ارتدادات 7 أكتوبر.. كيف غيرت توازنات الشرق الأوسط وتكتيكات القوى العظمى؟
يبدو أن ما بعد 7 أكتوبر 2023 ليس كما قبله، مع ما جاء من متغيرات حملت إعادة توزيع للأدوار ومراجعة للخيارات الاستراتيجية على مستوى الدول والمحاور، في ظل صعود سرديات جديدة حول حدود القوة التقليدية وجدوى الحروب بالوكالة.
تراجع إيران
ويرى خبراء، أن ما جاء من أحداث ومواجهات وتكتيكات خلال العامين الماضيين، يحمل تغييراً في التوازنات في عدة صور أبرزها انكماش وتراجع إيران إلى الداخل مقارنة بما قبل أكتوبر 2023، بعد أن فجرت حماس بحسب التقديرات تلك الأحداث في ظل حضورها البارز ضمن المحور الذي تقوده طهران، لتأتي المستجدات بالضعف الذي وصلت إليه الأذرع في المنطقة بشكل دراماتيكي وسريع، ما بين لبنان وسوريا والعراق واليمن، مع حرب الـ12 يومًا على إيران، المنتظر استكمالها بين فينة وأخرى.
وقال خبراء في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إنه في وقت أصبحت الولايات المتحدة أكثر انخراطاً تكتيكياً بعد 7 أكتوبر، حاولت روسيا والصين استثمار اللحظة لتعزيز حضورهما، حيث رأت موسكو في الحدث فرصة لتخفيف الضغوط الغربية عليها في أوكرانيا عبر فتح جبهة إرباك في الشرق الأوسط، بينما تعاملت بكين مع ما نتج عن 7 أكتوبر، كدليل إضافي على فشل النظام الأمني الأمريكي في المنطقة، ما يدعم مبادراتها حول الأمن الجماعي.
وهن الميليشيات
ومن بين ارتدادات 7 أكتوبر، بحسب خبراء، سعي الغرب للتخلص من الميليشيات المسلحة في المنطقة التي راهن عليها خلال سنوات ماضية، بعد أن باتت عبئاً عليه، مما دفع الولايات المتحدة للتجهيز لنقل تلك الفرق العسكرية إلى مناطق أخرى محاذية للصين، وبشكل خاص إلى دول آسيا الوسطى، لتفعيلها تجاه بكين الفترة المقبلة.
مرحلة جيوسياسية جديدة
ويرى الباحث الاستراتيجي هشام معتضد، أن 7 أكتوبر 2023 أدخل المنطقة في مرحلة جيوسياسية جديدة تتجاوز تداعيات الحرب التقليدية إلى إعادة تشكيل عميقة لخرائط النفوذ والتموضع الاستراتيجي، حيث إن الحدث لم يكن مجرد هجوم عسكري أو عملية أمنية، بل نقطة انعطاف كشفت حدود الردع، وهشاشة التوازنات القائمة، وفشل مقاربات كان يعتقد أنها توفر الاستقرار النسبي في الشرق الأوسط.
وأوضح معتضد في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن الارتدادات المباشرة طالت إيران بالدرجة الأولى، إذ وجدت نفسها في قلب اختبار استراتيجي بين خيارين أحلاهما مر، الأول الانخراط في مواجهة مباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدة، بما يحمله ذلك من مخاطر تفكيك بنيتها الاقتصادية والعسكرية، أو القبول بضبط النفس والاكتفاء بحرب الوكلاء، وهو ما يضعف سرديتها كقوة "مقاومة" قادرة على قلب المعادلات.
وتابع أن هذه المعضلة أدت إلى انكشاف محدودية قدرة طهران على التحكم في تصعيد متعدد الجبهات، خصوصاً مع تصاعد الضغوط الداخلية المرتبطة بالعقوبات والوضع الاقتصادي المتدهور.
وأشار معتضد إلى أن حزب الله، بدوره، أصبح في وضعية أكثر تعقيداً، ليجد نفسه أمام خطر استنزاف غير مسبوق عبر مواجهة مفتوحة مع إسرائيل قد تعني تدمير بنيته التحتية وتهديد دوره السياسي في لبنان، بينما الانكفاء يضر بهيبته داخل محور المقاومة، وهذا التناقض جعل التنظيم يراوح مكانه، عاجزاً عن تحقيق اختراق استراتيجي يغير قواعد اللعبة، وفق قوله.
وأكد أن الأذرع الإيرانية الأخرى، سواء في العراق أو اليمن أو سوريا، تحركت في مشهد متداخل لكنه غير متماسك، بالهجمات المتفرقة على المصالح الأمريكية أو الإسرائيلية التي كانت رسائل أكثر منها عمليات ذات تأثير نوعي، ومع مرور الوقت، انكشف ضعف قدرة هذه الميليشيات على فرض واقع جديد، خصوصاً أن الضغوط الغربية أصبحت أكثر صرامة، بينما تعاظم الدور الإقليمي لقوى منافسة لإيران، لتعزيز مكانتها عبر أدوار تعمل على التوازن والاستقرار.
استحقاقات ما بعد الـ 7 أكتوبر
ويعتقد معتضد أن ما بعد السابع من أكتوبر ليس كما قبله، لأن المنطقة تشهد إعادة توزيع للأدوار ومراجعة للخيارات الاستراتيجية على مستوى الدول والمحاور، مع صعود سرديات جديدة حول حدود القوة التقليدية وجدوى الحروب بالوكالة.
وأردف أن إيران خرجت مثقلة بالتحديات، حزب الله في موقف دفاعي، الأذرع الإقليمية فقدت الكثير من زخمها، بينما القوى العربية الوسطية اكتسبت وزناً إضافياً في معادلة الاستقرار، وهذه ليست مجرد أزمة عابرة، بل بداية دورة جيوسياسية ستحدد شكل الشرق الأوسط لعقد مقبل على الأقل.
ويؤكد المختص في الشؤون الإيرانية، الدكتور محمد المذحجي، أن السابع من أكتوبر هي عملية "عالم زائف" عبر شواهد ظهرت عندما سمحت إسرائيل لحركة حماس بتنفيذها، وأن الأخيرة ساعدت تل أبيب كثيراً طوال هذه الفترة بتحقيق أهدافها من خلال الاحتفاظ بالرهائن، وفق قوله.
وأضاف المذحجي في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن البيت الإسرائيلي الداخلي كان ممزقاً، لكن بعد عملية السابع من أكتوبر نجحت تل أبيب في توحيد صفوفها الداخلية، وبدلاً من أن توظف حماس ملف الرهائن لإنهاء الحرب وتخفيف معاناة شعب غزة، استغلت هذا الملف للحفاظ على كوادرها وقياداتها ومحاولة تذليل الضغوط عن نفسها، الأمر الذي فشلت فيه الحركة حيث لم تستطع توظيف العملية لصالحها.
إيران الخاسر الأكبر
ولفت المذحجي إلى أن أبرز ارتدادات 7 أكتوبر، حرب الـ12 يومًا على طهران وما أوجعها وغير الكثير من المعطيات في محيطها وزاد من ضغوط الداخل والخنق بالمزيد من العقوبات الدولية، ثم تأرجح الميليشيا الأساسية لطهران وهي حزب الله التي ضربت عندما تحدثت عن قدرة الإسناد وتم تدمير البيئة والحاضنة وصولاً إلى القرار الدولي بنزع سلاحه والعمل على ذلك بخصوص الميليشيا اللبنانية في الوقت الحالي، بعد أن كانت تحقق قلقاً دائماً لإسرائيل بشكل كبير.
مشروع أمريكا الجديد
ويقول المذحجي، إن إيران تنكمش وتتراجع إلى الداخل، كما بدأت أذرعها في المنطقة تضعف بشكل دراماتيكي وسريع، ومع هذا المشهد والمجريات الأخيرة سيكون التقوقع من هذه الميليشيات وقبلهم طهران خلال المرحلة المقبلة، متوقعاً أن تشهد المنطقة عملية محددة ضد اليمن لحل ملف الحوثيين، وكذلك التحضير لعملية داخل العراق وصولاً إلى عملية عسكرية موجهة ضد إيران تكمل أهداف حرب الـ12 يومًا بحسم كامل.
واعتبر المذحجي أن هذا المخطط يمثّل المشروع الجديد للولايات المتحدة، الذي لا يعتمد بالدرجة الأولى على الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي، بل يسعى للتخلص من الميليشيات المسلحة في المنطقة، وهي ذاتها التي راهن عليها الغرب خلال السنوات الماضية لتمرير أجندات محددة.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|