دوري ابطال اوروبا: بي أس جي يصعق برشلونة في معقله وتعادل مرير للسيتي بمواجهة موناكو
نار غزة إلى لبنان
تتابع الأوساط السياسية في لبنان بكثير من الدقة تطورات الأوضاع في غزة، واحتمالات نجاح خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب. ويعود هذا الإهتمام لأسباب عدة، منها الترابط التاريخي القائم بين الواقعين اللبناني والفلسطيني، والذي تطور إلى مستويات أعلى مع إعلان «حزب الله» «حرب الإسناد»، بعد تنفيذ حركة «حماس» عملية «طوفان الأقصى». لكن هنالك سبباً إضافياً يفوق أهمية الأسباب الأخرى، ويتعلق باحتمال قيام بنيامين نتنياهو بشن حرب جديدة على لبنان، حال الإنتهاء من حرب غزة.
فما أن كشف ترامب عن خطته ببنودها الـ21 حتى انهالت المواقف المؤيّدة والداعمة لها، لا سيما منها مواقف الدول التي تعتبرها «حماس» صديقة، مثل قطر وتركيا. وفي موقف متوقع، جاءت إشارة الإعتراض الإيرانية من خلال موقف حركة «الجهاد الإسلامي». ولا حاجة للإشارة إلى أنّ بنود الإتفاق تبدو أقرب إلى صيغة الإستسلام منه إلى صيغة الحل المتوازن ولو بالحدّ الأدنى. أضف إلى ذلك تلك الثغرات الواسعة الموجودة في الخطة، والتي توحي بجوانب تطبيقية مبهمة وغير خاضعة لتفاهم مسبق. وهو ما يعني أنّها ستكون لمصلحة الطرف الأقوى. وعلى رغم من ذلك، لا تملك حركة «حماس» ترف رفض الخطة، ذلك أنّها تبدو محشورة في الزاوية، وموقفها في منتهى الصعوبة. فهي تعرف أنّ إعلان رفضها للخطة بات خياراً مكلفاً، كما أنّ القبول بها سيضعها في موقف المستسلم، وسيضعف صورتها أمام شارعها وقواعدها. فطوال الأشهر الماضية إنقلب الرأي العام الدولي ضدّ إسرائيل وحربها الوحشية على المدنيين والأطفال، وهو ما جعل «حماس» تمسك بورقة ثمينة وتراهن على العزلة الدولية التي كانت تزداد حول إسرائيل. وهذا الواقع الذي عاشه الكيان الإسرائيلي للمرّة الأولى منذ نشوئه، جعل قيادة «حماس» تراهن عليه لإرغام بنيامين نتنياهو على وقف مجازره ومشاريع تهجير سكان غزة إلى خارج أرضهم. لكن مبادرة ترامب شطبت هذه الفرضية. ففي حال رفضت «حماس» مبادرته فإنّ إسرائيل لم تعد مجبرة على وقف حربها. وهنا تكمن معضلة حركة «حماس». وحتى المراوغة عبر اعتماد مخرج «نعم، ولكن ...» للتملّص من خطة ترامب، لم يعد ممكناً. فالجواب بات إما نعم أو لا، ومن دون إضافات. وتركيا التي عاد رئيسها من اجتماع ناجح مع نظيره الأميركي، دخلت على الخط بقوة لإقناع «حماس» بالقبول بخطة ترامب. فمن الواضح أنّ ثمة تفاهمات واسعة حصلت بين ترامب وأردوغان، طاولت دوراً تركياً أوسع في المنطقة إنطلاقاً من سوريا، وهو ما يجعل أنقرة تدفع في اتجاه تأمين موافقة «حماس» لتأكيد دورها المحوري ومرجعيتها الإقليمية.
وحتى كتابة هذه السطور بقي الصمت مخيّماً على قرار قيادة «حماس». فمن الواضح أنّ الخيار هو بين المُر والأمر. ولو أنّ القوى الضاغطة عليها تسعى لإقناعها بأنّ إعلان موافقتها سيؤدي إلى نقل المشكلة إلى داخل الحكومة الإسرائيلية، وبالتالي احتمال تفجيرها على يد اليمين المتطرف. لكن نتنياهو كان قد انتزع قيود اليمين المتطرف من يد حكومته، عندما عزز صفوفها بوزراء من حزب «اليمين الرسمي» بزعامة جدعون ساعر. وهكذا أصبحت الحكومة تتكئ على غالبية نيابية من 67 نائباً بدلاً من 64، وهو ما يجعلها محمية من السقوط في حال انسحاب وزيري اليمين المتشدّد.
واستطراداً، فإنّ الذهاب إلى وقف الحرب في غزة، سيعني تفرّغ نتنياهو لـ«حزب الله» وإيران، وهو ما يعيد رفع احتمالات الحرب على لبنان وفق جملة من المعطيات، وأولها، أنّه أبقى عمداً نار الحرب مشتعلة في لبنان، ولو أنّه أبقاها ناراً خفيفة في معظم الأحيان. لكن الأهم بالنسبة اليه كان بإبقاء النار مشتعلة، وهو ما يعني أنّه يراهن على جعلها ناراً قوية في مرحلة ما.
وثاني هذه المعطيات، إنّ القوات الإسرائيلية الموجودة عند الحدود مع لبنان، وعلى رغم من وقف العمليات الحربية الواسعة منذ فترة بعيدة، إلّا أنّها لا تزال في وضع الجهوزية والإستعداد، ولم تخفّض مستوى جهوزيتها لتتحول إلى الوضع العادي. ولهذا الأمر دلالاته.
وثالثها، إنّ القيادة العسكرية الإسرائيلية، والتي ستجد في قرار وقف الحرب في غزة فرصة لتحرير أعداد كبيرة من القوات الهجومية ما يسمح بنقلها إلى الجبهة اللبنانية، هذه القيادة تبدو مؤيّدة بقوة لاستكمال الحرب على لبنان بهدف «تحقيق الأهداف المرسومة». وفي العادة كانت القيادة العسكرية الإسرائيلية أقل حماسة من القيادة السياسية للحرب مع لبنان. أما اليوم فالوضع بات مختلفاً.
أما رابع هذه المعطيات، فيتعلق بالواقع السياسي الإسرائيلي الداخلي، حيث يصبح نتنياهو ملزماً أكثر بفتح جبهة جديدة تحظى بتأييد داخلي، وهو ما سيجنّبه فتح ملفات عملية «طوفان الأقصى». وجاءت تهديداته الواضحة في اتجاه «حزب الله» لتؤكّد المشروع الذي يريد استكماله، خصوصاً مع وجود رفض إسرائيلي للبقاء تحت «رحمة» ولو صاروخ واحد باليستي أو دقيق في لبنان.
وخامس وآخر هذه المعطيات، ما تنقله أوساط أميركية، عن وجود تخوّف إسرائيلي من إمكانية إعادة إطلاق صواريخ «مجهولة» عبر الحدود مع لبنان. ووفق قراءة هؤلاء، فإنّ إيران المحشورة إقليمياً، والتي تراقب سقوط «مخالبها» الإقليمية، ستجد من الصعب عليها تقبّل خروجها الكامل من الساحة الفلسطينية في حال تمّت الموافقة على مبادرة ترامب. فنزع سلاح «حماس» بموافقة ذاتية منها سينسحب تلقائياً على سلاحها في مخيمات لبنان، خصوصاً بعد أن سلّمت منظمة التحرير الفلسطينية سلاحها تطبيقاً لقرار السلطة الفلسطينية. وهو ما سيجعل هامش «حزب الله» شبه معدوم، ويرفع من مستوى الضغوط عليه. ولذلك من الممكن أن تعود تلك الصواريخ «المجهولة»، ولو أنّها ستحمل هذه المرّة مطالب كمثل إتمام الإنسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، والأهم إطلاق الأسرى اللبنانيين.
وفي معرض تعزيز وجهة نظرها، تنقل الأوساط الأميركية عن تل أبيب، أنّ إيران عاودت رفع سقف حركتها في لبنان ولو بالتدرج، ما يوحي بأنّها مستمرة في سياسة رفع السقف واستعادة حضورها. وعلى رغم من الجدل اللبناني الداخلي الصاخب الذي واكب حادثة «الروشة»، إلّا أنّ الأوساط الديبلوماسية الدولية لم تعره إهتماماً خاصاً إلّا من زاوية واحدة، وهي الرسالة التي أرادتها إيران من خلال ما حصل، بأنّها لا تزال في بيروت ولم تخرج منها. ولكن الإهتمام الغربي تركز أكثر على معاني الزيارة الثانية لأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، والتي لم يفصلها كثير من الوقت عن الزيارة السابقة، على رغم من صعوبة السفر ومشقاته. وجاءت الكلمة المكتوبة، والتي تلاها الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، مفعمة بالرسائل وأبرزها على الإطلاق: لقد تعافينا ولن نسلّم السلاح. وبالتالي فإنّ قراءة هذا المشهد تقود إلى الإستنتاج بأنّ إيران لن تتأخّر عن إعادة إرسال رسائلها الصاروخية عبر الحدود اللبنانية. وهو ما يعني بالنسبة إلى هؤلاء وجوب الإستعداد للمبادرة عسكرياً.
لكن السؤال الأبرز يبقى حول القرار الأميركي. فهو يمسك فعلياً بدفة القيادة ووجهة الأحداث. المطلعون على مناخ العاصمة الأميركية يعترفون بوجود وجهتي نظر حيال الوضع في لبنان. الأولى وتتألف في شكل أساسي من ديبلوماسيين في وزارة الخارجية، ومفادها أنّه لا توجد ضرورة ملحّة للإندفاع في مغامرة عسكرية لا أحد يستطيع ضمان نتائجها، في وقت لا تزال السلطة التي نشأت طرية العود والجيش يعاني من نقص في العديد والعتاد والتجهيز. وإنّه طالما أنّ الوضع في سوريا قد تبدّل، وهو يتكفّل بقطع طريق التواصل بين إيران ولبنان، فلتبقى الأمور وفق الوتيرة الحالية، أي حرب استنزاف يومية يدفع ثمنها «حزب الله» كل لحظة وفي هدوء ودون صخب وضجيج، في وقت لن يستطيع المغامرة بالردّ. أما صواريخه الكبيرة فهو غير قادر على استخدامها، وإنّه في حال ظهر شيء يدعو للقلق فإنّ السيطرة الإسرائيلية الجوية قادرة على التعامل معه. واللافت أنّ باريس تؤيد وجهة النظر هذه.
أما وجهة النظر الثانية، فيتبنّاها العسكر بمقدار كبير، سواء داخل الجيش أو في مجلس الأمن القومي، ومعه اللوبي اليهودي المؤيد لإسرائيل. ويدعو هؤلاء إلى ضرورة إتمام العمل الذي كان بدأ قبل عام من الآن، وعلى أساس أنّ المحطات التاريخية في لبنان كانت في كل مرّة تعطي عامل الوقت لمصلحة الفريق الموالي لإيران وسوريا أيام آل الأسد. وبالتالي فإنّ ترك الظروف تحت رحمة الوقت سيُعتبر بمثابة الوصفة المثالية لاستعادة إيران لقاعدتها المتقدّمة في لبنان. وهو ما سيفتح لها باب العبث لاحقاً في اتجاه إسرائيل وأيضاً في اتجاه الداخل السوري، خصوصاً أنّ التركيبة الحاكمة في إيران باتت تروّج أنّ حماية أراضيها من أي تهديدات، إنما ينبع من إعادة بناء منظومتها الإقليمية، وهو ما أثبتته الأحداث الأخيرة.
وتشير الأوساط المطلعة، إلى أنّ إدارة ترامب المدججة بالصقور، تميل إلى وجهة النظر هذه. ومن هنا جاءت التحذيرات النارية للموفد الرئاسي الأميركي توم برّاك وأيضاً السيناتور الأميركي ليندسي غراهام إضافة إلى مسؤولين كبار. ويتوافق هؤلاء على أنّ انتهاء حرب غزة سيفتح الباب للإندفاع في اتجاه حسم الوضع على الساحة اللبنانية، خصوصاً في ضوء العلاقة مع الرئيس السوري أحمد الشرع والتي يصفونها بالممتازة. وكان واضحاً مستوى الإهتمام والحفاوة الكبيرة بالشرع خلال وجوده في نيويورك. وهو تحدث بوضوح عن عدائه لإيران و«حزب الله». أضف إلى ذلك، وجود تفاهمات في العمق لا بدّ أن يكون قد نسجها أردوغان مع ترامب خلال اجتماعهما الذي أسفر عن موافقة واشنطن على تزويد الجيش التركي طائرات حربية متطورة.
تستعد السفارة الأميركية في عوكر لاستقبال سفيرها الجديد اللبناني الأصل ميشال عيسى قريباً. لكن الأهم أنّ فريقاً من المتخصصين سيواكب عيسى خلال تأديته لمهماته، مع تسجيل وصول مزيد من الديبلوماسيين الذين سيعملون من ضمن طاقم السفارة، والذين يتمتعون بخبرات عالية. وفي الليلة التي سبقت مغادرتها لمركز عملها، أبدت السفيرة ليزا جونسون أمام مجموعة صغيرة أتت لتوديعها، بأنّها تخشى جداً من فوضى قد يشهدها لبنان. وعلى رغم من أنّ تعبيرها بقي غامضاً وضمن عبارة مقتضبة، إلّا أنّ من المرجح أنّها كانت تقصد عودة الحرب إلى لبنان.
جوني منير -الجمهورية
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|