الشيباني يصطدم بشروط أميركية أبرزها حماية الأقليات
تواجه سوريا الآن تحوّلات دولية ملحوظة ومحورية يقودها الرئيس أحمد الشرع، وذلك بعد خروج دمشق من حرب دامت أكثر من عقد وفي ظلّ أزمات إنسانية حادّة ومستمرّة. وفي رصد لزيارة وزير خارجية سوريا أسعد الشيباني إلى واشنطن الأسبوع الماضي، محدثًا حركة تلقّفها البعض بإيجابية فيما لم ترق لآخرين، أشار متابعون إلى أنها سلّطت الضوء على تحوّل كبير في المشهد الجيوسياسي للشرق الأوسط، ولا سيّما في ما يتعلّق بالتفاعل المعقّد بين سوريا وإسرائيل وسوريا والولايات المتحدة.
وأوضحت المصادر أن مناقشات الشيباني تمحورت حول إمكانية إعادة بناء العلاقات السورية - الأميركية، التي تبيّن أنها رهن برفع العقوبات ودعم المجتمع الدولي لجهود إعادة الإعمار. وحاول الشيباني تسويق أهمية إعطاء فرصة لتعاون جديد مع سوريا، سعيًا في البدء إلى إخراج دمشق من سنوات العزلة، لكنه اصطدم بشروط أميركية كثيرة، أبرزها أن توليَ القيادة السورية الجديدة الأولوية لحماية الأقليات.
ورغم وجود تفاؤل حذر حول إمكانية عودة سوريا كدولة "مسالمة خالية من النفوذ الإيراني"، لا تزال هناك تحدّيات كبيرة، ليس فقط في تعزيز الحكم المحلّي الذي يضمّ أصواتًا متنوّعة، ولكن أيضًا في التعامل مع العداوات التاريخية التي تربط سوريا ولبنان وإسرائيل في مثلث معقد من الأمن والدبلوماسية.
وأكّدت مصادر أميركية أن إدارة الرئيس ترامب تتفهّم أن رئاسة الشرع تأتي بعد سنوات من حرب أهلية تركت ندوبًا على النسيج السياسي والاجتماعي لسوريا، وأن الشرع يواجه مهمّة شاقة تتمثل في إعادة بناء اقتصاد مُدمّر، مع مخاطبة شعب يتوق إلى الاستقرار والأمن. ويُعدّ هذا السياق بالغ الأهمية لفهم دوافع التواصل الدبلوماسي الأخير للحكومة السورية. وترى واشنطن هذا الحراك السوري الرسميّ المدعوم من دول إقليمية كالسعودية وتركيا وقطر، محاولة للتواصل مع أصحاب النفوذ الدوليين والدعوة إلى رفع العقوبات، ولا سيّما تلك المنصوص عليها في "قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا"، الذي فرض قيودًا شديدة على التجارة والاستثمار الدوليين في البلاد.
وتحدّثت هذه المصادر عن أن الشيباني لا يبالغ في أهمية سعي حكومة دمشق إلى تخفيف العقوبات، لكنه اعترف بأن الطريق إلى تخفيف هذه القيود مليء بالتعقيدات السياسية. فخلال اجتماعات الشيباني مع المسؤولين الأميركيين، أوضحت شخصيات بارزة، بمَن فيهم السيناتور ليندسي غراهام وأعضاء في الكونغرس، أن أي تحرّك نحو رفع العقوبات سيعتمد على استيفاء سوريا شروطًا صارمة. وتشمل هذه الشروط ليس فقط التعاون العسكري والأمنيّ ضدّ "داعش"، بل أيضًا الالتزام بحقوق الإنسان والاستقرار الإقليميّ وإصلاحات الحوكمة الهادفة.
ويُجسّد التعديل الذي طرحه غراهام مع زميله كريس فان هولين، هذه الشروط في إطار تشريعي يُقيّد إمكانات سوريا في التعافي الاقتصادي ما لم يُحرَز تقدّم كبير. ويقول المنتقدون إن هذا التعديل قد يُهيّئ سوريا للفشل، ما يُفاقم الأزمة الإنسانية التي يواجهها السوريون. وسمع الشيباني أيضًا عن القلق الأميركي من المقاتلين الأجانب، من هنا فإن تركيز التعديل على إبعاد المقاتلين الأجانب عن المؤسّسات السورية يدخل بعمق في تعقيدات السياسة الإقليمية. وتعكس هذه الشروط إجماعًا بين الحزبَين يهدف إلى ضمان ألا تُقوّض أي تنازلات أميركية، عن غير قصد، الأمن أو حقوق الإنسان في المنطقة.
ولفتت المصادر إلى أن الدوافع الأميركية متعدّدة الجوانب. فمِن جهة، تسعى واشنطن إلى موازنة الضغوط والحوافز بطريقة تهدف إلى تسهيل إصلاحات حقيقية في الحكم والأمن في سوريا، مع إدراكهم تفاصيل الواقع السياسي في الشرق الأوسط. واعتبرت المصادر أن ذلك يرمز إلى استراتيجية أوسع نطاقًا لتعزيز نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، مع مراعاة العلاقات الحسّاسة مع الحلفاء، خصوصًا إسرائيل.
وفيما تقوم سوريا الحالية بمسعى لاستعادة شرعيّتها الدولية وترسيخ سيطرتها على مشهد مُجزّأ، مثّل رفع العلم السوري في سفارة دمشق بواشنطن أكثر من مجرّد لفتة دبلوماسية، إذ شكّل تجسيدًا لاستعادة مكانة دمشق في المجتمع الدولي بعد سنوات من العزلة.
وتعكس التداعيات الأوسع نطاقًا رغبة الحلفاء الإقليميين في اعتبار سوريا قوّة استقرار، لا مصدرًا للصراع. وقد أشار مصدر دبلوماسي أميركي إلى أن هذا التواصل مع واشنطن يسهّل الحوار مع الدول المجاورة، خصوصًا إسرائيل وتركيا والعراق. فالتطوّرات المحيطة بحكومة الشرع تعكس سعيًا سوريًا لإعادة تعريف الهوية في بيئة جيوسياسية سريعة التغيّر. ويبقى السؤال مطروحًا: هل سيتمكّن الشرع من التعامل مع المطالب المعقدة التي وضعتها واشنطن، أم أن هذه الشروط ستؤدّي فقط إلى إطالة عزلة سوريا؟ باختصار، لا يزال الطريق أمام حكومة الشرع محفوفًا بالتحدّيات، وستتوقف إمكانية التعاون على ما هو أكثر بكثير من مجرّد إعلانات نوايا أو لفتات رمزية، بحسب مصادر واشنطن.
أمل شموني -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|