تحوّلات خطاب نعيم قاسم: بين التخبّط والنهايات!
يأتي الخطاب الأخير لـ"حزب الله" بين إغراءات إعادة التموضع الإقليمي وضغوط حصرية السلاح في لبنان.
ففي لحظة سياسية شديدة الحساسية، وواقع لبناني مأزوم اقتصادياً وأمنياً، خرج الأمين العام للحزب نعيم قاسم بخطاب أثار ضجة واسعة، دعا فيه السعودية إلى "فتح صفحة جديدة" مع الحزب. هذه الدعوة لم تمر مرور الكرام، ليس لكونها نادرة في خطاب "حزب الله" فحسب، بل لأنها أتت في لحظة إقليمية مشحونة بعد العدوان الإسرائيلي على الدوحة، واستمرار الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان وآخرها مجزرة بنت جبيل، وفي وقت يعمل فيه الموفدون الدوليون على فرض إيقاع جديد في لبنان، أساسه إعادة الدولة إلى قلب المعادلة ونزع سلاح الميليشيات.
السياق الإقليمي: رسائل متقاطعة
فالخطاب جاء متزامناً مع حراك عربي ودولي غير مسبوق. الموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان يجول في بيروت حاملاً رؤية واضحة عنوانها: لا استثمار سعودياً ولا انتعاش اقتصادياً قبل تنفيذ قرار الحكومة اللبنانية حصر السلاح بيد الجيش اللبناني.
الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس تصل إلى بيروت برسالة أكثر صراحة: أمام لبنان أسابيع أو أشهر قليلة قبل أن تتحول القرارات الدولية إلى إجراءات ضغط، وربما عقوبات على الجهات المعطلة.
هذا التزامن يجعل من خطاب قاسم محاولة لاقتناص اللحظة. فالحزب الذي اعتاد مواجهة السعودية وخوض حملات إعلامية وسياسية ضدها لعقود، وجد نفسه اليوم أمام معادلة جديدة: عودة السعودية إلى المشهد اللبناني بقوة، مدعومة بزخم عربي ودولي، ومزاج شعبي ضاغط يطالب بوقف الانهيار الاقتصادي والمالي.
قراءة في دوافع الحزب
المراقبون قرأوا دعوة قاسم من زوايا متعددة:
1- الإشارات الإيرانية المحتملة
قد يكون خطاب قاسم انعكاساً لتبدّل ما في المزاج الإيراني، خصوصاً مع المفاوضات التي تجريها طهران مع دول الخليج بشأن ملفات اليمن والعراق وسوريا. فإيران التي تعيد تموضعها قد تكون أعطت الضوء الأخضر للحزب لتخفيف حدة المواجهة مع السعودية، في محاولة لتخفيف الضغط على طهران بعد العقوبات الأميركية والأزمات الداخلية المتصاعدة.
2- أزمة داخلية خانقة
الحزب يواجه أزمة مالية حادة نتيجة تقلص التمويل الإيراني والعقوبات الغربية، وتراجع قدرته على الإيفاء بالتزاماته حيال بيئته الحاضنة التي تعاني من خسائر فادحة منذ الحرب الأخيرة، ومن تجميد شيكات "القرض الحسن" التي تباع اليوم بنصف قيمتها في السوق السوداء. هذه الضغوط تجعل الحزب يبحث عن أي منفذ لالتقاط أنفاسه، حتى لو كان ذلك عبر فتح خط تواصل مع خصوم الأمس.
3- محاولة لاستعادة دور إقليمي
ربما يراهن الحزب على أن يعيد تسويق نفسه قوة مقاومة عربية، يمكن توظيفها ضد إسرائيل، مستغلاً موجة الغضب العربي بعد قصف الدوحة. إلا أن المعادلة العربية اليوم تغيّرت، فالأولوية لم تعد للمواجهة العسكرية، بل للاستقرار الاقتصادي وبناء الدول القادرة.
التخبط داخل الحزب!
خطابات قاسم الأخيرة بدت أحياناً غير منسقة، وهو ما يقرأه البعض دليلاً على ارتباك داخلي بين القيادة السياسية والعسكرية للحزب، وبينها وبين جمهورها، وهذا يتأكد من ممارسات بعض قيادييه، وخصوصاً إقالة المسؤولة الإعلامية في الحزب رنا الساحلي التي يقال انها من ضمن اعادة ضبط الهيكلية الحزبية .
هذا الارتباك يكشف أن الحزب يقف عند مفترق طرق: إما الدخول في تسوية شاملة تعيد ترتيب العلاقة بين الدولة والسلاح، وإما المضي في مواجهة قد تفقده ما تبقى من رصيده الشعبي والإقليمي.
الموقف السعودي الحاسم!
الرد السعودي على خطاب قاسم كان حاسماً: المملكة "لا تحاور ميليشيات"، كما قال السفير السعودي السابق في لبنان علي عواض عسيري، والموقف الرسمي كما جاء من مصادر الأمير يزيد بن فرحان، أكد أن أي دعم اقتصادي أو استثماري للبنان مشروط بتنفيذ قرارات الدولة اللبنانية في حصرية السلاح، وهيأايضاً تأكيد على العلاقة المحصورة بالدولة .
الرسالة واضحة، لا دور للحزب خارج إطار الدولة، وأي حوار معه هو مجرد "أضغاث أحلام".
وفي المقابل وجه بن فرحان رسائل ايجابية نحو الطائفة الشيعية في لبنان، ويقال انه ابلغ الرئيس نبيه بري ان السعودية ترفض الصدام وإراقة الدماء في لبنان وتعتبر احتضان الشيعة من ضمن الدولة أولوية.
الأسابيع الحاسمة!
غير ان ما يزيد الضغط على الحزب هو ما كشفته مصادر ديبلوماسية أن المهلة أمام الحكومة اللبنانية قصيرة جداً – أسابيع أو أشهر قليلة – قبل أن يتحول الحديث عن حصرية السلاح إلى إجراءات على الأرض وربما قرارات دولية ملزمة. وصول الموفدة الأميركية أورتاغوس إلى بيروت يعزز هذا الاتجاه كما تسرب.
بين الفرصة والهاوية!
خطاب نعيم قاسم إذن ليس مجرد مناورة إعلامية، بل مؤشر على مرحلة حرجة يمر بها الحزب ولبنان في آن واحد. فإما أن يلتقط الحزب فرصة الانخراط في مشروع الدولة والقبول بجدول زمني واضح لحصر السلاح، وإما أن يذهب إلى مواجهة مع الداخل والخارج معاً، قد تضعه أمام نهايات غير محسوبة.
محمد عبدالله - النهار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|