرة ونصفًا" مع بدء اللامركزية الإدارية
ما زالت زيارة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون التاريخية للنافعة منذ أشهر، محطّ تساؤل لدى اللبنانيين، حول ما إذا كانت كافية، لوضع مرفق عام "عصي على الإصلاح"، على سكة الإصلاح الجذريّ. في المقابل. أتت عبارة الرئيس الشهيرة "إنتو عيوننا بالنافعة... والسّاكت عن الفساد مشارك فيه"، كإقرار بأن الإصلاحات الإدارية في مرفق عام يدرّ مليارات الليرات يوميًا للدولة، وهو بمثابة "مغارة علي بابا" للموظفين الفاسدين. لكن هذه العبارة ليست كافية، إن لم تتلازم مع مكافحة الفساد في الإدارة. والأهم، أنها أتت كـ "إعلان" بأن هذا التلازم قد بدأ في النافعة بحماية ودعم من رأس هرم الدولة اللبنانية.
بعد 4 أشهر على الزيارة، أثبتت الإدارة الجديدة المعيّنة من قبل وزير الداخلية أحمد الحجار في النافعة، أنّ لها "عيونًا"، تلاحق الفساد. وآخر إنجازاتها منذ أيام، توقيف شعبة المعلومات، موظفًا "بالجرم المشهود". أما على مستوى "الخطة الإصلاحيّة" التي سبق أن فندتها "نداء الوطن" بأبعادها القريب والمتوسط وبعيد المدى، فجديدها هو البدء التدريجي باللامركزية الإدارية، ووضع اللمسات الأخيرة على "خدمة البريد"، لتدخل الخطة الإصلاحية رسميًا مداها "المتوسط".
ثبات نهج الإصلاح في النافعة، جعلها تصبح "نافعة للمواطن" بشكل تدريجي. لكن "مش ماشي الحال" بالنسبة لدويلة السماسرة، التي كشرت عن أنيابها في "منتصف" طريق الخطة الإصلاحية، معلنة أنها "لن تسمح بتمرير خدمة البريد تحت أي ذريعة"، مهددة بإقفال النافعة بوجه المواطنين، لتقف بوجه القرار الحاسم من رأس الهرم مرورًا بالداخلية بمعالجة ملف النافعة بشكل نهائي.
مصادر الداخلية التي تكشف عبر "نداء الوطن" عن تأمين دفاتر السوق قريبًا، تفصّل مقاربة الوزير أحمد الحجار للإصلاح وحيثيات زيارة رئيس الجمهورية ودعمه خطة الداخلية الإصلاحية. فكيف رفعت اللامركزية الإدارية إيرادات النافعة التي تدر مليارات الليرات يوميًا للدولة، مرة ونصف المرة؟ وكيف شكّل الموظف الفاسد والسمسار تحالفًا مافياويًا في النافعة؟ وهل ستنجح الدولة بـ"حصر الخدمات" بيد "الشرعية" أخيرًا وصولًا إلى المكننة الشاملة؟
تحالف الموظف والسمسار
منذ بداية تكليفه رئاسة مصلحة تسجيل السيارات والآليات والمركبات في الدكوانة، ضم العميد نزيه قبرصلي، جهاز تحقيق لفريقه، فسارت مكافحة الفساد، بالتوازي مع الخطة الإصلاحية. وتكشف حيثيات التوقيفات الأخيرة، فعالية هذه الاستراتيجية، علمًا أنه التوقيف الثاني من نوعه في غضون أشهر.
فبعد ورود معلومات إلى رئاسة المصلحة حول قيام الموظف (أ.م)، بتقاضي رشاوى مالية مقابل التغاضي عن مغايرات أثناء قيامه بالكشف على السيارات، تم وضعه تحت المراقبة. وبالتنسيق مع شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، تم بتاريخ 5 آب 2025 ضبطه بالجرم المشهود وتوقيفه.
وبعد اعترافه باشتراكه مع الموظف (د.هـ)، إضافة إلى بيعه صكوك بيع لمعقّبي المعاملات والكشف على السيارات من دون حضورها إلى المصلحة، "تم توقيف الموظف (د.هـ)، والمعقّبين (ب.د)، (م.ع)، و(ج.د)"، وفق بيان للداخلية.
ومع سجن المديرة العامة لهيئة إدارة السير هدى سلوم ورئيس مصلحة تسجيل السيارات أيمن عبد الغفور عام 2022 بأكبر ملف فساد ممنهج في النافعة، لم يعد من المبالغة القول إن الفساد كان يبدأ من "رؤسائها" إلى أصغر موظفيها، مع فارق عن بقية مؤسسات الدولة، هو أن نموذج الفساد فيها، كان يمتد إلى خارج الإدارة، ليكوّن تحالفًا مافياويًا بين الموظف والسمسار، ضمن "حلقة مقفلة" للربح السهل على حساب حق المواطن بالحصول على المعاملة من دون رشوة، التي تصل إلى مستوى الخوة والتهديد والابتزاز أحيانًا، كحالة نافعة طرابلس، التي أقفلتها "دويلة السماسرة" مرارًا مستقوية على الإدارة؟
والمثال الفاقع لخطورة هذا التحالف، هو فضيحة احتكار رئيس المصلحة السابق أيمن عبد الغفور، صكوك البيع المجانية، وبيعها لسماسرة محظيين، الذين باعوها بدورهم للمواطنين في "السوق السوداء"!
الداخلية: لا خيمة فوق رأس أحد
وبما أن هذا التحالف المافياوي بين الموظف والسمسار غير قابل للكسر آنيًا إلاّ عبر تفعيل المحاسبة، نسأل مصادر وزارة الداخلية، عما إذا كانت توقيفات الموظفين والسماسرة "ستصل إلى خواتيمها"، لتؤكد بشكل قاطع، أن "لا غطاء فوق رأس أحد مهما علا شأنه"، موضحة بأنّ مكافحة الفساد هي السياسة العامة لدى وزارة الداخلية، حيث يوليها الوزير أحمد الحجار اهتمامًا خاصًا، في كل الإدارات التابعة للداخلية ولن تكون محصورة بالنافعة".
إنّ مقاربة الوزارة وفق الخطة الإصلاحية للنافعة في مداها البعيد، أي الخدمة "أونلاين"، تذهب إلى إزالة مسببات هذا التحالف بالكامل، عبر المكننة الشاملة، ما يمنع احتكاك المواطن بالموظف وليس فقط لجوءه إلى السمسار.
وإلى ذلك الحين، تبدأ النافعة اليوم عهدًا جديدًا، على المدى المتوسط للخطة الإصلاحية، بعد قرار الداخلية رقم 1070، المتعلّق بتحديد المعاملات الممكن إنجازها في مصلحة تسجيل السيارات والآليات والمركبات بواسطة مشغل البريد (ليبان بوست)، بشكل اختياريّ.
في السياق، تلفت مصادر الداخلية إلى أن الوزارة "حرصت على الوصول إلى خدمة عن بُعد خالية من الفساد وبأقل كلفة"، و"سيصار قريبًا إلى الإعلان عن المعاملات المتاحة عبر البريد وتوقيت المباشرة فيها".
النافعة كأولوية للداخلية والرئاسة
ظهر اهتمام وزير الداخلية أحمد الحجار بملف النافعة، على مستويين اثنين: تعيين إدارة جديدة، لعميد آت من تحري بيروت، جمع بين الخبرة في الإصلاح الإداري، ومكافحة الفساد. والورشات اليومية في الداخلية، وإشراف الوزير على كل تفصيل في الخطة الإصلاحية فيها.
اهتمام بدأ بالمضمون وانتهى بالشكل، حيث ضم موقع الداخلية المحدث حديثًا، منصة حجوزات النافعة tmo.gov.lb إليه، وكذلك خانة ورقم هاتف للاستشارات والشكاوى، ليكون المواطن حرفيًا، "عين" الوزارة في النافعة وكل الإدارات التابعة لها...
وعن إيلاء الوزير الحجار، أولوية لملف النافعة، تقول مصادر الوزارة إنّ الهدف العام هو إصلاح هذا المرفق، عبر إعطاء الخدمة بالطريقة المثلى للمواطن، بعيدًا من نظام الفساد والرشى. وهذه المقاربة التي "استهلّت بتعيين إدارة جديدة تتمتع بالكفاءة والنزاهة برئاسة العميد نزيه قبرصلي، كان التحدي الأساسي فيها، هو توازي الإصلاح الإداري مع مكافحة الفساد، ما يضمن عدم توقف الخدمات بوجه المواطنين طيلة مدة تنفيذ الخطة الإصلاحية بمراحلها كافة".
هذه المقاربة حظيت بدعم رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، "فعكس دعمه بزيارته الشهيرة للنافعة". تضيف المصادر: "قابلت الوزارة الزيارة، بوعد بأن يكون لها أثر إيجابي وعميق على مسيرة الإصلاح في النافعة".
هكذا وضع "العهد" بدءًا من رئيس الجمهورية مرورًا بوزير الداخلية، ملف النافعة على سكة إصلاح لا عودة فيها إلى الوراء مهما كلف الثمن.
اللامركزية ترفع إيرادات النافعة
وكانت "نداء الوطن" في مقالات سابقة، واكبت إصلاحات المدى القريب في النافعة، كفتح نافعة الأوزاعي بعد سنوات على إقفالها، وإطلاق نظام الانتظار Queueing system في الدكوانة... لكنّ إصلاحا بحجم اللامركزية الإدارية، يُدخل النافعة مستوى التغيير الجذري.
يكاد يكون حال "الأرشيف" في النافعة، أي ملفات سياراتكم ومركباتكم وآلياتكم فيها، هو الصورة الأدقّ لوصف هذا المرفق العام. ففوضى الأرشيف وحالته المزرية، امتدت لتؤسس "اهتراء" مقصودًا في الإدارة وسير المعاملة. وبما أن مكننة الأرشيف هي ركيزة اللامركزية في الإدارة، أمعنت الإدارات السابقة بتعطيل أي فرصة جدية لمكننته.
في خطوة جريئة، لم تسبقها عليها أي إدارة، بدأت الإدارة الجديدة بشكل رسمي، اللامركزية الإدارية، بعد أن ظلّ السواد الأعظم من المعاملات لسنوات محصورًا في نافعة الدكوانة، مكبدًا المواطن "الجايي من آخر الدني" ذلًّا وتكاليف إضافية، ومكرسًا نظام رشى متأصل فيها. وفي حين ما زال نظام حفظ الأرشيف مركزيًا في الدكوانة، بدأت الإدارة إعداد خطة لمكننة الأرشيف بالكامل وجعل الأرشفة غير مركزية.
اللامركزية الإدارية، سرعان ما انعكست انخفاضا في الضغط على مركز الدكوانة، وتاليًا على حجوزات منصة حجز المواعيد، tmo.gov.lb في هذا الفرع الأساسي، لأنها توزعت على فروع عدة، ما سمح للإدارة، برفع عدد معاملات خدمات عدة في الدكوانة، وما رفع بدوره إيرادات النافعة في الشهرين الأخيرين لتطبيقها، مرة ونصفًا.
أكثر الأقسام تغيرًا في المشهد، كان قسم السياحة الخصوصية: من "فوضوي" ممعن في "ذلّ" المواطن، إلى مشهد عصري، تجري فيه الإدارة المعاملات في مواعيدها.
فتزامنًا مع تفعيل نظام الانتظار queueing system، وبعد أن أصبح نقل ملكية السيارات السياحية الخصوصية المسجلة سابقًا في الدكوانة والمرمزة برمز "ب" أو "ج"، وغير الحاملة لأرقام مميزة، متاحًا في المراكز الأبعد عن الدكوانة أي صيدا والنبطية وزحلة وطرابلس، وبقي الرقم المميز متاحًا حصرًا في الدكوانة، خف الضغط على هذه المعاملة على منصة حجز المواعيد، ما رفع عدد المعاملات في فرع السياحة الخصوصي في الدكوانة، من قرابة 600 إلى قرابة 1000 معاملة أحيانًا.
أما الخدمة الثانية، التي كان حجز موعد لها عبر المنصة شديد الصعوبة، نتيجة ضغط الجيوش الالكترونية للسماسرة، ونفاد المواعيد في 5 دقائق فقط، وهي كشف وتسجيل السيارات المستوردة المستعملة، فبات حجزها "ممكنًا" على المنصة، بعدما باتت متاحة في الفروع الأقرب للدكوانة، أي جونية وعاليه والأوزاعي، وكسرت مركزيتها، وهو ما رفع عدد معاملات هذه الخدمة في الدكوانة إلى قرابة 4 أضعاف عن السابق.
هذا وتمّت المباشرة باللامركزية الإدارية بشكل تدريجي. ومن أبرز الخدمات المتاحة ضمن اللامركزية: معاملات "خدمات السيارات السياحية الحاملة الرمزين (ب) و(ج) المُسجّل في الدّكوانة، وإنقاضها (توقيفها) عن السير. ومعاملة استمارات السوق والسير للخارج في المناطق. وحديثًا، الكشف وتسجيل سيارات الشحن الخصوصي (دوبل كابين).
كما عملت الإدارة على تحديث سير المعاملات المعقدة: كإتاحة معاملات نفي الملكية للطلاب عبر جامعاتهم، ورفع الأقفال عن أكثر من 4000 رخصة سوق توقف العمل بها، بإشارة قضائية عام 2022.
وبالتوازي مع فتح اختبار السوق في النبطية، والعمل على إنجازه قريبًا في صيدا وعاليه، وتعميم الحجز أونلاين عبر منصة "حجز المواعيد" tmo.gov.lb على كل فروع النافعة بعد أن كانت محصورة في الدكوانة، من المنتظر قريبًا إنهاء امتحانات سوق الدراجات النارية، واستئناف إعطاء رخص سوق الدراجات بعد سنوات من توقف إصدارها.
المعقّبون: مهنة "غير شرعية"
كل هذه الإصلاحات، المنجز منها وما هو قيد الإنجاز. و"مش ماشي الحال" في النافعة، بالنسبة لدويلة المعقبين. فـ "الحرتقة" على الإصلاحات التي سبق أن كشفتها "نداء الوطن" تتوالى فصولًا، وبلغت هذه المرة مستوى خطيرًا، قوامه مواجهة دولة المؤسسات والقانون.
إذ لم تكتف "دويلة السماسرة" بالتصرف كما لو أنها مهنة شرعية، متجاهلين نصّ المادة 387 من قانون السير : 22/10/2012، الذي ألغى مهنة معقّبي المعاملات في النافعة، بحيث "يُحظّر على أي كان من غير أصحاب العلاقة أو أصولهم أو فروعهم أو الموكل منهم قانونًا دخول الإدارة المختصة وفروعها بغية إجراء أي معاملة"، على عكس مشغل البريد الذي نصت عليه المادة نفسها، لكن أخطر ما جاء في بيانهم، كان "استعدادنا الكامل للتحرّك السلمي من اعتصامات ووقفات احتجاجية وصولًا إلى إغلاق مؤسسات هيئة إدارة السير والآليات في لبنان"، إذ "لن نسمح بتمريره"، أي خدمة البريد، "تحت أي ذريعة".
والسمسار الذي يمارس مهنة غير شرعية، ألغاها قانون السير، ولا يدفع على مدخوله من النافعة، أي ضريبة على الدخل، و"بيطلّع" أرباح خيالية، على حساب حق المواطن بالحصول على خدمة مجانية، ربما لا يعلم أنه يواجه عهدًا بأكمله، اتخذ قرارًا بمعالجة ملف النافعة.
خطاب القسم... وحصر الإدارة بيد الدولة
في خطاب القسم، الذي أصبح مرجعًا ثابتًا لحصر السلاح بيد الدولة في العهد الجديد، يتحدث رئيس الجمهورية في مقاربته لمؤسسات الدولة، عن "إدارة حديثة إلكترونية رشيقة فعّالة حيادية لاحصرية ولامركزية، تحمي المستهلك وتمنع الهدر... لأن لا قيمة لإدارة لا تقدّم خدمات نوعية للمواطنين".
اللامركزية انطلقت، والبريد انطلق بانتظار المكننة الشاملة. فهل يطبق خطاب القسم في النافعة، على صعيد دولة المؤسسات، لتنتهي دويلة السماسرة والموظفين الفاسدين، كنتيجة طبيعية لانهيار تحالف المافيا والميليشيا واستنهاض مشروع قيام الدولة؟ والأهم، هل تعمم تجربة الإصلاح في النافعة على بقية الإدارات اللبنانية؟
"الداخلية" نجحت في إنجاز استحقاق الانتخابات البلدية في وقته. فهل تنجح بتطبيق اليوم الخطة الاصلاحية على مداها البعيد في النافعة، بعد نجاحها بالمديين القريب والمتوسط، لتثبت أن الإدارة اللبنانية غير عصية على الإصلاح، وأن بناء دولة المؤسسات في لبنان، ممكن؟
فتات عياد - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|