عربي ودولي

ماكرون أمام أحد الخيارين: حل البرلمان أو الاستقالة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

الأزمة السياسية التي تعصف بفرنسا تجاوزت المعالجات المعتادة في إدارة السلطة التنفيذية، بل تحولت إلى مشهد يعكس اهتزازاً غير مسبوق في ركائز النظام السياسي الفرنسي. فاستقالة رئيس الوزراء الجديد سيباستيان لوكورنو، بعد أيام فقط من تكليفه، لا يمكن ادراجه في سياق سلسلة الاستقالات الحكومية السابقة، بل شكّلت محطة فاصلة وضعت قصر الإليزيه ورئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون أمام خيارات بالغة الصعوبة، تكاد ترسم ملامح مستقبل الجمهورية الخامسة برمتها.

الخيارات المطروحة أمام ماكرون، وإن بدت واضحة، إلا أنها تحمل أبعاداً خطيرة قد تقود فرنسا إلى تحولات جذرية في بنيتها السياسية ومكانتها الدولية:

الخيار الأول؛ هو حل مجلس النواب والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة. هذا الخيار يبدو من الناحية الدستورية أكثر انسجاماً مع التقليد الديمقراطي الفرنسي، غير أن استطلاعات الرأي المتوالية تُظهر بوضوح أن اليمين المتطرف يتجه لاكتساح هذه الانتخابات، ما يعني أن فرنسا قد تدخل مرحلة جديدة يكون فيها اليمين المتشدد صاحب اليد الطولى في السلطة التشريعية وتاليا في تشكيل الحكومة المقبلة. هذا السيناريو، وإن كان دستورياً، يضع ماكرون في موقع الرئيس العاجز أمام حكومة معارضة شرسة، ويعني عملياً انتهاء فاعلية مشروعه السياسي حتى نهاية ولايته.

أما الخيار الثاني؛ فهو استقالة ماكرون نفسه من الرئاسة والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة. هذا الخيار غير مألوف في الحياة السياسية الفرنسية، لكنه يبقى مطروحاً أمام حجم الانسداد السياسي الراهن. وفي حال لجأ ماكرون إلى هذا المخرج، فإن المخاطر تبدو أكبر، لأن المشهد الانتخابي الرئاسي لن يكون بعيداً عن دينامية الصعود المتسارع لليمين المتطرف، الذي قد يجد في هذه اللحظة فرصة تاريخية للسيطرة على قصر الإليزيه للمرة الأولى. وهو ما يعني أن فرنسا ستنتقل من أزمة حكومية إلى تحوّل جذري في هوية السلطة، بما يحمل ذلك من انعكاسات على الداخل الأوروبي وعلى موقع فرنسا العالمي.

الأزمة إذن ليست محصورة في إدارة الحكم داخل باريس، بل تتجاوزها إلى أبعاد استراتيجية. ففرنسا التي أرادت أن تكون رأس الحربة في مواجهة روسيا في الحرب الأوكرانية، وأن تحجز لنفسها موقع القيادة في الاتحاد الأوروبي بعد تراجع الدور الألماني، تجد نفسها اليوم مكبّلة بأزمات داخلية متراكمة تضعف صدقيتها على الساحة الدولية. التظاهرات الاجتماعية، التوترات الاقتصادية، صعود الشعبوية، وانهيار الثقة بالمؤسسات، كلها عوامل جعلت من فرنسا نموذجاً للارتباك في زمن يتطلب من الدول الكبرى ثباتاً وقوة قرار.

إن سقوط الحكومات المتكرر وتحوّل الاستقالة إلى مشهد دوري لا يعكس فقط فشل النخبة السياسية في التوافق على حلول عملية، بل يشي بأن العقد الاجتماعي والسياسي الفرنسي الذي تأسست عليه الجمهورية الخامسة بدأ يتآكل. وإذا كانت فرنسا قد عاشت أزمات سابقة، فإن ما يميز اللحظة الحالية هو تزامن الانقسام الداخلي الحاد مع صراع جيوسياسي دولي هو الأشد منذ عقود، ما يجعل أي تعثر داخلي مدخلاً مباشراً لتراجع مكانتها العالمية.

في المحصلة، ماكرون يقف اليوم أمام خيارين كلاهما مرّ: إما مواجهة برلمان يسيطر عليه اليمين المتطرف، أو المخاطرة باستقالة رئاسية قد تفتح الطريق أمام وصول هذا اليمين إلى قصر الإليزيه.
وفي الحالتين، يتبدّى أن فرنسا تتجه إلى سقوط سياسي مدوٍّ ستكون له انعكاسات أوسع من حدودها، لتطال موقعها الأوروبي والدولي، لا سيما في المواجهة مع روسيا حيث أرادت باريس أن تكون صانعة التوازن، فإذا بها تتحول إلى نموذج على انهيار التوازن الداخلي.

إنها لحظة الحقيقة التي قد تحدد إن كانت الجمهورية الخامسة قادرة على الاستمرار أم أن فرنسا تدخل طوراً جديداً بكل ما يحمله من مفاجآت وتحولات.

داود رمال – "اخبار اليوم"

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا