موازنة الأمر الواقع والإصلاح المفقود
كتب العميد الدكتور غازي محمود :
أقر مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في القصر الحكومي يوم الاثنين الماضي الموافق 22 تشرين الأول، موازنة العام 2026 التي كادت أن تأتي مطابقة لموازنة عام 2025، لو لم تزد نفقاتها بنسبة %13.59 عن سابقتها، حيث بلغت إجمالي النفقات في المشروع الجديد 505.72 تريليون ليرة لبنانية، ما يوازي 5.65 مليار دولار أميركي. في حين اقتصرت نفقات موازنة عام 2025 على 445.21 تريليون ليرة لبنانية وتعادل 4.97 مليار دولار أميركي.
في الشكل، التزمت وزارة المالية بالمهل القانونية في إعداد الموازنة العامة ومن ثم عند إحالتها الى مجلس الوزراء قبل نهاية شهر آب الفائت. وبالشكل أيضاً، تتوازن الإيرادات والنفقات في مشروع الموازنة الجديدة، الامر الذي يطرح السؤال عن حقيقة هذا التوازن في حين تم تغييب مستحقات خدمة الدين العام، وتكوين مؤونة لإعادة جدولة محفظة سندات اليورو بوند البالغة 41 مليار دولار، بالإضافة الى فروقات الصرف المستحقة لمصرف لبنان والبالغة 16 مليار دولار أميركي، عدا المبالغ التي تتطلبها إعادة رسملته.
وتجدر الإشارة الى أن الموازنة لا تتضمن مستحقّات الفيول العراقي المتوجبة على لبنان للعراق والتي اصبحت تُناهز قيمتها مليارَيْ دولار أميركي، كما لم تلحظ ما يترتب على الخزينة من التزامات تفرض عليها التحوط لها وتشمل، ليس أقلها إعادة ما تبقى من الودائع والبالغة 72 مليار دولار، بالإضافة الى جدولة مبلغ 1 مليار دولار لصالح صندوق النقد الدولي لتسديد مستحقات لبنان عمّا يُعرف بحقوق السحب الخاصة والتي تكلّف الخزينة سنوياً قُرابة الـ 40 مليون دولار.
إيرادات ضريبية بامتياز
ومن المفارقات أن الضرائب تُشكل مصدر الإيرادات الرئيسي لموازنة عام 2026، حيث تبلغ النسبة المتوقعة لمساهمة الضرائب في مجموع إيرادات الموازنة العامة %82.29، وتُقدر بـ 416.15 تريليون ليرة لبنانية. وتتوزع الإيرادات الضريبية التي تتوقعها الموازنة على الضرائب على السلع والخدمات والتي تشكّل الحصّة الأكبر مع مساهمة بنسبة 52.76% من إجمالي الإيرادات، وتقدرها بـ 266.83 تريليون ليرة لبنانية مقابل 203.55 تريليون ليرة لبنانية في موازنة العام 2025.
وتبلغ نسبة الإيرادات المتوقعة من الرسوم على التجارة الدوليّة 12.14% من إجمالي إيرادات الموازنة، وتُقدر بـ 61.38 تريليون ليرة لبنانية مقابل 73.39 تريليون ليرة لبنانية في قانون موازنة العام 2025. ونسبة الضريبة المتوقعة على الأملاك والعقارات المبنية 7.12% من إجمالي الإيرادات، وتُقدر بـ 36.01 تريليون ليرة لبنانية مقابل 29.50 تريليون ليرة لبنانية في قانون موازنة العام 2025.
أما الإيرادات غير الضريبيّة المتوقعة والتي تشمل كل من إيرادات مطار رفيق الحريري الدولي، والمرافئ، وقطاع الاتصالات، والمؤسّسات المملوكة من الدولة مثل كازينو لبنان وغيرها، فتبلغ نسبتها 17.71% من إجمالي إيرادات الموازنة العامة وتُقدر بـ 89.57 تريليون ليرة لبنانية.
وقد رفع مشروع الموازنة قيمة العديد من الغرامات بمعدل 25 ضعف عما كانت عليه، كما زاد الالتزامات المتعلّقة بإفصاحات اصحاب الحق الاقتصادي بهدف الامتثال للمعايير الدولية في مكافحة غسل الأموال، بالإضافة إلى رفع رسوم عدم الالتزام بهذه المتطلّبات. ورفع مشروع الموازنة رسوم إصدار بطاقة الهويّة إلى مليون ليرة لبنانية بدلاً من 5000 ليرة لبنانية، وتم كذلك زيادة رسوم بطاقات الإقامة لحاملي إجازات العمل.
ويفرض مشروع الموازنة نسبة 3%، على كل عمليّة استيراد على أن تُعتبر هذه الرسوم أمانة على حساب ضريبة دخل المستورد. كما يفرض المشروع رسوماً على الشاحنات الأجنبيّة التي تدخل لبنان لأغراض النقل الدولي، باستثناء الشاحنات القادمة من الدول التي تمنح لبنان إعفاءً من هذه الرسوم.
أما المفارقة الأساسية في موازنة عام 2026، فتكمن في الزيادة المتوقعة في إيرادات الضريبة على الرواتب والأجور والمقدر حصيلتها بـ 20.18 تريليون ليرة أي نحو 225.7 مليون دولار، وبنسبة %3.78 من إجمالي الإيرادات. فيما كانت 8.49 تريليون ليرة ما يُعادل 95 مليون دولار في موازنة عام 2025، ونسبة تُشكل فقط %1.9 من إيرادات الموازنة.
نفقات الموازنة تشغيلية
في المقابل، تُشكل النفقات الجارية نحو 89% من إجمالي الميزانية عام 2026، وتستحوذ النسبة الأكبر منها الرواتب والمخصّصات، والتحويلات، والمنافع الاجتماعية. حيث يتوقّع مشروع الموازنة أن تشكّل نسبة التقديمات الإجتماعيّة فيها قُرابة الـ 25.80% من النفقات وتبلغ 114.86 تريليون ليرة لبنانية، تليها الرواتب وملحقاتها المُقدرة بـ 98.9 تريليون ليرة ونسبتها 22.05% من النفقات. أما الأعباء الإداريّة المتوقعة فتبلغ نسبتها 10.71% من النفقات، و12.46% هي نسبة التحويلات من النفقات المتوقعة من الموازنة.
أما النفقات الاستثماريّة المتوقعة والتي تشمل الاستملاكات، فتُقدر بـ 49.4 تريليون ليرة ونسبتها 11.10% من النفقات. وقد تم رفع قيمة مخصّصات صيانة الطرقات في مشروع الموازنة العام 2026 بمقدار 3 آلاف مليار ليرة لبنانية، لصيانة الطرقات الداخلية، فيما ظلت المبالغ المخصّصة لصيانة الطرقات الدولية والرئيسية والثانوية على حالها بالمقارنة مع موازنة 2025. وقد خصّص مشروع الموازنة مبلغ 149 مليار ليرة لبنانية حوالي 1.67 مليار دولار أميركي، لتوسعة مرفأ جونية خلال العام 2026.
وتجدر الإشارة الى مضاعفة نفقات بند التجهيزات في موازنة عام 2026، من 4.54 تريليون ليرة في موازنة عام 2025 إلى 8.9 تريليون ليرة، بالإضافة الى إضافات في الإنفاق على بند "التجهيزات الأخرى" غير المحدّدة في نص الموازنة. ويشمل هذا البند النفقات على الأثاث والمفروشات المكتبية، وأجهزة التكييف والتبريد، بالإضافة الى التجهيزات الفنية التي خُصصت بـ 3.13 تريليون ليرة لبنانية أو ما يُعادل 36 مليون دولار.
ومن اللافت مضاعفة نفقات بند الدروس والاستشارات والذي يشمل مخصصات المستشارين، حيث تمت زيادة النفقات بنسبة 114%، لتبلغ 1.26 تريليون ليرة في عام 2026، أي ما يوازي 14 مليون دولار، فيما اقتصرت هذه النفقات على 6.51 ملايين دولار في عام 2025.
موازنة الامر الواقع
إن دل مشروع موازنة العام 2026 على شيء، إنما يدل على مراوحة الحكومة اللبنانية في دوامة املاءات صندوق النقد الدولي، وافتقارها الى رؤية مستقبلية لوضع لبنان على طريق التعافي. في حين ينتظر اللبنانيون أن يحمل مشروع الموازنة مقاربةً جديدة لإدارة المال العام من لحظة جبايته وحتى انفاقه. سيما وأن الموازنة العامة ليست مجرد جدول بالنفقات تقابلها الإيرادات، بقدر ما هي خارطة طريق الى النمو والتعافي الاقتصادي.
ويبقى السؤال عن إمكانية تحقيق نموّ حقيقي بنفقات استثمارية لا تتخطى نسبتها الـ %11 من الموازنة، علماً أن الهدف من هذه النفقات هو تمويل أعمال الصيانة والتشغيل. وهل يُمكن القفز الى نمو حقيقي بمعدّل 3.5% لسنة 2026، وهو المعدل الي وُضعت تقديرات إيرادات الموازنة على أساسها، بحسب الفذلكة التي أعدّتها وزارة المال، وتحقيق فائض أوّلي وفائض إجمالي في نهاية سنة 2026 على غرار السنتين السابقتين،
ولو أن الحكومة اللبنانية جادةٌ في سعيها الى تحقيق نمو حقيقي، كان الاجدر بها أن تعمد الى تصحيح رواتب موظفي القطاع العام من مدنيين وعسكريين بالإضافة الى المتقاعدين، وأن تلحظ في مشروع الموازنة قيمة النفقات الإضافية التي ستترتب على هذا التصحيح. فالرواتب والأجور والتقديمات الاجتماعية، وإن أدرجت في الموازنة العامة في خانة النفقات التشغيلية، هي في الواقع المحرك الأساسي للنهوض الاقتصادي واحد ركائز الإصلاح المنشود.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|