نائب الاشتراكي يتخوّف من التصعيد : غطاء أميركي لضرب لبنان (فيديو)
حين ينهار الزواج التقليدي أمام كلفة المعيشة... هل تصبح المساكنة بديلاً؟
تشهد المجتمعات العربية، ومنها لبنان، تحولات اجتماعية وثقافية متسارعة انعكست على طبيعة العلاقات الأسرية والشخصية، من أبرز هذه التحولات بروز ظاهرة المساكنة، أي العيش المشترك بين شاب وفتاة خارج إطار الزواج الرسمي، هذه الظاهرة بدأت تتنامى في مجتمعنا بين من ينظر إليها باعتبارها ممارسة طبيعية تعكس حرية الفرد في اختيار أسلوب حياته وتحرره من القيود التقليدية، ومن يراها تهديدا للبنية الاجتماعية والأخلاقية وضربا للمنظومة القيمية الراسخة.
ورغم أن المساكنة ليست جديدة عالميا، إذ تعود جذورها إلى أوروبا وأميركا منذ ستينيات القرن الماضي مع صعود الحركات التحررية والنسوية حيث عدت آنذاك تجربة عاطفية ومعيشية تتيح للشريكين اختبار التوافق قبل الارتباط الرسمي، فقد بدأت تبرز تدريجياً في لبنان مع تأثيرات العولمة والانفتاح الإعلامي وتوسع الهجرة والاحتكاك بالمجتمعات الغربية.
اليوم، باتت المساكنة واقعاً يتأرجح بين العلن والسرية، فبينما يمارسها بعض الشباب من دون اكتراث للوصمة الاجتماعية، يضطر آخرون إلى إبقائها طي الكتمان خشية المجتمع والعائلة والقانون، ولا يمكن فهم انتشارها في لبنان من دون التوقف عند مجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والفكرية التي تشكل خلفية هذا الخيار، فعلى الصعيد الاقتصادي، أدى الارتفاع الجنوني في تكاليف الزواج والمهر وحفلات الأعراس، إلى جانب أسعار الشقق والإيجارات، إلى جعل الزواج التقليدي رفاهية لا يقدر عليها معظم الشباب، ومع الانهيار المالي منذ عام 2019، تحول الاستقلال السكني إلى تحد شبه مستحيل، فكانت المساكنة بالنسبة للبعض حلا عمليا لتجاوز هذه العقبة.
أما من الناحية الاجتماعية والنفسية، فهي بالنسبة لشريحة من الشباب وسيلة لاختبار العلاقة بشكل أعمق قبل الارتباط الرسمي والتأكد من الانسجام العاطفي والفكري، معتبرين أنها تتيح التعارف الحقيقي بعيداً عن ضغوط العائلة والأطر التقليدية الصارمة، في المقابل، يذهب آخرون نحو دوافع فكرية أكثر جذرية تقوم على فكرة حرية الجسد والقرار الفردي، إذ يرون أن العلاقة العاطفية أو الجنسية لا يجب أن تربط حصراً بعقد الزواج، بل تعتبر خياراً شخصياً بين راشدين، وهو طرح يعكس تأثراً بخطاب العولمة والحركات الحقوقية والنسوية وبمفاهيم الحريات الفردية التي بدأت تلقى صدًى في المجتمع اللبناني.
لا يمكن قراءة المساكنة في لبنان خارج السياق الأوسع لصراع المجتمع مع الحداثة، فهي من جهة مؤشر على رغبة شريحة من الشباب في التحرر من منظومة اجتماعية صارمة، ومن جهة أخرى تثير مخاوف من تفكك البنية العائلية في بلد يعتبر الزواج فيه ركيزة أساسية للاستقرار الاجتماعي. تقول لينا وهي طالبة جامعية في بيروت "المساكنة بالنسبة لي خيار طبيعي، لا أريد أن أرتبط بزواج ديني أو مدني في بلد لا يعترف حتى بحقوق النساء، أريد أن أختبر علاقتي مع شريكي بعيدا عن الضغوط الاجتماعية"، في المقابل، يرى جورج وهو موظف في إحدى الشركات الخاصة، أن المساكنة ليست حلا "المجتمع لن يتقبلها بسهولة، الزواج بالنسبة لي هو التزام رسمي وأخلاقي أمام الله والعائلة، والمساكنة تخلق مشاكل أكثر مما تحلها، خصوصا عند الانفصال"، أما زميلته ليال فتؤكد أن "المساكنة سمحت لي أن أتعرف إلى شريكي بعمق بعيداً عن الأقنعة الاجتماعية" مضيفة "لسنا ضد الزواج، لكننا نريده خياراً لا فرضاً".
بينما تعتبر رانيا أن انتشار هذه الظاهرة مرتبط بشكل مباشر الظروف الاقتصادية "تكاليف الزواج المرتفعة تدفع الشباب نحو المساكنة، لكن المشكلة أن الدولة لا تعترف بها، ما يجعل الشريكين بلا حماية قانونية، خاصة في ما يتعلق بالإرث أو حضانة الأطفال"، أما العم أبو جهاد استهجن الفكرة كليا وقال "كيف أقبل أن تسكن ابنتي مع رجل من دون عقد شرعي؟ هذه إهانة للتقاليد، وتفكك للأسرة".
تشكل المساكنة انعكاسات متباينة على الأسرة والمجتمع؛ فهي من جهة تهدد فكرة السلطة الأبوية وتفتح باب النزاعات بين الأهل والأبناء، ومن جهة أخرى تدفع إلى إعادة طرح النقاش حول الزواج المدني وحرية الفرد في اختيار نمط حياته، فيما تترك على العلاقات الشخصية أثراً مزدوجاً، إذ تمنح الشريكين فرصة أعمق للتعارف والتجربة المشتركة، لكنها في الوقت نفسه تبقي العلاقة هشّة بفعل غياب الالتزام الرسمي وما يحمله من ضمانات اجتماعية وقانونية.
ويرى علماء الاجتماع أن "المساكنة تعكس تحولا قيميا عميقا، لكنها تصطدم بغياب التشريعات المدنية التي تحمي حرية الأفراد، وتبقى حبيسة الفجوة بين الأجيال، وانتشارها يتطلب تغييرات قانونية وثقافية جذرية".
مصدر قانوني أوضح أن "القوانين اللبنانية لا تنص مباشرة على تجريم المساكنة، لكنها تحمي القيم العامة عبر مواد تتعلق بالآداب، أي أن المساكنة بحد ذاتها لا تعتبر جريمة، إلا أن المجتمع الضاغط والقوانين الدينية يجعلانها حالة "خارج الشرعية".
أضاف "لا يمكن غض النظر عن فكرة أن المساكنة أصبحت أقوى من أي تشريع، حيث إنها باتت في بعض المناطق أمراً واقعاً يفرض نفسه، غير أن ذلك لا يعطي الأشخاص أي حقوق مهما طالت مدة المساكنة، بعكس الحال في بعض الدول الغربية التي يستطيع فيها الشريك المطالبة بتعويضات في حال وقوع أي خلاف، كما أن بعض الدول سمحت للشريك بأن يرث الشريك الآخر بعد الوفاة"، وعن إمكان قوننة المساكنة، وتنظيمها في القانون اللبناني، أشار إلى أن "الموضوع خارج البحث حاليا، في وقت لا يزال قانون تنظيم الزواج المدني الاختياري مثار جدل".
ودعا ناشطون حقوقيون إلى إقرار قانون مدني للأحوال الشخصية يكرس حرية الاختيار ويحمي العلاقات الرضائية بين البالغين.
في المقابل، يواجه خيار المساكنة في لبنان رفضاً واسعاً من أطراف دينية واجتماعية وقانونية ترى فيه خروجاً عن القيم التقليدية، فالمؤسسات الدينية، المسيحية والإسلامية على حد سواء، تعتبر المساكنة مخالفة للشريعة و "خطيئة" تهدد قدسية الزواج كسر أو كعقد شرعي يضمن استمرارية الأسرة وحمايتها، أما على الصعيد القانوني، فلا يعترف التشريع اللبناني بالمساكنة، إذ إن قانون الأحوال الشخصية يخضع للمرجعيات الطائفية، ما يجعل أي علاقة خارج الزواج الرسمي غير مؤطرة، مع ما يترتب على ذلك من إشكاليات خطرة تتعلق بالحقوق المدنية، مثل الإرث، النسب، أو حضانة الأطفال.
الجدل القائم حول المساكنة يكشف عن صدام عميق بين جيلين: جيل متمسك بالقيم التقليدية التي تعتبر الزواج المؤسسة الوحيدة الشرعية والآمنة لبناء الأسرة، وجيل جديد يرى أن الحرية الفردية تقتضي حق التجربة والاختيار بعيداً عن الإملاءات المجتمعية والدينية، وهنا يبرز السؤال: هل ستبقى المساكنة ظاهرة محصورة بفئات شبابية محدودة، أم أنها ستتحول مع الوقت إلى ممارسة أكثر شيوعا تعيد رسم ملامح الأسرة اللبنانية في المستقبل؟
ربى أبو فاضل - "الديار"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|