الصحافة

طلاقٌ كامل أم تباعدٌ ظرفي: سلاحٌ بلا حلفاء!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على لبنان في السابع والعشرين من تشرين الثاني، وتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار، ثم انتخاب رئيسٍ للجمهورية وخطاب القسم، وتشكيل الحكومة الجديدة، جرى إقرار مبدأ حصرية السلاح في البيان الوزاري، بدعم تجاوز خصوم حزب الله إلى العديد من حلفائه، وهو الأمر الذي جعل الحزب يبدو في هذه المسألة كأنّه بلا حلفاء حقيقيين. فقبل حرب الإسناد، كان سلاح الحزب يحظى بتأييد أكبر من الآن من اللبنانيين من طوائف مختلفة، انطلاقًا من اقتناعٍ بجدوى الردع الذي أسّسه. غير أنّ نتائج الحرب، وما خلّفته من ضربات موجعة للحزب ولبنان على السواء، دفعت عددًا كبيرًا من الحلفاء – ولا سيما من خارج الطائفة الشيعية – إلى إعادة النظر في موقفهم، فأعلنوا بوضوح أنّ السير خلف الدولة بات الخيار الأسلم، وأنّ احتكارها وحدها لقرار السلاح هو المبدأ الذي يجب الالتزام به. وبرأي هؤلاء، فإنّ الوظيفة الأساسية لسلاح الحزب، والمتمثلة في الردع والتوازن مع العدو، قد فقدت مبرّرها ولم تعد قائمة بعد التطورات الأخيرة. فكيف تبدّلت علاقة حزب الله مع حلفائه في ظلّ هذا التباين المتصاعد حول قضية السلاح؟ وهل شكّل ذلك بداية لتصدّع التحالفات التي لطالما وفّرت له الغطاء الوطني، أم إنّه مجرّد تباين ظرفي سرعان ما سيذوب أمام حسابات السياسة اللبنانية وتعقيداتها؟

كرامي:ليس موقفي فقط!

في حديثٍ لصحيفة "المدن"، يؤكّد رئيس تيار الكرامة النائب فيصل كرامي، الذي كان مقرّبًا من الثنائي "أمل" و"حزب الله" لفترات طويلة، أنّ مبدأ حصرية السلاح أقرّته الحكومة اللبنانية التي نالت ثقة هذا الثنائي. وهذا ما يعني أنّ الموافقة على المبدأ واقعة حكماً، وبالتالي لا وجود لتباين حقيقي حول هذه المسألة. ويشير كرامي إلى أنّ السلاح، الذي كان يؤمّن معادلة التوازن والردع، فقد جزءًا أساسيًا من وظيفته بعد الحرب الأخيرة نتيجة اختلال ميزان القوى مع العدو الإسرائيلي.

ويلفت كرامي إلى أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري، وفي معرض ردّه على سؤال طرحه النائب سامي الجميّل في مجلس النواب، أعلن بوضوح أنّه مع حصرية السلاح. وهنا يسأل: "لماذا يُركَّز على موقفي أنا وحدي، في حين مختلف القوى اللبنانية أيدت هذا المبدأ؟" مذكّرًا بأنّ الحزب كان حاضرًا في خطاب القسم بعد انتخاب رئيس الجمهورية، وشارك في الحكومة بعد إقرار بيانها الوزاري، كما أنّ وزراءه حضروا جميع الجلسات، وبالرغم من انسحابهم لاحقًا، فإنّ المسار العام استمرّ باتجاه ترسيخ مبدأ الحصرية.

الدعوة إلى الدولة وسيادة الأراضي اللبنانية

ويشدّد كرامي على أنّه يدعو في جميع مواقفه إلى حصرية السلاح، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقًا لاتفاق الطائف، من دون أن يذكر يومًا عبارتي "نزع السلاح" أو "تسليمه"، لما تحمله هاتان العبارتان من معانٍ تؤدي حتمًا إلى نزاع داخلي، وهو ما يرفضه تيار الكرامة جملةً وتفصيلاً. ويضيف: "من جهتي لم يتغيّر شيء في علاقتي مع حزب الله، ومواقفي تنطلق دائمًا من الدعوة إلى إقامة دولة قادرة على السيطرة على كامل ترابها، وعلى حماية لبنان. وفي كل خطاباتي أنادي بتمكين المؤسسات العسكرية لتقوم بواجبها في حماية السيادة اللبنانية. إنّ دعوتي إلى الحصرية لا تعني أبدًا أنّني أوافق على الخروقات الإسرائيلية اليومية للسيادة الوطنية؛ بل على إسرائيل أن تلتزم القرار 1701 واتفاق وقف الأعمال العدائية، خصوصًا أنّ لبنان التزم به. وبالتالي فإنّ موقفي واضح، ويدعو للسير في اتجاه مفهوم الدولة، وكبح أي نزاع داخلي."

موقف القوى الحليفة ومراقبة التطورات

٢.أما بقية القوى الحليفة لحزب الله، ولا سيما من الطائفة السنية، والتي خاضت الانتخابات على لوائحه، وكانت من الضاربين بسيفه طيلة الفترة الماضية، فقد فضّل معظم هؤلاء عدم التعليق في الوقت الراهن. ومن بينهم كتلة “اللقاء التشاوري” ، التي شكّلها "الحزب" عملياً، وانتزع لها مقعدًا وزاريًا في حكومة الرئيس سعد الحريري، أُسنِد آنذاك للنائب حسن مراد. وقد بدا التحول الكبير في خطاب مراد نفسه واضحًا منذ الاحتفال الذي أقامه في البقاع بحضور رئيس الحكومة نواف سلام. فهو لم يكتفِ بالمطالبة بحصرية السلاح؛ بل حذّر من التطاول على مقام رئيس الحكومة، الذي كان على خلاف واضح مع حزب الله. وأكد مراد وقوفه خلف رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في مساعيهما؛ أي في مسألة تجريد حزب الله من سلاحه. وبدا ذلك إعلانًا واضحًا بالانفصال عن حزب الله، الذي نجح مراد على لائحته في البقاع الغربي عام 2022.

وقبل اليوم، كانت مواقف مراد مؤيدة تأييداً مطلقاً لحزب الله وسياسته. ففي ٣ تشرين الأول من العام 2022، كُرّم مراد من قبل مسؤول منطقة البقاع في حزب الله بحضور نائبي الحزب علي المقداد وإيهاب حمادة. كما كانت تصريحاته في فترة ما قبل الإسناد داعمة على نحوٍ كبير لحزب الله. فقد قال في إحدى تصريحاته: “لا شيء يردع عدوان العدو سوى طريق المقاومة”. وفي 24 أيار عام 2022 غرد بعبارة: “ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة”، في إشارةٍ إلى المقاومة التي حررت الأرض.

وليس النائب السابق مراد هو فقط من بدّل مواقفه. فكتلة المشاريع أيضًا أيدت خطوات الحكومة اللبنانية، وجاء في بيانها: “نجدّد دعمنا للحكومة اللبنانية في سعيها لتعزيز مؤسسات الدولة وترسيخ منطق الدولة القادرة والعادلة”. وكان نائبا المشاريع عدنان الطرابلسي وطه ناجي ترشّحا إلى جانب حزب الله في بيروت. والجمعية معروفة بطيب علاقتها بالحزب ، علمًا أنّه في اللقاء الأخير بين الجانبين، صدر بيان تحدث عن الاستراتيجية الدفاعية، والحفاظ على هوية المقاومة الداعمة لفلسطين.

في المقابل، بقي النائب جهاد الصمد هو الوحيد المتمسك بطيب علاقته مع حزب الله، والمؤيد للمقاومة تأييداً مطلقاً. وهو الذي قال خلال لقائه في بداية العام مع وفد الحزب: “ما دام هناك احتلال فهناك مقاومة”، ليغرد وحيدًا خارج الجو السني في البرلمان.

الواضح أنّ الموقف المتبدّل لحلفاء حزب الله، ومطالبتهم بدعم الحكومة وحصرية السلاح، ترافقا مع عودة السعودية إلى متابعة الملف اللبناني عبر الأمير يزيد بن فرحان. وكانت أول المعالم تسمية الرئيس نواف سلام للحكومة بدلًا من ميقاتي، وهو الأمر الذي اعتبره الثنائي في ذلك الوقت انقلابًا على التفاهمات. وتشير معلومات “المدن” إلى أنّ هذه القوى تترقّب مسار الأمور داخل الحكومة، كما تراقب الاتصالات الدولية، نظرًا لحساسية الموضوع المتعلق بكيفية تعاطي الحزب، وتعاونه مع الحكومة في مسألة الحصرية، وكذلك لمتابعة موقف المجتمع الدولي من لبنان حيال هذا الأمر.

ويُضاف إلى ذلك أنّ موعد الانتخابات النيابية بات قريبًا، على الرغم من أنّ عددًا من القوى يراهن على إمكان تأجيلها. وحتى الآن، لم تحسم هذه القوى قرارها: فهل ستعود إلى التحالف مع الحزب في حال جرت الانتخابات، أم ستلجأ إلى خيارات بديلة؟

الوقت وحده كفيل برسم معالم المرحلة المقبلة، وعلى أساسها يُبنى الموقف المناسب. ولكن حينها، كيف سيكون موقف الحزب إزاء من تخلى عنه في أحلك الأوقات، وهو الذي لطالما دعم خيارات هذه القوى وموّل حملاتها الانتخابية، وانتزع لها مقاعد حكومية، وشاركها التحالف في الانتخابات التشريعية

جشي:نحن مع مبدأ الحصرية أيضاً

وعلى الضفة الأخرى، يشير عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسين جشي، في حديثه مع المدن، إلى أنّ حزب الله نفسه مع مبدأ حصرية السلاح، مؤكدًا بالقول: "لسنا هواة حرب، ولا نحب أن يُقتل أبناؤنا أو يُقتل أبناء غيرنا. نحن صوّتْنا بالثقة على بيان وزاري أقرّ مبدأ الحصرية، غير أنّ الخلاف قائم حول الطريقة والتوقيت؛ إذ لا يمكن تسليم السلاح في ظل عدم التزام إسرائيل وخرقها المستمر للقرارات الدولية." ويضيف جشي أنّ هذا الموقف هو نفسه موقف الحلفاء الذين يدعون إلى الحصرية، ويطالبون في الوقت عينه بكبح إسرائيل، ومنعها من الاعتداء على السيادة اللبنانية كما تفعل يوميًا.

ويتابع جشي قائلًا: "نحن على مسافة طيبة من جميع الأطراف، وقد زرنا مختلف الأفرقاء بعد الحرب، وعرضنا وجهات نظرنا عليهم. وإن حصل تباين في بعض المسائل، فإنّ هناك تقاطعًا واسعًا في أخرى كثيرة، أهمها بناء الدولة، وصون السيادة، وتأمين الحدود، وهي جميعها قواسم مشتركة. فمَن منّا يريد أن تُنتهك سيادته أو تُقصف منازله؟" ويؤكد جشي أنّ مبدأ الحصرية، بما يحمله من معانٍ، لا يثير أي خلاف؛ بل على العكس من ذلك فهو يشكّل موضع إجماع، في حين يظل التباين منحصرًا في الكيفية والظرف المناسب. أما بالنسبة إلى التحالفات في الانتخابات النيابية المقبلة، فيرى جشي أنّ الحديث عنها ما يزال مبكرًا، وأنّ الحزب سيتصرّف وفق ما تمليه المصلحة الوطنية واستحقاقات المرحلة المقبلة.

الحزب يدرك حساسية المواقف والمرحلة

فتح مبدأ حصرية السلاح الباب أمام جدالات ونقاشات عديدة. فبالرغم من تحالفات طويلة الأمد بين حزب الله وعدد من الأفرقاء، رأى هؤلاء ضرورة السير خلف الدولة ومؤسساتها الدستورية، من دون أن يعني ذلك انقلابًا على الحزب. فالحزب نفسه يدرك أنّ الظروف قد تغيّرت والمعطيات قد تطورت، ولا يمكن توقع أن تبقى مواقف الحلفاء كما كانت بعد نتائج الحرب الأخيرة، التي غيّرت مسار المنطقة بأكملها. فهل يُعقل أن تبقى مواقف الأطراف اللبنانية ثابتة بعد هذه التطورات، في حين أنها عاشت وئامًا طويلًا مع حزب الله؟ ليس بالضرورة أن يعني هذا التغيير الطلاق النهائي؛ بل قد يكون عنوانًا لمرحلة جديدة تحمل بعض التباين، من دون أن تُفقد روح التقارب والتعاون التي ميزت العلاقات السابقة.

حسن فقيه - المدن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا