"قانون قيصر" سارٍ: واشنطن تتسلّح بأداة ابتزاز وتحكّم
لم يخرج رفض مجلس النواب الأميركي إلغاء قانون العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا (قيصر) عن مألوف السياسة الأميركية، التي لطالما استعملت سلاح العقوبات أداةً للإخضاع والابتزاز من جهة، وللمكافأة (عبر التلويح بإلغائها) من جهة أخرى.
القانون الذي حاول النائب الجمهوري، جو ويلسون، بدعم من منظمة «التحالف السوري - الأميركي»، تمرير إلغائه عبر دمجه ضمن جملة من التعديلات في قانون الموازنة الدفاعية الأميركية، وقوبِل بالرفض، الثلاثاء الماضي، مثّل منذ فرضه عبر تشريع خاص عام 2019 (لا يستطيع الرئيس الأميركي إلغاءه؛ إذ يتطلّب الأمر تشريعاً خاصاً أيضاً)، وتمّ تمديده عام 2024، أداةَ خنق فعّالة للاقتصاد السوري، في ظلّ القطاعات الواسعة التي يستهدفها، وعلى رأسها قطاع الطاقة وقطاع إعادة الإعمار، وتوفيره لواشنطن غطاءً قانونياً داخلياً يسمح لها بمعاقبة الدول التي تخترقه.
ومع انفتاح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على السلطات السورية الانتقالية برئاسة أحمد الشرع، بوساطة سعودية، في أثناء زيارته إلى الرياض، في شهر أيار الماضي، استعمل ترامب سلاح العقوبات باعتباره مكافأةً قدّمها إلى سوريا. إذ قام، على مدد لاحقة، بإلغاء العقوبات الرئاسية المفروضة على دمشق، كما أصدر قراراً بتجميد تلك التشريعية لمدّة ستة أشهر، بما فيها قانون «قيصر»، وسط تلويح مستمرّ بإلغاء هذا القانون كلّياً، وهو ما لم يحدث فعلياً.
وفي غضون ذلك، كانت الولايات المتحدة قد عيّنت سفيرها في تركيا، توماس برّاك، مبعوثاً خاصاً إلى سوريا، تولّى سلطات أشبه بسلطات «المندوب السامي»، ليبدأ العمل على تشكيل المشهد السوري وفقاً للنظرة الأميركية، بما في ذلك دفع السلطات الانتقالية نحو الانفتاح على إسرائيل، والترويج لانفراجات اقتصادية شكليّة توحي بتحقيق إنجازات في الملف السوري شديد التعقيد.
وفي محاولة منها لإظهار النجاح في إدارة هذا الملف، شطبت الولايات المتحدة الشرع من قوائمها الخاصة بالإرهاب، كما ألغت عقوبات تمنع تجوّل الوفد السوري في الأمم المتحدة لمسافة تتجاوز 25 كيلومتر خارج نيويورك، وبدأت مساعي إزالة الشرع وجماعته (هيئة تحرير الشام) من لوائح الإرهاب الأممية (في مجلس الأمن)، لتسهيل استقباله ومشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي أعلنت دمشق أنّ الشرع سيشارك فيها بين يومَي الـ21 والـ24 من الشهر الحالي.
غير أنّ مساعي الولايات المتحدة قوبِلت برفض من عدد من أعضاء المجلس، بينهم الصين، الأمر الذي دفع واشنطن إلى البحث عن سبل أخرى تضمن مشاركة الشرع، بينها إمكانية شطب اسمه فقط، أو منحه استثناءً لتحقيق هذه الزيارة، وسط ترجيحات بأن يتمّ اتّخاذ الإجراء الأخير (منحه استثناء) أسوةً بالاستثناءات التي تُمنح له في أثناء كل زيارة خارجية، كونه مدرجاً على لوائح الإرهاب الأممية.
وبالعودة إلى قانون «قيصر» وأبعاد رفض إنهائه، وعلى عكس محاولة إظهار وجود خلافات وتباين في السياسة الأميركية، يمثّل الإبقاء على القانون أداةً فعّالة لضمان التحكّم التام بالملف السوري في ظلّ تعدّد القوى الإقليمية والدولية المتنفّذة فيه؛ إذ يكفل استمراره انضمام جهات محدّدة لإقامة مشاريع في سوريا، في ظلّ عدم موثوقية بقاء حال التجميد لهذه العقوبات. ويعني ذلك أنّ أي استثمار يتمّ في سوريا، التي تُعدّ بسبب الدمار الكبير في قطاعاتها ساحة استثمارية كبيرة، يجب أن يمرّ عبر البوابة الأميركية التي تقدّم الضمانات اللازمة لتلك المشاريع مقابل المخاطرة بإقامتها.
وهي نقطة يبدو أنّ واشنطن تعتبرها أداةً مناسبة لمنع توسّع قوى أخرى في سوريا، بينها الصين وروسيا، خصوصاً بعد أن وسّعت إدارة الشرع خطوط تواصلها مع موسكو التي سيزورها الرئيس السوري الانتقالي الشهر المقبل. كذلك، يمثّل بقاء القانون بالصيغة المشار إليها مخرجاً ملائماً للإدارة الأميركية التي بدت عاجزة عن الوفاء بوعد قطعه رئيسها في أثناء زيارته إلى السعودية، حيث وقّع تفاهمات على استثمارات سعودية في أميركا تُقدّر بنحو 600 مليون دولار.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|