الصحافة

نتنياهو يعترف: حزب الله العقبة أمام إخضاع لبنان والمنطقة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لم يكن خطاب رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو أمام الأمم المتحدة مجرد سرد لإنجازات عسكرية أو ديبلوماسية، بل عكس في جوهره عرضاً لإستراتيجية شاملة تحدد ملامح رؤية إسرائيلية طويلة المدى لإعادة تشكيل البيئة الإقليمية وفق مصالح تل أبيب. ومن أبرز ما كشفه الخطاب الإقرار بأن المقاومة لا تزال العقبة الأساسية أمام مشروع إخضاع لبنان تحت عنوان «السلام» بالمفهوم الإسرائيلي، أي تحويله إلى ساحة منزوعة الإرادة والقدرة الدفاعية.

ويعتبر هذا اعترافاً صريحاً بأن الحرب الإسرائيلية الأخيرة لم تنجح في شطب حزب الله من المعادلة الداخلية، ولا في إضعافه إلى مستوى يسمح بفرض خيارات إستراتيجية تمسّ هوية لبنان وموقعه في خارطة الصراع. وبالتوازي، روّج نتنياهو لخيارات عدوانية تحوّلت إلى عقيدة سياسية - أمنية جديدة، تقوم على «الاستباق والمبادرة والهيمنة» بدلاً من سياسة الردع والاحتواء التقليدية.

في هذا السياق، تمثّل إشادة نتنياهو بما وصفه قرار الحكومة اللبنانية بتفكيك سلاح حزب الله، مدخلاً لقراءة أوسع لأهداف إسرائيل تجاه لبنان، ولتفكيك شبكة الرهانات التي تحكم السياسة الإسرائيلية في المرحلة المقبلة، بما فيها إعادة تعريف مفهوم «السلام» ليصبح أداة لتفكيك بنى المقاومة، وليس لبناء استقرار حقيقي في المنطقة.

ولم تكن إشادة نتنياهو، بقرار الحكومة اللبنانية نزع سلاح حزب الله، هذه المرة من على منبر الأمم المتحدة، سوى تجسيد للأولوية القصوى التي يحتلها لبنان في مخططات تل أبيب. لذلك وجّه إلى الحكومة اللبنانية رسالة صريحة وواضحة بالقول: «نحتاج إلى أكثر من الكلام»، في دعوة مباشرة لاتخاذ خطوات عملية ضد حزب الله. وتكشف هذه الإشارة ليس فقط خيبة إسرائيل من عدم التنفيذ، بل أيضاً رغبتها في دفع الدولة اللبنانية إلى تحمّل كلفة سياسية وأمنية مرتفعة تقوّض الاستقرار اللبناني الهش، عبر الدفع نحو حرب أهلية.

وعليه، وضع نتنياهو الحكومة اللبنانية أمام خيارين: إما المبادرة إلى خطوات داخلية تُفجّر الساحة وتجرّ البلاد نحو صراع أهلي، أو استمرار الاعتداءات الإسرائيلية تحت شعار «حماية النفس». وهي معادلة تعكس تحوّلاً واضحاً في المفهوم الأمني الإسرائيلي، من الردع إلى المنع، ومن الاحتواء إلى المبادرة. والهدف المباشر هو فرض نسخة إسرائيلية من «وقف إطلاق النار»، تعني عملياً تجريد لبنان من قدراته الدفاعية، ومنع المقاومة من ترميم قدراتها، أو ما وصفه الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم بمرحلة «التعافي الجهادي».

ووسع نتنياهو دائرة خطابه ليؤكد المعادلة التي ترى في «الانتصار على حزب الله» مدخلاً للسلام مع لبنان وسوريا، وفي «الانتصار على حماس» جسراً للسلام مع العالمين العربي والإسلامي، وصولاً إلى توسيع اتفاقيات أبراهام. وتكشف هذه المقاربة أن إسرائيل لا تعتبر الصراع مجرد مواجهة مع فصائل محلية، بل مشروعاً إقليمياً متكاملاً لإعادة تشكيل المشرق العربي وفق مصالحها.

غير أنّ نتنياهو نفسه يعترف بأن تحقيق هذه الرؤية يحتاج إلى سنوات، مشيراً إلى أن كثيرين ممن أعلنوا الحرب على إسرائيل «سيختفون غداً»، ليحلّ مكانهم قادة وأحزاب وجماعات جاهزة ثقافياً ونفسياً وسياسياً للخضوع للهيمنة الأميركية - الإسرائيلية، أو كما سمّاهم «صنّاع السلام الشجعان». وهذه الرؤية، تتطلّب بالضرورة تحييد إيران نفسها.

وفي أحد أبعاده، يكشف خطاب نتنياهو عن دور إسرائيلي في الصراع الدائر داخل الأمة نفسها، بين معسكرين: الأول يطالب بالاستقلال والتحرّر والسيادة، والثاني يهيّئ نفسه لإضفاء الشرعية على الاحتلال الصهيوني والخضوع للهيمنة الأميركية - الإسرائيلية. ويُراد لهذا التقسيم أن يصبح واقعاً سياسياً يعيد إنتاج «إسرائيل الكبرى».

مع ذلك، انطوى الخطاب على مجموعة من الحقائق الجوهرية، من بينها:
- إقرار بمحدودية النتائج مقابل الطموحات الإسرائيلية. فرغم كل العمليات العسكرية والديبلوماسية، لا يزال حزب الله عقبة إستراتيجية لم تستطع إسرائيل تجاوزها.

- مشروع لتفكيك الدول من الداخل: ربط «السلام» بخطوات عملية ضد المقاومة يُشكّل تحريضاً ضمنياً على حرب داخلية، بدل التفاوض على ضمانات أمنية متبادلة.

- توسيع ساحة المواجهة لتشمل إيران. فالربط بين مختلف ساحات المقاومة وإيران في خطاب واحد يشير إلى أن إسرائيل ترى الصراع كوحدة مترابطة ومتسقة.

- إعادة تعريف الأمن الإسرائيلي: الانتقال من سياسة الردع إلى سياسة المبادرة والاستباق يعبّر عن تحوّل مفاهيمي خطير في الإستراتيجية الإسرائيلية، حيث لم تعد حماية الدولة تتوقف عند حدود الردع، بل تتحول إلى فرض الهيمنة والسيطرة المسبقة.

- محاولة احتكار مفهوم السلام: يسعى نتنياهو إلى «سلام» يقوم على التفكيك والسيطرة وليس على التوازن والاعتراف المتبادل، حتى مع أنصار التسوية.

في الخلاصة، خطاب نتنياهو ليس مجرد بيان سياسي، بل وثيقة إستراتيجية تكشف بنية التفكير الإسرائيلي في مرحلة ما بعد الحرب، وتبرز بوضوح أنّ إسرائيل، رغم تفوقها العسكري، لا تزال تعتبر المقاومة حجر الزاوية الذي يعيق مشروعها الإقليمي. وهو ما لم يستطع نتنياهو تجاهله، حتى أثناء تباهيه بإنجازات إسرائيل العسكرية.

الخلاصة الأهم من خطاب نتنياهو أنّ ميزان القوة في المنطقة لم يُحسَم بعد، وأنّ المقاومة في لبنان وغزة وطهران ليست مجرد قوى عسكرية، بل منظومات ردع إقليمي تُربك مشروع الهيمنة. فخطاب نتنياهو، بمفرداته المتوترة وأهدافه القصوى، يكشف أنّ إسرائيل تحاول إعادة كتابة قواعد اللعبة، ولكنها لم تتمكن من كسر التوازن التاريخي الذي أنتجته المقاومة. ومن هنا، كل «السلامات» التي يُسوّق لها لن تكون سوى استراحة محارب إذا لم تُعالَج جذور الصراع القائمة على الاحتلال والهيمنة.

وبهذا المنظور، يظهر أنّ خطاب نتنياهو، بدل أن يكون إعلان انتصار، هو في جوهره اعتراف بأن إسرائيل لم تنجح بعد في فرض مشروعها النهائي، وأن المعركة لا تزال مفتوحة. وهذا الاعتراف، مهما غُلّف بالشعارات، يؤكد أنّ الحقائق الميدانية أقوى من التصورات النظرية، وأن المنطقة أمام اختبار طويل حول من يمتلك المبادرة الإستراتيجية فعلاً.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا