انسحاب سني هادئ من محور "حزب الله"
الحياة السياسية اللبنانية تتسم بتقلبات مستمرة، حيث تتغير الحسابات والمصالح مع كل منعطف سياسي، ويجد السياسيون أنفسهم مضطرين لإعادة رسم مواقعهم وفق المعطيات المتجددة. اليوم، يبدو أن الساحة السنية تدخل مرحلة جديدة من التحولات، تعكس رفضًا متزايدًا للهيمنة العسكرية خارج إطار الدولة، مع محاولة لإعادة توازن القوى داخل المشهد الداخلي المضطرب. وتشير التطورات الأخيرة إلى أن المكوّن السني بدأ إعادة تعريف دوره السياسي والالتفاف حول مؤسسات الدولة والمرجعية الدينية الجامعة، بما يشكّل خطوة استراتيجية نحو تعزيز الدولة وحماية مصالح جميع اللبنانيين.
إعادة تموضع سني: الدولة أولًا
تشير التطورات الأخيرة إلى مراجعة شاملة في مواقف شخصيات سنية بارزة، أبرزها رئيس حزب "الكرامة" النائب فيصل كرامي، الذي جدّد التزامه باتفاق الطائف وخارطة الطريق الوطنية، مؤكّدًا أن حصر السلاح بيد الدولة يشكّل الضمانة الأساسية لاستقرار لبنان وحماية جميع مكوّناته. وفي السياق ذاته، شدّد الأمين العام لحزب "الاتحاد" النائب حسن مراد على أن إعادة هيبة الدولة تمثّل ضرورة وطنية لحماية الأمن السياسي والاجتماعي.
تعكس هذه المواقف مرحلة من النضوج السياسي داخل الطائفة السنية، التي تتجه اليوم نحو تعزيز حضورها في مؤسسات الدولة، مبتعدة عن أي ارتباط بمحور "حزب الله"، مع تأكيدها رغبتها في لعب دور محوري في رسم السياسات الوطنية .
دور دار الفتوى: مرجعية جامعة تعيد ضبط البوصلة
اتخذت دار الفتوى دورًا محوريًا في هذا التحول، لتصبح المرجعية الجامعة للقوى السنية، بقيادة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، الداعمة لمشروع الدولة والالتفاف حول المؤسسات الوطنية. يعكس هذا الالتفاف إدراكًا عميقًا لأهمية وجود قيادة دينية موحدة توجه القرار السياسي وتعيد صياغة الخطاب الوطني للطائفة، بعيدًا من الانقسامات التي عمّقت الأزمات الداخلية .
كما تمثل دار الفتوى منصة توجيهية حيوية، حيث تتلاقى عبرها كافة الأطراف السنية لإيجاد أرضية مشتركة للسياسات الوطنية، ما يعزز دورها في ضبط البوصلة السياسية للطائفة والمساهمة في استقرار المشهد اللبناني.
انفتاح على القوى المسيحية السيادية
أكدت مصادر سنية رفيعة المستوى لـ"نداء الوطن" أن الساحة السياسية اللبنانية تشهد تحولات واضحة في خريطة التحالفات الداخلية، مشيرةً إلى تراجع تدريجي في العلاقة مع "حزب الله" مقابل انفتاح متزايد على القوى المسيحية السيادية. واعتبرت المصادر أن هذا التوجّه يعكس رغبة في حماية الدولة ومصالح اللبنانيين بعيدًا من الانقسامات الطائفية والحسابات الإقليمية .
وتجلّت هذه التحولات في مناسبات سياسية بارزة، أبرزها مشاركة شخصيات سنية في القداس الاحتفالي في معراب، إلى جانب حضور ممثل مفتي الجمهورية وعدد من الشخصيات السنية مأدبة إفطار رمضانية أقامها رئيس حزب "القوات اللبنانية". وترى الأوساط السياسية أن هذه المحطات تشكّل مؤشرات واضحة على ميل نحو شراكات جديدة تسعى لإعادة رسم ملامح السياسة الداخلية، مع التركيز على تعزيز مؤسسات الدولة وترسيخ دورها.
"حزب الله" بين القوة العسكرية والعزلة السياسية
تكشف مصادر مطلعة لـ"نداء الوطن" أنه رغم نفوذ "حزب الله" العسكري والأمني، إلا أن "الحزب" يواجه تراجعًا ملحوظًا في حضوره السياسي نتيجة تفكك بعض تحالفاته الداخلية، خصوصًا مواقف عدد من الشخصيات السنية الحليفة له. وتشير المصادر إلى أن الانهيار التدريجي للنظام السوري وتراجع الدعم الإيراني وضعا "الحزب" أمام معادلة صعبة: قوة عسكرية وأمنية كبيرة يقابلها تصاعد العزلة الداخلية، ما يضعه في مأزق استراتيجي غير مسبوق.
ويرجح أن استمرار هذا الواقع قد يعيد رسم موازين القوى الداخلية، ما يمنح الطائفة السنية والقوى السيادية فرصة أكبر لتوسيع حضورهم والمساهمة الفاعلة في صياغة السياسات الوطنية وفرصة تاريخية لإعادة بناء الدولة.
يرى المحامي والناشط السياسي أمين بشير أن المرحلة الحالية "مفصلية" في تاريخ لبنان، مشيرًا في تصريح لـ "نداء الوطن" إلى أن "نجاح الدولة في تنفيذ اتفاق الطائف وحصر السلاح بيد الجيش سيعيد رسم التوازنات الداخلية ويحصّن المؤسسات الشرعية".
وحذّر بشير من أن "الفشل في هذا المسار سيكرّس واقع الدولة الضعيفة ويتيح لـ "حزب الله" تعزيز نفوذه كقوة موازية". يمثل الالتفاف السني حول دار الفتوى والدولة فرصة تاريخية لتجاوز الانقسامات وإطلاق مشروع وطني جامع يعيد لبنان إلى مسار السيادة والاستقرار.
نحو مرحلة سياسية جديدة
التحولات السنية الحالية ليست مجرد تبدلات في التحالفات، بل تعكس إرادة حقيقية لإعادة بناء لبنان على أسس وطنية، من خلال تعزيز مؤسسات الدولة وإقامة شراكات سيادية عابرة للطوائف. ومع استمرار هذا المسار، يقترب لبنان من نهاية حقبة الاصطفافات التقليدية، ليبدأ مرحلة سياسية جديدة تضع مصلحة الدولة فوق كل اعتبار، وتشكل نموذجًا لإعادة التوازن الداخلي وتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد.
طارق أبو زينب -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|