محليات

التوافقية خدعة سياسية لهيمنة “حزب الله”

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

كتبت لميا شديد في “المسيرة” – العدد 1735

التوافقية خدعة سياسية لهيمنة “حزب الله”

من يريد ضرب الطائف؟!

«حماية الطائف وتطبيق الدستور والتمسك بعروبة لبنان» عناوين عادت الى الواجهة في الفترة الأخيرة،  خصوصًا بعد دخول لبنان في الفراغ الرئاسي واستحالة التوصل الى إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، واستشعار الجميع من القيادات اللبنانية الحليفة للمملكة العربية السعودية  بالخطر الوجودي على لبنان وكيانه، في ظل محاولات للإنقلاب على إتفاق الطائف وبنوده وتغيير هوية لبنان ونظامه. ولعل أبرز ما أثار جدلاً سياسياً كان عشاء السفارة السويسرية الذي حمل في طياته مخططاً مشبوهاً لدسّ السم في طبق إتفاق الطائف.

وثيقة الوفاق الوطني التي وُقعت في مدينة الطائف برعاية أميركية وسعودية وسورية في العام 1989 وُضعت لإنهاء الحرب في لبنان ومن أبرز بنودها كان إقرار هوية للبنان وتوزيع السلطة فيه، بالإضافة الى عناوين تتناول الإصلاح كان القصد منها إرساء بنية إدارية ـ إجتماعية ـ إقتصادية تقوم عليها دولة ما بعد الطائف وتعالج أمورًا عدة كانت محور جدل خلال سنوات الحرب

ولعل أبرز ما نص عليه إتفاق الطائف هو أن تضع حكومة الوفاق الوطني خطة أمنية مفصلة مدتها سنة هدفها بسط سلطة الدولة اللبنانية تدريجيًا على كامل الأراضي اللبنانية بواسطة قواتها الذاتية. ما يعني أن وثيقة الطائف كلّفت حكومة الوحدة الوطنية الأولى بعد التوقيع على الوثيقة وضع خطة أمنية مدتها سنة  لبسط سلطة الدولة اللبنانية، وليس بسط سلطات أخرى غير الدولة وقيام دويلات داخل الدولة وفي مواجهة الدولة

كما أعطى نص الإتفاق الدولة وليس أية جهة أخرى، الصفة والصلاحية في بسط سلطتها وسيادة القانون على التراب الوطني والإعلان عن حل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها الى الدولة اللبنانية خلال ستة أشهر. فلماذا لم يلتزم كل الأطراف بنص الإتفاق؟ ولماذا طُبقت على قوى وأطراف في مناطق معينة ولم تُطبَّق على أخرى؟ .. وما هي أبرز البنود التي لم تُنفذ

ثلاثة وثلاثون عامًا على إتفاق الطائف، ماذا فعل المشرِّع اللبناني لتمتين الإتفاق؟ ماذا نُفِّذ منه؟ وما هي البنود التي لم تُنفذ وبقيت حبرًا على ورق؟

محاولات ضرب الطائف

يعتبر الناشط السياسي الياس الزغبي أن «إتفاق الطائف تعرَّض على مدى 33 عامًا لعمليات تجاذب بهدف تفريغه من محتواه الحقيقي وضرب الأسس التي قام عليها لناحيتين: حسم هوية لبنان الدائمة كوطن نهائي وهوية انتمائه الى العالم العربي، فضلاً عن الإصلاحات التي أجراها إتفاق الطائف داخل النظام والمؤسسات، وأبرزها إعادة توزيع السلطة التنفيذية على مجلس الوزراء، والإحتفاظ بحد مقبول من صلاحيات رئيس الجمهورية. هذا الإتفاق تعرّض مرارًا للتشويه والتفريغ، خصوصًا في مرحلة الإحتلال السوري للبنان، وما كاد ذاك الإحتلال ينسحب بفعل القرار 1559 وبفعل ثورة الأرز في العام 2005 حتى حلّ البديل مكانه، أي النظام الإيراني عبر «حزب الله» في عملية تفريغ وتشويه لاتفاق الطائف. ونلاحظ أن «حزب الله» كان دائمًا في الواقع وعمليًا ضد إتفاق الطائف، ولعل هذه الخلفية هي التي دفعته الى إبرام ذاك التفاهم في 6 شباط من العام 2006 مع التيار العوني، وبالطبع هناك دوافع أخرى لتوقيع هذا الإتفاق أهمها ما يُقال عن حلف الأقليات بقيادة الأقلية الكبرى، أي إيران وعبر النظام العلوي في سوريا وبعض الطوائف القليلة العدد في المشرق العربي.

ويضيف: «إتفاق الطائف كان مستهدفاً في شكل دائم من بعض القوى خارجيًا وداخليًا، وهو اليوم مستهدف بتفريغه من محتواه عبر إدخال بدع جديدة عليه، بدءًا من إتفاق الدوحة في العام 2008 وصولاً الى اليوم، ولعل أخطر ما طرحه «حزب الله» في الآونة الأخيرة مع ملحقاته وأدواته هو التوافقية، بمعنى أن هذا العنوان الصحيح كقيمة وكإعتبار يشكل غطاءً لفرض هيمنته، إذ اعتمد «حزب الله»، ومعه الثنائية وبغطاء من تيار العهد السابق، التوافقية كخدعة سياسية لفرض هيمنته وتسلّطه على القرار الشرعي اللبناني وعلى المؤسسات الشرعية اللبنانية. وقد تم في الأيام الأخيرة إنكشاف هذه الخدعة على لسان «حزب الله» نفسه حين أعلن أمينه العام حسن نصرالله أنه يريد رئيسًا يضمن المقاومة ولا يطعنها في الظهر، وسمّى الرئيسين السابقين إميل لحود وميشال عون كنموذجين يُحتذى بهما للإتيان برئيس من القماشة نفسها. إذا هو طرح التوافق على انتخاب رئيس جديد  للجمهورية مما يُخفي نيته الحقيقية ومشروعه الحقيقي بالسيطرة على لبنان ضمن المشروع الإيراني الأكبر للسيطرة على بعض الدول العربية وتحقيق ما عُرف مرارًا بأنه «الهلال الفارسي» أو «الهلال الشيعي» الضارب من طهران عبر بغداد الى دمشق فبيروت.»

وهكذا، يظهر من كلام الزغبي أن إتفاق الطائف تعرَّض لعملية نسف من خلال محاولات رسم معالم سلطة جديدة ونظام سياسي جديد في لبنان، مما استدعى إعادة تشغيل محركات المملكة العربية السعودية من خلال حركة لافتة لسفيرها في لبنان وليد البخاري بإتجاه المكوّنات اللبنانية التي تلتقي مع المملكة في النظرة الى إتفاق الطائف، لإعادة وضع وثيقة الوفاق الوطني على السكة الصحيحة، خصوصًا بعد التحرك السويسري الأخير الذي كان يهدف خفية الى ضرب إتفاق الطائف، وذلك عبر رعاية اللقاء الذي حصل لدعم الطائف بعد التأكيد عليه في البيان السعودي ـ الفرنسي ـ الأميركي المشترك.

وفي السياق، يرى الزغبي أن «هناك الكثير من الكلام عن أن التحرك السعودي الفاعل في الآونة الأخيرة لإعادة وضع إتفاق الطائف في الواجهة السياسية مردّه الى خطورة المشروع الإيراني نفسه. طالما أن إيران تريد تشويه إتفاق الطائف وربما ضربه وإسقاطه بهدف تحقيق مشروعها الأكبر في المنطقة، فما كان من المملكة العربية السعودية إلا أن تتنبّه الى خطورة هذا المشروع، وأن تطرح في لبنان مسألة حماية إتفاق الطائف وتنفيذه، علمًا أن الإتفاق لم ينفذ بصورة متكاملة، كما تم القفز فوق الكثير من بنوده المحورية، خصوصًا اللامركزية ومسألة توزيع السلطات بشكل عادل والسلطة التنفيذية كسلطة تتشكل من مجموعة طوائف وليس تحت هيمنة طائفة واحدة كما جرى مرارًا حين تسلّط الثنائي الشيعي على الحكومات المتعاقبة بالمباشر كما فعل في حكومة الـ2011، حكومة ميقاتي آنذاك، أو بصورة غير مباشرة من خلال طرح حكومات تارة حكومات وحدة وطنية أو تكنو سياسية أو خليط من المجموعات السياسية ومن المعتبرين تكنوقراط أو إختصاصيين. كل هذه العناوين كانت تخفي فعلاً نية مدبرة لضرب إتفاق الطائف وجعله خاويًا من معناه الحقيقي القائم على التوازن الحقيقي والفعلي بين المكوّنات اللبنانية والقائم على الفلسفة الكيانية المهمة التي لطالما طرحها بناة لبنان منذ اكثر من 100 عام ومنهم طبعًا مرجع فلسفة النظام اللبناني ميشال شيحا، إلقاء هذه المعادلة التاريخية القائمة على العيش المشترك وعلى التوازن وليس على كسر التوازن بين المكوّنات والطوائف».

ويشدد: «لذلك إن إعادة طرح إتفاق الطائف من البوابة السعودية كان أمرًا مرغوبًا وضروريًا لإعادة فرض إنتظام النظام اللبناني، والكشف بالممارسة الفعلية عن مكامن الثغرات لإعادة تصحيحها، وهذه مسألة ليست مستحيلة لأن الدساتير ليست جامدة ولكن المسألة أنه في الآونة الأخيرة جرت محاولات خبيثة لطرح ما يُسمّى بالمؤتمر التأسيسي أو إعادة تشكيل نظام جديد، وهذا الطرح جاء حكما من إيران عبر «حزب الله» وبعض الجهلة من السياسيين اللبنانيين، خصوصًا لدى المسيحيين. ومن هذه المحاولات كانت المحاولة السويسرية الأخيرة تحت عناوين اللقاء التشاوري على عشاء غير رسمي، تنبّه لها الذين كانوا مساهمين مباشرة في وضع إتفاق الطائف سواء من اللبنانيين أو من المملكة العربية السعودية، وتم التصدي لهذه المحاولة لكي لا يكون هناك مشروع خفي لضرب النظام اللبناني برمته بهدف تأسيس نظام آخر يجعل من لبنان مجرد حلقة تابعة للمحور الإيراني الذي يُعرف بمحور المقاومة والممانعة».

لمؤتمر دولي لا تأسيسي

حيال هذا الواقع، بالإضافة الى معطيات خارجية وداخلية أثارت قلق البطريركية المارونية على الكيان اللبناني، تحرك البطريرك بشاره الراعي للمطالبة بعقد مؤتمر دولي خاص بلبنان برعاية الامم المتحدة. وهذه الدعوة ليست وليدة الساعة إنما نتيجة متابعة بكركي لما آلت إليه الأوضاع في البلد. وغاية المؤتمر كما يشير البطريرك الراعي هي بت المسائل الخلافية التي عجز اللبنانيون عن حلها، معتبرًا أن اللجوء الى المظلة الدولية بات ضروريًا لتدارك إنزلاق لبنان نحو الأسوأ.

هذا ما أشار إليه الزغبي بقوله: «عندما استشعرت البطريركية المارونية وهي المؤسسة للكيان اللبناني وللدولة اللبنانية منذ 1920 وما قبل، أن هناك خطرًا على هوية لبنان وعلى دوره ورسالته وعلى انتمائيه العربي والدولي، وبعد أن عاينت بأم العين كيف أن مجلس النواب عجز عن إعادة تأسيس السلطة بدءًا من إنتخاب رئيس للجمهورية، وحين عاينت ورأت تماما أن هناك عجزًا داخليًا عن إعادة تركيز النظام السياسي والتأسيس للخروج من هذا المأزق الخطير الإنساني والاجتماعي والاقتصادي والمالي إضافة الى السياسي، كان لا بد لها من طرح مأزق لبنان على المجتمع الدولي، طبعًا تحت رعاية الأمم المتحدة، وهذا ما دفع البطريرك الراعي للمطالبة مرارًا بعقد مؤتمر دولي خاص بلبنان برعاية الأمم المتحدة للتأسيس لمرحلتين: أولاً، التوجّه نحو حياد لبنان عن الصراعات العسكرية والسياسية الخطيرة في المنطقة. وثانيًا، لإحياء النظام اللبناني القائم على العيش المشترك والمناصفة تحت رعاية إتفاق الطائف والقوى التي تؤيد هذا الإتفاق لمواجهة كل المشاريع الخطيرة التي تؤدي الى ضرب معنى لبنان الحقيقي وفكرة الكيان اللبناني المتميّز في منطقة شرق المتوسط ودور هذا الوطن وهذا الكيان على المستويين العربي والدولي».

ويختم الزغبي:«بتنا اليوم أمام إستحالة إعادة إنتاج السلطة اللبنانية بالقوى السياسية الداخلية. هذه مسألة باتت محسومة وواضحة أن القوى السياسية الداخلية عاجزة عن إعادة تأسيس السلطة بكل مستوياتها، بدءًا من رئاسة الجمهورية. وهذا العجز ليس نابعًا من عدم الرغبة أو عدم وجود الإرادة بل بسبب التعطيل المتمادي والمستمر والمتعمّد من قبل أصحاب المشروع نفسه، أي أصحاب المشروع الإيراني الذي ينفذه «حزب الله» وبعض الجهلة من السياسيين والقوى السياسية اللبنانية. لذلك، لا بد من حضانة عربية ودولية ورعاية عربية ودولية تحت مُسمّى المؤتمر الدولي كي تساعد لبنان على إعادة إنتظام مؤسساته، بدءًا من إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، وصولاً الى حكومة جديدة قادرة على العمل، بالإضافة الى إعادة إحياء المؤسسات والإدارات الواجبة الوجود كي ينتظم العمل السياسي والإداري في لبنان. لذلك فإن الحل الواقعي والطبيعي لمأزق لبنان وأزمته هو في تزويج الإرادة الداخلية اللبنانية على الإرادة العربية والدولية، تمامًا كما جرى في العام 2005 على أثر إنتفاضة الإستقلال، حيث تم وضع إعادة تأسيس السلطات اللبنانية. وللأسف لم تتمكن من الإستمرار لأن المشروع نفسه تصدى لها. من هنا، فإن المؤتمر الدولي، في حال إنعقاده، عليه واجب أول هو إضعاف أو على الأقل تحييد التأثير الإيراني المباشر على القرار والحياة السياسية اللبنانية. هذا يعني أن على المجتمع الدولي الضغط على طهران كي تكف يدها عن التدخل في الشأن اللبناني عبر سلاح «حزب الله». وهذا يعني أيضًا أن يُصار الى وضع حل عربي دولي أممي لمسألة سلاح «حزب الله»، ليس بالقوة العسكرية أو بالحسم العسكري بل بتنفيذ إتفاق الطائف الذي ينص وبوضوح على حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية. ولا يمكن التذرّع هنا أن «حزب الله» ليس ميليشيا وأنه «مقاومة» وما إلى ذلك. فالحقيقة هي أنه ميليشيا والميليشيا طبعًا تسلب القرار الشرعي من الدولة اللبنانية. والدليل أن «حزب الله» يعلن الحرب ساعة يشاء ويقرر السلم ساعة يشاء، كما فعل في مسألة ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، ويقرر خرق الحدود ذهابًا وإيابًا، واستباحة السيادة اللبنانية عبر الحدود البرية والبحرية والجوية للإشتراك والإنخراط في حروب المنطقة تنفيذاً للوظيفة الإقليمية التي كلّفه بها النظام الإيراني تكليفاً شرعياً».

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا