بالفيديو - مخابرات الجيش تُداهم حقلاً لزراعة "الماريجوانا" في جرد جبيل
رغم الانفتاح تجاه سوريا.. لماذا تتمسك واشنطن بـ"قانون قيصر"؟
في لحظة بدت وكأنها مستقطعة من رواية سياسية محمّلة بالرمزية، اجتمع الرئيس السوري أحمد الشرع بالمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الجنرال ديفيد بيترايوس في نيويورك، على هامش قمة "جامعة كونكورديا" حول الأمن والديمقراطية.
اللقاء حمل أكثر من بعد: مشهد "السجين السابق" يجلس على كرسي الرئاسة بينما "السجان السابق" يخاطبه باحترام "سيادة الرئيس".
هذه المفارقة التاريخية لم تمر مرور الكرام، بل فتحت الباب أمام أسئلة أعمق: كيف تغيّر الموقف الأميركي من الشرع؟ هل وجوده في نيويورك يعني أن كل العقبات زالت من أمام سوريا؟ ولماذا تتمسك واشنطن بقانون قيصر رغم الانفتاح؟
رمزية اللقاء بين السجين والسجان
الجلسة التي جمعت الشرع وبيترايوس لم تكن مجرد محادثة عابرة، بل اختزال لمسار طويل من الصراع والتحولات. بيترايوس كان ذات يوم القائد الأعلى للقوات الأميركية في العراق، والمسؤول عن ملاحقة الشرع، بل وعن اعتقاله. وهو نفسه الذي أشرف على رصد ملايين الدولارات مقابل أي معلومة تؤدي إلى القبض عليه.
لكن على منصة نيويورك، تغيّر المشهد كليا. بيترايوس كرر مخاطبته للشرع بلقب "سيد الرئيس"، فيما يشبه اعترافا سياسيا صريحا بشرعية من كان يُنظر إليه كخصم وعدو.
الشرع التقط اللحظة وأضفى عليها بُعدا تاريخيا حين قال: "التقينا في ميدان الحرب والآن نلتقي في ميدان الحوار".
وصف محلل الشؤون الأميركية في سكاي نيوز عربية موفق حرب خلال حديثه إلى برنامج " ستوديو وان مع فضيلة" هذه اللحظة بأنها "مقاربة ومقارنة جميلة"، حيث يلتقي "السجين السابق مع السجان السابق". لكنه اعتبر في الوقت ذاته أن ما بدا يومًا مشرقًا للشرع، لم يكن يومًا جميلاً للقيم الأميركية، بل فضح ازدواجية واشنطن بين شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان من جهة، والمصالح البراغماتية الضيقة من جهة أخرى.
بيترايوس.. من نجم صاعد إلى محاور الشرع
لا يمكن قراءة هذا اللقاء بمعزل عن مسيرة بيترايوس نفسه. فقد كان أحد أبرز الوجوه الصاعدة في المشهد السياسي والعسكري الأميركي بعد نجاحاته في العراق ومحاربته لتنظيم "داعش"، إلى درجة الحديث عن إمكانية ترشحه للرئاسة. لكن "فضيحة جنسية" أطاحت بطموحاته السياسية وغيّرت مسار مستقبله.
موفق حرب رأى في هذا التلاقي نوعًا من "سخرية القدر ولعبة التاريخ": فالرجل الذي كان يومًا "السجّان" يقف الآن في موقع المحاور، بينما "السجين" السابق يجلس على كرسي الرئاسة.
بالنسبة لحرب، الولايات المتحدة اليوم نفسها "سجينة مصالحها الضيقة"، وهو توصيف يعكس تحوّل السياسة الأميركية إلى إدارة يومية للملفات بعيدًا عن القيم الكبرى التي طالما تغنّت بها.
الانفتاح على الشرع.. بين التلميع والعلاقات العامة
التغيير في الموقف الأميركي لم يكن وليد الصدفة. وفق حرب، ما جرى يندرج في إطار "حملة علاقات عامة كبرى" هدفها إعادة تقديم الشرع كلاعب مقبول يخدم مصالح واشنطن وحلفائها.
الولايات المتحدة، كما يقول حرب، اعتادت أن تُدار فيها السياسات عبر المال والنفوذ. وفي هذه الحالة، لعبت حملات العلاقات العامة دورًا بارزًا في صياغة صورة جديدة للشرع، بعيدًا عن تاريخه السابق. حتى الرئيس ترامب نفسه، حين التقى الشرع في الرياض، لم يتردد في الإشادة به واصفًا إياه بالرجل القوي والجذاب.
هذا الانفتاح لم يكن قرارا أميركيا صرفا، بل جاء بدفع واضح من حلفاء واشنطن الإقليميين، خصوصًا السعودية وتركيا. حرب شدد على أن "إصرار ولي العهد السعودي" كان حاسمًا في ترتيب لقاء الشرع مع ترامب في الرياض، ما مهّد الطريق إلى إعادة إدماجه في المعادلة السياسية الدولية.
المصلحة الأميركية.. احتواء النصرة وتثبيت النفوذ
بعيدا عن الصورة العلنية، يبرز البعد الأمني والاستخباراتي كمحرك رئيسي للتحول الأميركي تجاه دمشق.
وفق حرب، هناك قناعة لدى بعض دوائر القرار في واشنطن بأن التعامل مع الشرع وحكومته يخدم هدفًا استراتيجيًا مباشرًا: احتواء جبهة النصرة، التي تحولت إلى سلطة أمر واقع في دمشق.
كما أن داخل بعض مؤسسات الاستخبارات الأميركية، ودوائر مقربة من الرئيس ترامب، جرى تبرير هذا الانفتاح باعتباره ضرورة لحماية المصالح الأميركية المباشرة. هنا يطل البعد البراغماتي مجددًا: واشنطن لم تغيّر موقفها حبًا بالقيم الديمقراطية، بل لحسابات أمنية دقيقة.
قانون قيصر.. ورقة الضغط المستمرة
على الرغم من كل هذا الانفتاح، يذكّر حرب بحقيقة قانونية جوهرية: العقوبات الأميركية على سوريا لا تُلغى بقرار رئاسي، بل بقانون صادر عن الكونغرس. وبالتالي، فإن بقاء "قانون قيصر" يعكس تمسك واشنطن بورقة ضغط فعالة تستخدمها متى شاءت.
المسار الحالي، وفق حرب، يقوم على "التخفيف التدريجي" للعقوبات مقابل خطوات محدودة من جانب دمشق. لكن إبقاء جزء من العقوبات يرتبط بحسابات أبعد: ابتزاز سياسي، وضمان التزامات سرية قطعها الشرع في لقاءاته مع مسؤولين أميركيين، وربما استخدام العقوبات كأداة لدفع دمشق نحو خطوات في الملف الإسرائيلي.
إسرائيل.. الموقف المترقب والضربات المستمرة
الملف الإسرائيلي يبقى حجر عثرة أمام أي انفراج كامل في علاقة واشنطن بدمشق. حرب طرح تساؤلات واضحة: هل إسرائيل داعمة للانفتاح على الشرع؟ أم أنها تكتفي بمراقبة المشهد من بعيد؟
حتى الآن، يصف حرب الموقف الإسرائيلي بأنه "غير متحمس"، والدليل أن الغارات الإسرائيلية على سوريا لم تتوقف، بل صارت شبه يومية، تستهدف مواقع في دمشق ومحيطها.
هذا السلوك يعكس أن إسرائيل، رغم قبولها الضمني ببقاء النظام، لا تريد أن تُمنح دمشق شرعية مطلقة من دون مقابل في ملف الجولان أو الترتيبات الأمنية.
إسرائيل تدرك أن الشرع لم يطرح منذ وصوله مطلب استعادة الجولان، وهو ما يريحها نسبيًا. بالنسبة لها، الأولوية هي الاستقرار على الحدود ومنع تحول سوريا إلى "منصة فوضى" على غرار الصومال أو أفغانستان. لذلك، تقبل إسرائيل بالدعم الأميركي والتركي والعربي لحكومة الشرع، لكنها تحافظ على هامش ضغط عسكري يذكّر دمشق بأن الأمن الإسرائيلي خط أحمر.
ازدواجية القيم والمصالح الأميركية
المشهد بكامله يلخص التناقض الأميركي المزمن بين الخطاب والممارسة. ففي حين ترفع واشنطن شعارات حماية الشعوب ونشر الديمقراطية، تكشف حالات مثل لقاء الشرع وبيترايوس عن وجه آخر: السياسة تُدار بمنطق المصالح المباشرة، لا المبادئ.
موفق حرب عبّر عن هذا بوضوح: ما جرى ربما كان "يومًا مشرقا للشرع"، لكنه ليس كذلك للديمقراطية الأميركية. بالنسبة إلى من يؤمنون بالقيم، ما حدث يكرّس انتصار البراغماتية على المبادئ، ويكشف أن حملات العلاقات العامة والمال قادرة على إعادة تأهيل حتى أكثر الخصوم إثارة للجدل.
خلفيات أمنية واستخباراتية غير معلنة
حرب لم يستبعد أن تكون هناك "اعتبارات سرية" دفعت واشنطن إلى القبول بالشرع. أشار إلى أن الرجل كان على صلة بتنظيمات مرتبطة بالقاعدة وأبو مصعب الزرقاوي وأبو بكر البغدادي، لكنها لم تسجل ضده شخصيًا دماءً أميركية مباشرة. وهذا العامل ربما سهّل إعادة تأهيله.
إلى جانب ذلك، الاستخبارات الأميركية رأت في خبرته معرفة عميقة بالجماعات الجهادية، ما يجعل منه أداة محتملة لمحاربة من كانوا بالأمس رفاق سلاحه. هنا، يختلط الأمن بالاستخبارات بالسياسة، في مشهد يوضح أن القرار الأميركي لم يكن قرارًا سياسيًا مجردًا، بل خطوة محسوبة بدقة لمصلحة أمنية مباشرة.
دروس التاريخ وتكرار الأنماط
لقاء الشرع ببيترايوس ليس الأول من نوعه في تاريخ السياسة الأميركية. حرب ذكّر بأن واشنطن التقت بقادة حول العالم وهي تفرض عليهم العقوبات في الوقت ذاته، من إيران إلى سوريا في عهد كلينتون. اللقاءات لا تعني رفع العقوبات، بل هي جزء من لعبة الضغوط والمساومات.
وبهذا المعنى، تكرس التجربة السورية الحالية نمطًا قديمًا: الولايات المتحدة تُبقي العقوبات كورقة بيدها، وتفتح الحوار حين ترى مصلحة مباشرة، فيما يظل الشعار الديمقراطي مجرد غطاء.
حدود الشرعية السورية الجديدة
على الرغم من الاعتراف الأميركي غير المباشر بشرعية الشرع، فإن الطريق أمام دمشق ما زال مليئًا بالعقبات. هناك وجود عسكري روسي مستمر، ملف الأقليات لم يُحسم بعد، موضوع السويداء حساس، والاعتبارات الأمنية الإسرائيلية لا يمكن تجاوزها.
كما أن هناك في الكونغرس أصواتًا ترفض الانفتاح الكامل وتصر على نهج "خطوة مقابل خطوة". بمعنى آخر، لا يمكن القول إن الشرع تجاوز كل الحواجز. بل هو في مرحلة انتقالية، حيث يُختبر التزامه بالوعود السرية والعلنية، قبل أن يمنح أي ضوء أخضر لرفع كامل للعقوبات.
من الحرب إلى الحوار.. لكن الطريق طويل
لقاء الشرع وبيترايوس شكّل لحظة فارقة على مستوى الرمزية والتاريخ، لكنه لم يكن نهاية الصراع أو تتويجًا لمصالحة شاملة. هو بالأحرى انعكاس لبراغماتية أميركية تتبدل وفق الحسابات الأمنية والسياسية، لا وفق المبادئ.
بالنسبة للشرع، كان المشهد انتصارًا شخصيًا وسياسيًا: من سجين في يد بيترايوس إلى رئيس يخاطبه باحترام. أما بالنسبة للولايات المتحدة، فالأمر مجرد تكتيك جديد في إدارة ملف معقد، حيث تبقى العقوبات قائمة، وإسرائيل حاضرة، والملفات الداخلية السورية مفتوحة على كل الاحتمالات.
التحول الأميركي تجاه دمشق قد يفتح نافذة جديدة، لكنه لا يلغي حقيقة أن السياسة تُدار في النهاية بمنطق المصالح والضغوط. واللحظة التي بدت تاريخية في نيويورك، قد تبقى مجرد محطة في مسار طويل ما زال محفوفًا بالتناقضات والمساومات.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|