الصحافة

لبنان بين نزوحَين: من معارضي الأسد إلى معارضي الشرع

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

مع اندلاع الانتفاضة السورية عام 2011 بدأ لبنان يستقبل الفارّين من جحيم الحرب ومعظمهم من المعارضين للنظام السوري السابق. اليوم، وبعد أكثر من عقد على تلك المأساة، تتكرّر الصورة لكن من الجهة الأخرى: لبنان يستقبل الهاربين من العنف والاضطراب في الساحل السوري والسويداء وجلّهم من معارضي النظام الحالي.

هذا التناقض لا يدلّ على أنّ لبنان واحةً للديمقراطية كما قد يُظَنّ، بل هو يعكس حقيقةً أعمق: ذلك أنّ تعدد المذاهب أوجد هامشاً من الحرية يتنفّس فيه المبعدون ويجعل من الأرض اللبنانية ملاذاً لمن ضاقت بهم الجغرافيا السياسية والخرائط الممزقة.

من جبل لبنان إلى عكار وطرابلس، استقبل لبنان مجدداً موجات نزوح مختلفة: آلاف الدروز الذين آثروا الفرار من معركة السويداء، وعشرات الآلاف من العلويين الذين أجبروا على النزوح بعد موجة الاعتداءات والاغتيالات والخطف في الساحل السوري. وقد ترافق وصولهم مع مساعٍ ومبادرات إنسانيّة من جهات مختلفة.

مبادرة "أهل البيت": جهود إنسانية أم أبعاد سياسية؟

من أبرز هذه المبادرات، ما أُطلق عليه "أهل البيت" تحت إشراف "منظمة إنماء سوريا الغربية"، منظمة تأسست في واشنطن، تسلط الضوء على ما سمتهُ اضطهاد الأقليات العلوية والدرزية والمسيحية، إضافة إلى المجتمعات الكردية والسنية المعتدلة، مع التركيز على “مشاريع التنمية المستدامة والتمكين وإعادة الإعمار” كما جاء في أهداف تأسيسها.

 لكن مبادرة "أهل البيت" لا تقتصر على البُعد الإنساني فحسب، إذ تكشف وثائق وتقارير عن تمويلٍ للمشروع بواسطة  اللواء كمال الحسن ، أحد أبرز الأسماء المرتبطة بالنظام الأسدي، والمفارقة أنّ الحسن نفسه من بين الأفراد المدرجين على قائمة العقوبات الصادرة عن وزارة الخزانة الأميركية (OFAC) بموجب برنامج PAARSS، وقد شغل سابقًا منصبًا رفيعًا في جهاز الاستخبارات العسكرية ولا سيما في الفرع 227.

وهذا ما أثار تداعيات سياسية لدى أوساط بعض مناصري الحكومة السورية، الذين اعتبروا أنّ لبنان يفتح أبوابه أمام جماعات من “فلول النظام السابق” تحت عناوين إنسانية قد تتحوّل لاحقًا إلى ورقة ضغط ضد الحكم القائم في دمشق، مما يشكل خطراً على الدولة السورية وبالتالي يُدخل لبنان في دائرة توتر جديدة مع الجارة تفضي إلى أزمات متعددة.

المجلس الإسلامي العلوي: "الملف إنساني لا سياسي"

وفي هذا السياق، يوضح مدير مكتب رئيس المجلس الإسلامي العلوي الشيخ أحمد عاصي في حديث خاص لـ"المدن" أنّ “مقاربتنا لمسألة النزوح السوري المستجد تنطلق من واقع إنساني بحت، وواجبنا أن نقف إلى جانبهم كما وقفنا إلى جانب غيرهم في الماضي”.

ويرى أنّ الحديث عن خطر المسّ بالتركيبة الديموغرافية في لبنان "لا يخرج عن طور المزايدات على الطريقة اللبنانية، حيث يحبّ بعض الأفرقاء أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك”. ويضيف عاصي أنّ “العلويين الذين نزحوا إلى لبنان يقيم أغلبهم في مناطق ذات وجود علوي، وما إن يستتب الوضع في بلادهم لن يبقوا في لبنان 24 ساعة”، داعيًا الدولة اللبنانية إلى النظر في أوضاعهم الإنسانية والاجتماعية والتربوية كما نظرت في أوضاع نازحي السويداء. ويشير إلى أنّ المجلس الإسلامي العلوي يرفض التمييز بين النازحين، قائلاً: “إن صحّ ما نسمعه عن قبول تسجيل بعض نازحي السويداء في المدارس، فلن نقبل أن يكون هناك صيف وشتاء تحت سقف واحد".

أما عن مبادرة "أهل البيت"، فيوضح أنّ "بعض العائلات كانت تعيش داخل خيم في عكار، ومع اقتراب فصل الشتاء، تبرع أحد المهتمين بنقلهم إلى شقق سكنية حرصًا على كرامتهم وسلامتهم، ونحن نبارك كل عمل فيه مسحة خير وإنسانية.” ويضيف أنّ المجلس الإسلامي العلوي لا يعنيه إن كانت الجهة الداعمة مرتبطة بشخصية من النظام السابق، طالما أن الهدف “إنساني بحت لا يمت بصلة لأي نشاط سياسي".

وردًا على الاتهامات المتعلقة بـ"الفلول"، يقول الشيخ عاصي: "تهمة الفلول تطال الذي لا تهمة له، فهل يستطيع أحد أن يحدد من هم الفلول؟ أحيانًا كل من لا يحمل فكرك تعتبره من الفلول، وهذه طريقة لبنانية معروفة. نحن نراقب المشهد من منطلق إنساني، ولن نتعاطى مع أي شخص مطلوب من القضاء اللبناني، أما من يسعى لمساعدة أهله فنقول له: بارك الله بكم".

في النهاية، لا يملك لبنان الخيار في مَن يلجأ إليه، لكن مذاهبه وطوائفه هي المنارة لأمواجهم المتتالية والمتلاطمة أحياناً والحضن الدافئ لهم...رغم ما تستقدم معها من أوزار حروبٍ وقتلٍ وتشريد وحكايات متناقضة قد تجرّ لهذا البلد المأزوم والمثخن بالجراح أزماتٍ لا يستطيع دفعها...لكنه بالتأكيد هو في غنىً عنها.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا