الصحافة

نتنياهو يطرد أردوغان من سوريا

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في بدايات الأزمة السورية (11 أذار 2011 )، وكانت مبرمجة اقليميا، ودولياً، دعا رجل دين بقاعي، في خطبة الجمعة، رجب طيب اردوغان، للدخول الى دمشق "غازياً أو فانحاً"، باعتباره خليفة للمسلمين، تماماً مثلما فتح القسطنطينية، السلطان محمد الثاني، كما لو أن العثمانيين لم يستبقوننا خارج الزمن لمدة أربعة قرون.

لاشك أن تجربة العرب مع الأوروبيين، والآن مع الأميركيين، مريرة، بل وكارثية. ذات مرة قال لي الامام محمد مهدي شمس الدين، وهو الفقيه الفذ، وبالرؤية البعيدة المدى، ان أكبر نكبة ألمّت بالعرب سقوط السلطنة العثمانية، ما أحدث ضجة آنذاك، اذا ما استذكرنا رسالة السلطان عبد الحميد الثاني الى شيخ الطريقة الشاذلية محمود أبي الشامات، وفيها أن سبب خلعه يعود الى "اصرار الاتحاديين بأن أصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأراضي المقدسة"، و"لقد رفضت أن ألطخ الدولة العثمانية والعالم الاسلامي بهذا العار الأبدي".

اردوغان أراد الدخول الى السلطة من البوابة الايديولوجية، والبوابة التاريخية. الدليل أنه في عام 1997، وفي ميدان عام في ولاية سيرت، استعاد أبياتاً للشاعر التركي ضياء غوقلب، وكان ذلك السبب في اعتقاله، "مساجدنا ثكناتنا... قبابنا خوذاتنا... مآذننا حرابنا... المؤمنون جنودنا"، متأثراً بالنظرية القومية لرفيقه أحمد داود أوغلو الذي ما لبث أن ابتعد عنه، حول اقامة "النيوعثمانية" التي اعتمدت على "الاخوان المسلمين"، وقد عرفوا بتأجير ظهورهم، أو بيعها، لنشكيل "النيو انكشارية".

والواقع انها اللوثة النرجسية لازمت الرجل الذي ما زال يتطلع الى لقب "السلطان"، باستعادة السلطنة. هكذا دعم استيلاء الجماعة على السلطة في مصر، بطريقة لصوص ما بعد منتصف الليل، على أن يستولي أيضاً على سوريا، بفتح أبوابه أمام تلك الحثالة الآتية من أقاصي الجحيم، حتى ما استتبت له الأمور في البلدين أمكنه وضع اليد على كل العالم العربي، دون أن يتنبه الى ألأحزمة الحمراء التي أحاطت بها القوى العظمى تركيا في الاتفاقات التي عقدت ابان، أو غداة، الحرب العالمية الأولى.

في 8 كانون الأول الفائت دخل الى سوريا عن طريق أميركا واسرائيل، وحتى روسيا. وكان هذا رهانه على التمدد في المشرق العربي، أي الى حقول النفط التي تساعده على اقامة "تركيا العظمى"، وهو الموجود، عسكرياً في قطر، على أن ينتقل الى المغرب العربي بوجوده، عسكرياً، في ليبيا، ودون أي وجود لمصر، وهو المستغرب، بغياب أي دور جيوسياسي، أو جيوستراتجي، حتى في ليبيا التي تتفتت، وفي السودان الذي يحترق، وحتى في غزة التي تذبح والتي تدمر، والتي تباد...

الآن يكثر الضجيج التركي، والأوروبي، حول احتمال نشوب الحرب بين تركيا واسرائيل التي لا تستطيع أن تتحمل دولة فاعلة بتكنولوجيا عسكرية متطورة (والى حد صناعة طائرة شبحية وبناء حاملة للطائرات)، وبخلفية أمبراطورية، حتى أن هناك باحثين اسرائيليين يرون أن تركيا أشد خطراً من ايران.

رهان اردوغان على التعاون مع نتنياهو في اعادة رسم خارطة الشرق الأوسط كان رهاناً عبثياً. الأول يريد أن تكون سوريا نقطة انطلاق في أكثر من اتجاه، لا سيما في اتجاه حقول الغاز شرق وجنوب المتوسط ، والثاني يبتغي تفكيك سوريا الى دويلات طائفية، واثنية، وتدار من تل أبيب، وهذا حلم قديم لاحنواء "ذئاب الشمال". ماذا عن دمشق التي قال سفر اشعيا انها "تزول من بين المدن وتصبح ركاماً من الأنقاض"؟

رئيس الحكومة الاسرائيلية حال دون اردوغان وغزو أو فتح دمشق. الدبابات الاسرائيلية لا التركية على أبواب المدينة، دون أي ردة فعل من أنقرة. على كل ماذا فعل اردوغان لغزة، ولحركة "حماس" التي تنتمي الى "الاخوان المسلمين". التنديد عن بعد، واستبقاء العلاقات الاقتصادية مع اسرائيل على حالها، حتى الأسابيع الأخيرة، دون قطع العلاقات الديبلوماسية.

الرئيس التركي كان يعدّ لبيع جلد أحمد الشرع الى بنيامين نتنياهو،  فاجأه بأنه يريد بيع جلده هو باعلانه أنه في "مهمة روحية" تتوخى اقامة "اسرائيل الكبرى" على أرض فلسطين وسوريا ولبنان والعراق، وصولاً الى مصر، على أن تقتطع أيضاً أجزاء من تركيا.

الصحافي التركي كمال أووتورك، وكان مستشارأً لأردوغان، كتب، منذ أيام، أن اسرائيل لم تعد تتحرك وفقاً لمقتضيات "الواقعية السياسية"، وانما وفقاً لـ "اللاهوت السياسي". (THEOPOLITICS )، وهي ترى "في أي قاعدة عسكرية تركية داخل سوريا، أو أي دعم عسكري تركي للجيش السوري، أو حتى في أي جهد عسكري تركي لتدريب القوات السورية، تهديداً مباشراً لأمنها القومي، ولهذا فهي مستعدة لأن تفعل كل ما يلزم لمنع أي وجود عسكري تركي داخل سوريا".

باختصار، طرد اردوغان من سوريا، وبعدما راح "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، التابع للوبي اليهودي، يحذر من "البارانويا العثمانية"، ومن احتمال زحف الجيش التركي الى حدود الدولة العبرية. لكن الرجل الذي يعرف ما يمكن أن تفعله الرؤوس النووية الاسرائيلية، وكذلك أين هي هذه الدولة في الأجندة الأميركية، لن يقدم على اي خطوة تفضي الى الصدام العسكري، ليبقي على ديبلوماسية الثعبان، وعلى استراتيجية الثعبان. دائماً التسلل عبر نقاط الضعف لا عبر نقاط القوة...

نبيه البرجي -الديار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا