الذهب عند أعلى مستوى في تاريخه: هل أصبح مكلفًا أم ما زال فرصة؟

سجل الذهب في الأيام الأخيرة قفزة تاريخية، متجاوزًا مستوى 3,800 دولارًا للأونصة، وهو أعلى سعر حقيقي له على الإطلاق عند احتسابه بالقيمة المعدّلة للتضخم. لكن هذا الارتفاع يثير سؤالًا جوهريًا: هل أصبح الذهب غاليًا فعلًا، أم أن رحلته لم تبدأ بعد؟

منظور تاريخي
في عام 1980، وصل الذهب إلى ذروته عند 850 دولارًا للأونصة، وسط تضخم جامح وأزمات جيوسياسية. وعند تعديل هذا السعر لمستويات اليوم، يعادل حوالي 3,670 دولارًا. باختراق الذهب هذا الحاجز، أصبح يتداول في منطقة غير مسبوقة، ما يجعله خارج أي مقارنات تقليدية.

لكن المفارقة أن أسواق الأسهم، رغم تسجيلها مستويات قياسية اسمية، تبدو أقل قوة عند قياسها بالذهب. فمؤشر S&P 500 مثلاً تراجع بحوالي 25% مقارنة بذروته عام 2021، عندما نقيسه بالذهب بدل الدولار. هذا يعني أن ارتفاع الأسهم قد يكون مجرد وهم ناتج عن ضعف العملة، وليس عن قوة حقيقية في الأصول.

دور صناديق الذهب (ETFs)
بحسب مجلس الذهب العالمي، شهدت صناديق الذهب تدفقات بقيمة 47 مليار دولار خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2025، بقيادة أميركا الشمالية، تليها أوروبا التي ارتفع طلبها بفعل المخاطر السياسية.

لكن المفاجأة أن إجمالي قيمة هذه الصناديق لا يتجاوز 255 مليار دولار، في نظام مالي عالمي يتجاوز 300 تريليون دولار. أي أن حتى تحركات صغيرة لرأس المال كفيلة بتحريك أسعار الذهب بشكل كبير.

نماذجنا تشير إلى أنه في حال انتقل 0.5% فقط من أموال الخزائن العالمية نحو الذهب، يمكن أن يقفز سعره إلى 4,500 – 5,000 دولار. أما إذا ارتفعت النسبة إلى 1%، فقد نشهد مستويات بين 5,700 – 7,700 دولار.

العوامل القصوى: من البريكز إلى البيتكوين
مع سعي مجموعة BRICS لتقليل الاعتماد على الدولار، بدأ الذهب يستعيد مكانته كمرجع في التجارة والاحتياطيات. وفي حال شهدنا سيناريو جذريًا لتراجع دور الدولار عالميًا – وهو سيناريو نظري لا أكثر – فقد يصل الذهب إلى 10,000 دولار للأونصة.

في المقابل، دخول البيتكوين كـ"ذهب رقمي" يضيف بعدًا جديدًا. ففي الأزمات الكبرى، قد يتقاسم البيتكوين جزءًا من التدفقات التي كانت تتجه حصريًا إلى الذهب، ما قد يحد قليلاً من اندفاعه الصعودي أو يعيد رسم خريطة الملاذات الآمنة.
الذهب لم يعد مجرد أصل دفاعي كلاسيكي. تجاوزُه لأعلى سعر حقيقي في تاريخه يشير إلى تحولات أعمق في الأسواق العالمية. السؤال لم يعد فقط: هل وصل الذهب إلى قمته؟ بل: هل بدأ الذهب يستعيد مكانته كمرتكز للنظام المالي العالمي؟

فرح مراد - النهار