الصحافة

السلام مع إسرائيل... الآن؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

أثار كلام الرئيس جوزاف عون عن السلام مع إسرائيل في القمّة العربية – الإسلامية الاستثنائية في الدوحة جدلًا مفتعلًا من قبل "حزب اللّه" ورهطه، بشكل أوحى وكأن رئيس الجمهورية ابتدع "من عندياته" طرحًا يبحث عن السلام في توقيت سيّئ، يتزامن مع توسيع آلة البطش الإسرائيلية جغرافيا عملياتها كي تطول عاصمة خليجية للمرّة الأولى، على الأقلّ منذ نهاية الحرب الباردة.

كلّ هذا المناخ الجدليّ المتوتر، المصحوب بحملات هجومية رعناء، يندرج ضمن أدوات التضليل التي أضافها "الحزب" إلى خطابه لإشاحة النقاش عن انكساراته المتوالية، وتحويل الضغط المنصبّ عليه باتجاه الدولة، وخصوصًا رئيسي الجمهورية والحكومة، بحيث يجدان نفسيهما مضطرين إلى إجراء فحص دم يوميّ في الوطنية.

ما قاله الرئيس جوزاف عون يمثل الطرح الذي تتمسّك به الدولة اللبنانية، والمقترن ذكره بعاصمتها "المبادرة العربية للسلام في قمة بيروت 2002"، التي اقترحها آنذاك العاهل السعودي الملك عبد اللّه (وكان وقتها ما زال وليًا للعهد)، وحصلت على إجماع عربيّ عزّ نظيره، يشتمل على موافقة الرئيس "المخلوع" بشار الأسد، الذي كان وريثًا حديث العهد يبحث عن تثبيت مشروعية حكمه، وتابعه اللبناني إميل لحود الذي بصم "كعادته" على المشيئة الأسدية، وانصرف إلى منع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، المحاصر إسرائيليًا، من مخاطبة الزعماء العرب، كي لا يخطف الأضواء من الوريث الأسدي.

هذا الطرح أعادت السعودية إحياءه بدءًا بالقمة العربية – الإسلامية الاستثنائية الأولى غداة إطلاق إسرائيل الحرب الإبادية خريف 2023، وعملت على تطويره بحيث صار يجسّد المسار الوحيد الذي يحظى بشبه إجماع دولي، مع انضمام فرنسا والعديد من القوى العالمية البارزة. وترتكز فلسفته على تجميع الأوراق السياسية لتعزيز القوّة التفاوضية للمجموعة العربية والإسلامية على طاولة المفاوضات، بالتعاون مع الشركاء الأوروبيين، لصياغة تفاهم جماعي مستدام يبتغي إنهاء الصراع. في موازاة استخدام أدوات النفوذ المتاحة لزيادة الضغط على أميركا وإسرائيل لتقريب موعد هذه اللحظة، فما من دولة تحارب إلى الأبد، ولا بدّ أن تجلس إلى الطاولة لترجمة النتائج العسكرية.

وبينما تواصل أميركا ضغوطها لفتح مسار تفاوضي منفصل بين لبنان وإسرائيل، يقود إلى إبرام اتفاق في غضون أشهر قليلة، تستطيع الأخيرة فرض ما تريد بالنظر إلى الفجوة الهائلة في الإمكانيات السياسية قبل العسكرية، وتستخدم عروضًا لإقناع السلطة السياسية تشتمل على زيادة دعم الجيش، وتصل إلى احتمالية إبرام اتفاقية دفاع أميركية – لبنانية، فإن الرئيس جوزاف عون أعاد تظهير الموقف اللبناني الرافض لمسار منفصل يستنسخ مشهدية اتفاقية 17 أيار 1983، رغم اختلاف الظروف والتوازنات.

في المقابل يريد "الحزب" إبقاء لبنان ضمن كنف المحور الإيراني، مع ما لذلك من نتائج كارثية تقترن بسيناريوات في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية شبيهة بغزة والضفة الغربية وصنعاء، ولا سيّما مع تراجع قوة إيران إلى درجة قبولها بـ "ممرّ ترامب" على حدودها، بعدما كانت العام الماضي تلوّح بالحرب، وبالتخلي عن علاقاتها الوثيقة مع روسيا بعد موافقة الأخيرة عليه العام الماضي. جلّ ما فعلته زيارة رئاسية إلى أرمينيا ابتغت شراكة الحدّ الأدنى في منافع الممرّ إيّاه.

بين طرح "السلام الآن" وأثمان إبقاء البلاد ساحة يقبض عليها محور الملالي، اختار رئيس الجمهورية تثبيت مقعد لبنان ضمن المنظومة العربية، وتوثيق ارتباطه بالمسار الذي تقوده السعودية لكونه الأكثر جدية واستدامة، أو بأي مسارات موازية قد تنشأ بغطاء عربي جامع، ولا سيّما في ظلّ تعويل لبنان على دعم الدول الخليجية في مسيرة استنهاض الدولة وإنقاذ اقتصادها من كبوته. وكذلك فعل الرئيس نواف سلام في حواره مع قناة "سي إن إن" فناله الهجوم نفسه.

الموقف الذي عبّر عنه رئيس الجمهورية، ومن قبله رئيس الحكومة، عدا عن كونه يتمتع بغطاء داخليّ متماسك، ويحظى بمشروعية خطاب القسم والبيان الوزاري، فإنه يمثل ترجمة موضوعية توازن بين الإمكانيات المحدودة والتهديدات، وتبتعد عن الاستثمار في صناعة الوهم.

فإن كانت روسيا التي تعدّ قوّة عظمى وتمتلك أوراقًا جيوسياسية بارزة رضخت للضغوط الأميركية وتناور ضمن مسار تفاوضيّ، وإيران تراجعت وتسعى إلى إبرام اتفاق مع أميركا عبر تنازلات حسّاسة، وأوكرانيا لم تتمكّن من استعادة المناطق التي احتلتها روسيا رغم وقوف الاتحاد الأوروبي خلفها، فماذا بإمكان بلد صغير مثل لبنان محدود الموارد والتحالفات أن يفعل؟

وحدها العقلانية تقي المزيد من الكوارث، ولا سيّما في خضمّ شهر سقطت فيه الأوهام، وعلى رأسها الصلاة في الأقصى.

سامر زريق-نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا