شحادة: تعيين الهيئات الناظمة مرحلة جديدة للإدارة اللبنانية وخطوة لجذب الاستثمارات
حلم الدولة القويّة…
في بيت الكتائب في الأشرفية، استشهد الرئيس المنتخب بشير الجميّل، بعد واحدٍ وعشرين يومًا فقط على انتخابه رئيسًا للجمهورية. إنّها الذكرى الثالثة والأربعين لاستشهاد البشير، وفي مثل هذه الأيام التي تسبق الرابع عشر من أيلول، نستعيد معه حلمًا كبيرًا شاركه معه قسم كبير من اللبنانيين، حلمه بقيام دولة قويّة عادلة سيدةٍ حرّةٍ مستقلّة… غير أنّ الاغتيال أوقف المسار.
ومنذ عام 1982 وحتى اليوم، ما زال هذا الحلم حاضرًا في وجدان رفاقه، أحبّائه، وكل من عرفه وآمن بمشروعه.
ويبقى السؤال في كل ذكرى: هل يمكن أن يولد الحلم من جديد؟ وهل تقوم الدولة القويّة التي أرادها بشير، أم يبقى الحلم معلّقًا على أمل مستقبلٍ أفضل؟
لقد رأى اللبنانيون في وصول بشير الجميّل إلى سدّة الرئاسة اللبنانيّة رمزًا للقوّة والقدرة والجرأة، وصوتًا شبابيًا قادرًا على تغيير المعادلات، سواء على الصعيد المحلّي أو الإقليمي أو حتى الدولي.
فلنتذكّر معًا أبرز خطاباته وأعماله، ونقرأها على ضوء المستقبل، فنخرج من مجرّد الذكرى إلى الواقع الحالي:
لقد طالب بشير الجميّل بحصر السلاح بيد الجيش اللبناني وحده، لا بيد الميليشيات. فبدأ بنفسه، متوجّهًا إلى شبابه ومقاتليه بالقول: “نحن لا نقاتل من أجل السلاح، ولا من أجل الزعامة، بل نقاتل لنقيم دولة حقيقية”.
بهذا الموقف، جسّد بشير الفارق بين مشروع السلطة القائمة على النفوذ والقوة العسكرية، ومشروع الدولة المبني على الشرعية، القانون، والمؤسسات، وجسّد كلامه على أرض الواقع إذ طلب من شبابه بالانخراط بالجيش اللبناني.
كما انتقد بشير بشدّة عقلية الميليشيات، رافضًا منطق الدويلات داخل الوطن، وقال بوضوح: “ما في وطن إذا كل واحد عامل حاله دويلة. الدولة وحدها بتحمي، والدولة وحدها بتحاسب”.
بهذه الكلمات، وضع بشير قاعدة صلبة لفلسفة الدولة القويّة التي حلم بها: دولة واحدة، بقرار واحد، بجيش واحد، وبقانون واحد يطبَّق على الجميع بلا استثناء.
والأهم أنّ بشير دعا بوضوح إلى حصر السلاح بيد الدولة، مؤكدًا أنّه لا دولة بلا جيش ولا جيش بلا دولة، فقال: “ما في دولة إذا ما في جيش، وما في جيش إذا ما في دولة”.
كان يرى في الجيش الركيزة الأولى لقيام الدولة القويّة، فهو الحامي للسيادة، وهو الضامن لوحدة الوطن تحت سقف القانون.
وخاطب بشير اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، بروح وطنية صادقة، وقال لهم:
“القوّة الحقيقية مش بالبندقية، القوّة الحقيقية إنو نقدر نعيش سوا تحت سقف واحد ونبني وطن”.
وفي خطاب آخر أكّد قناعته بلبنان الواحد، قائلاً: “لبنان وطن لجميع أبنائه، مسيحيين ومسلمين، ولن يحكمه أحد بمفرده”.
وبهذا الخطاب الجامع، رسم بشير صورة لبنان الذي حلم به: دولة قوية بوحدة أبنائها، لا بقوة سلاح طائفة أو نفوذ فئة. وأكّد على كلّ ذلك بقوله: “نحنا بدنا لبنان الـ 10452 كلم مربّع”.
لقد آمن بشير، ومعه حلم قسم كبير من اللبنانيين، بقيام دولة سيّدة حرّة مستقلة، لا تتبع لأي دولة ولا تخضع لأي وصاية أجنبية، سواء كانت إقليمية أم دولية.
حارب المشروع الفلسطيني حين طُرح كبديل عن الكيان اللبناني، وواجه حافظ الأسد حين حاول ابتلاع لبنان ووضعه تحت هيمنته، كما وقف في وجه إسرائيل حين أرادت فرض سلامٍ منفرد معه.
بهذا الموقف، أثبت أنّ سيادة لبنان لا تُجزَّأ، وأن الدولة القوية التي حلم بها لا تقوم إلا بسلام شامل عادل ينطلق من وحدة الموقف اللبناني.
كما فرض بشير نفسه على المعادلة الدولية، فشدّ أنظار العالم كلّه إلى شخصيته الفذّة. فتوافد المسؤولون من مختلف الدول، وعلى رأسهم من الولايات المتحدة الأميركية، إلى لبنان ليلتقوا هذا القائد الشاب الذي حمل مشروع الدولة القويّة، وأثبت أنّه قادر على أن يكون لاعبًا أساسيًا في رسم مستقبل وطنه وفي التأثير على محيطه.
إن من يقرأ خطابات بشير ويحلّلها، يكتشف أنّ الواقع في لبنان اليوم هو هو، وكأنّ التاريخ يعيد نفسه. نعم، سقط بشير شهيدًا، لكن حلمه لم يسقط. حلم الدولة القويّة لم ولن يسقط، لأن بشير ما زال حاضرًا، مزروعًا في الوجدان، وأفكاره ما زالت تنبض في قلب كل شاب وشابة لبنانية يؤمنون بقيام وطن حقيقي.
دولة قويّة، تحمي جميع أبنائها، لها جيش واحد وسلاح واحد، حضور إقليمي واحترام دولي. هذا هو الحلم الذي عاش من أجله بشير واستشهد لأجله.
اليوم يفتقد لبنان بشير، لكن رجاءنا باقٍ. رجاءٌ بقيام الدولة القويّة، بحصر السلاح بيد الشرعية، وبقيام لبنان السيّد الحرّ المستقل. ما زالت أفكار بشير تتردّد في كل صدى، تحمل معها إيمانه العميق بلبنان. وهذا الحلم، الحلم بلبنان الدولة القويّة… لن يسقط أبدًا.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|