الصحافة

إتفاقيّة التعاون القضائي بين لبنان وسورية على السكّة الصحيحة..

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

مرحلة جديدة تختلف عن المراحل السابقة فُتحت في مسار إعادة تنظيم العلاقات اللبنانية – السورية، لا سيما بعد خطاب الرئيس الانتقالي أحمد الشرع الأخير عن فتح نافذة للتلاقي مع لبنان. وقد بدأت المباحثات الرسمية بين لبنان وسورية فعلياً تأخذ طابعاً أكثر جدية لا سيما مع انعقاد الاجتماع الثالث للجنة القانونية - القضائية المشتركة في بيروت. وقد ناقش الطرفان ملفات حسّاسة تتعلق بالموقوفين السوريين في السجون اللبنانية، والمفقودين في سورية، والتعاون القضائي، وصولاً إلى ملفات الاغتيالات السياسية والمهربين الفارّين من العدالة. كما درس الطرفان المسودة الأولى لاتفاقية التعاون القضائي بين البلدين، والتي يُبنى عليها لحلّ جميع الملفات القانونية والقضائية العالقة بين البلدين، ولمراجعة وإعادة تقييم 34 إتفاقية موقّعة بينهما تشمل كلّ القطاعات.

ويقود هذا المسار الذي بدأت تظهر إيجابياته، نائب رئيس الحكومة الوزير طارق متري، الذي أعلن عن التحضير لاتفاقية تعاون قضائي بين البلدين، من شأنها أن تنظّم العلاقة القانونية وتفتح الباب أمام تسوية عدد من الملفات الشائكة بين الجانبين، مثل ملف المفقودين، وضبط الحدود ومكافحة التهريب، وإعادة النازحين السوريين إلى وطنهم، وتطوير العلاقات الديبلوماسية بين البلدين وغير ذلك.

حتى الآن، عُقدت ثلاث جولات من الاجتماعات المشتركة بين الوفدين اللبناني والسوري، على ما تؤكّد مصادر سياسية مطّلعة، وآخرها في بيروت في حضور قضاة ومسؤولين من الجانبين من وزارات العدل والداخلية، وقد بدا الوفد السوري خلال هذا الاجتماع أكثر جديّة، وقد ناقش الملفات الممسك بها بشكل علمي وعملي.

وبعد أن كان الجانبان قد اتفقا على تشكيل لجنتين متخصصتين: واحدة قانونية- قضائية لصياغة مسودة الاتفاق، وأخرى تقنية تبحث في قضايا مثل الحدود والتهريب، أظهر الاجتماع الأخير تقدّماً مبدئياً في بلورة "إتفاقية تعاون قضائي" تُعالج أوضاع الموقوفين السوريين في لبنان، وتُمهّد لتبادل المعلومات بشأن المفقودين اللبنانيين في السجون السورية. وكشفت المصادر السياسية أنّه جرى تبادل لوائح وأسماء الموقوفين للمزيد من النقاش حول الوضع الخاص لكلّ منهم.

وبحسب المعلومات، يُقدّر عدد الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية نحو 2500 شخص، من بينهم نحو 1900 سجين ارتكبوا جرائم جنائية عادية (مثل السرقة، السلب، أو الاعتداء). بينما هناك 600 آخرون موقوفون بتهم أمنية أو سياسية، بينها الإرهاب أو التورّط مع مجموعات متطرّفة. وهناك نسبة كبيرة من هؤلاء لم تتمّ محاكمتهم حتى الآن، ما يُسلّط الضوء، في الوقت نفسه، على تباطوء القضاء وغياب الضمانات القانونية.

وتشير بعض التقارير إلى أنّ عدد المساجين والموقوفين السوريين في السجون اللبنانية يُشكّل ما يُقارب 32 % من إجمالي السجناء في لبنان، الذي يبلغ عددهم نحو 8400 سجين. كما أنّ 83 % من الموقوفين، بحسب لجنة السجون في نقابة المحامين، هم قيد التوقيف الاحتياطي من دون صدور أحكام. وفي انتظار المعالجة الشاملة لهذا الملف، تلفت المصادر إلى أنّه سيتمّ إطلاق سراح عدد من الموقوفين (لم يتمّ تحديده بعد)، في القريب العاجل. وهؤلاء من الموقوفين السوريين غير المحكومين وغير المتهمين بجرائم، أو موقوفين لأسباب سياسية متعلّقة بمعارضتهم للنظام السوري السابق. على أن يتمّ الإعلان عن أسمائهم في وقت لاحق.

في المقابل، حصل اجتماع موازٍ بين الهيئة الوطنية اللبنانية للمفقودين والمخفيين قَسراً في سورية، مع الهيئة السورية للمفقودين والمخفيين قسراً في لبنان. والعمل جارٍ على توقيع مذكرة تفاهم بينهما، تسمح لهما بتبادل ما توافر من معلومات عن المفقودين هنا وهناك، والتعاون في سبيل كشف الحقيقة عن أوضاعهم، واذا كان بينهم من يمكن استرجاعه. علماً بأنّ السوريين يؤكّدون أنّ جميع سجونهم باتت فارغة.

ويُشكّل ملف المفقودين اللبنانيين في السجون السورية، أولوية قصوى بالنسبة إلى لبنان. وتشير التقديرات المتداولة إلى وجود ما بين 627 و1500 مفقود لبناني في سورية، بعد أن كان عددهم في السابق عشرات الآلاف، دون معلومات رسمية واضحة حول مصيرهم. ويُتوقّع أن تتضمّن الاتفاقية القضائية بنوداً تُلزم الطرفين بتبادل المعلومات حول هؤلاء الأشخاص. مع ذلك حتى الآن لم تظهر أي لوائح تفصيلية متبادلة عن الموقوفين أو المفقودين، في الوقت الذي يؤكّد فيه الجانب السوري عن تبادل لوائح الموقوفين.

ورغم عدم صدور النصّ النهائي لاتفاقية التعاون القضائي بين لبنان وسورية، تشير المصادر السياسية إلى أنّ الخطوط العريضة لها تشمل:

1"- تنظيم تسليم الموقوفين، أو ترحيلهم، وفق المعايير القضائية لكلّ بلد.

2"- البحث في أوضاع الموقوفين الذين لم تصدر بهم أحكام بعد بهدف إطلاق سراح الأبرياء أو تسليمهم إذا لم يثبت ارتكابهم أي جرائم.

3"- وضع آلية لتبادل المعلومات القضائية والأمنية، ولا سيما في ما يتعلّق بالإرهاب والجريمة المنظّمة.

4"- فتح مسار تعاون مستقبلي حول المفقودين في كلّ من البلدين، بإشراف جهات قضائية، وربما إنسانية.

ويبقى السؤال عمّا يمكن أن يعيق توقيع هذه الاتفاقية، تجيب المصادر بأنّه رغم إحراز التقدّم في هذا الملف الوحيد القائم، حتى الآن بين لبنان وسورية، لا تزال هناك عوائق تتمثّل بجملة أمور، أبرزها:

1 ⁃ عدم تبادل اللوائح التفصيلية بالأسماء حتى الآن.

2 ⁃ الخشية من استخدام الملف سياسياً، سواء داخلياً، أو من قبل أطراف خارجية.

3 ⁃ الاختلاف في المعايير القضائية والحقوقية بين البلدين.

4 ⁃ التحفّظ السوري عن فتح بعض الملفات الأمنية القديمة المرتبطة بالحرب الأهلية اللبنانية.

5 ⁃ حساسية الرأي العام اللبناني تجاه ملف المفقودين، ورفض بعض القوى طيّ هذه الصفحة، دون محاسبة أو كشف كامل للحقيقة.

ولكن يبقى الأهمّ من ذلك أنّ توقيع هذه الاتفاقية - في حال تمّ قريباً - قد يُمهّد لفتح ملفات أكثر تعقيداً بين البلدين، مثل: تنظيم عودة النازحين السوريين بعد عودة الاستقرار إلى سورية، وتطبيع العلاقات الديبلوماسية على مستوى تبادل السفراء، والتعاون الأمني على الحدود لمنع التهريب، والعلاقات الاقتصادية لا سيما في مجالي الكهرباء والتبادل التجاري.

من هنا، فإنّ الاتفاقية القضائية، إن تحققت، وفق المصادر، ستكون خطوة جريئة في اتجاه تسوية ملفات مزمنة ظلّت رهينة الحسابات السياسية لعقود. إلا أنّ نجاحها سيتوقف على شفافية التنفيذ، وتوازن العدالة بين الطرفين، وضمانات تحترم حقوق الإنسان من الجانبين، لا سيما الموقوفين الأبرياء والمفقودين والمخفيين قسراً.

دوللي بشعلاني- "الديار"

 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا