الصحافة

الوحدة المسيحية... مُكلِفَة للجيوب والنّقطة التي قد تُنهي زيارة البابا للبنان سريعاً؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في تعليقه على الزيارة الخارجية الأولى التي سيقوم بها للبنان وتركيا بين 27 و30 تشرين الثاني (تركيا) و30 تشرين الثاني و2 كانون الأول (لبنان)، أعلن البابا لاوون الرابع عشر أن رحلته ستوفّر فرصة تاريخية لتعزيز الوحدة المسيحية. واعتبر البابا أن الاحتفال بالذكرى السنوية 1700 لمجمع نيقية في تركيا، يقدم لحظة من الوحدة الحقيقية في الإيمان مع المسيحيين الأرثوذكس، وهي لحظة تاريخية لعدم النظر إلى الوراء، بل الى الأمام.

 روزنامة؟...

الوحدة المسيحية التي يحتاجها المسيحيون في الواقع، ليست وحدة روزنامات، ولا وحدة اجتماعات مسكونية تُرنَّم خلالها صلوات كاثوليكية وأرثوذكسية وتسابيح بروتستانتية، بل هي أبْعَد من ذلك بكثير، رغم أهميّة توحيد روزنامة الأعياد المسيحية طبعاً.

فمن هو عاجز عن توحيد روزنامة كنسية، أو من هو رافض لذلك، لن يتمكن من الارتقاء الى مستويات أعلى من الوحدة مع إخوة له في الإيمان الواحد.

توحيد ميزانيات

وبما ينسجم مع الوحدة المسيحية التي ستحتلّ حيّزاً مهمّاً من نشاط البابا، لا بدّ من الإشارة الى أن المسيحيين في لبنان تحديداً، والشرق الأوسط عموماً، يحتاجون الى وحدة تشبه تلك التي كانت سائدة في أيام الرسل، أي الكنيسة الأولى.

ففي ذلك الوقت، كان الأخوة واحداً بكل ما للكلمة من معنى. وكان الجميع يتساعدون على تلبية حاجاتهم المشتركة، وعلى التعامل مع كل ظروف الحياة والاضطهاد. وكانت الكنيسة مؤلَّفَة آنذاك من مجموع المؤمنين، بعيداً جداً من الحالة المؤسساتية التي انزلقت إليها السلطات الكنسية مع مرور الزمن، للأسف.

واستناداً الى ذلك، لم يَعُد المسيحيون بحاجة الى مؤتمرات وطاولات مستديرة، لا في لبنان، ولا في هنغاريا، ولا في روما، ولا في أميركا أو فرنسا أو روسيا... من أجل الوحدة، بل الى توحيد ميزانيات المؤسسات المسيحية العامِلَة في لبنان أو في دول شرق أوسطية أخرى، من مدارس وجامعات ومستشفيات ومجمّعات طبية ومؤسسات رعاية صحية واجتماعية... الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستانتية، ضمن ميزانية واحدة، تماماً كما لو كانت دولة واحدة، تُستثمَر في مشاريع تمنع الجوع والجهل والمرض والفقر والبطالة... عن آلاف المسيحيين في الشرق الأوسط عموماً.

تحريك الحسابات "البنكية"

نعم، هذه هي الوحدة المسيحية الفعّالة، والتي من الممكن أن تكون مُفيدة للمسيحيين في لبنان والمنطقة الآن ومستقبلاً.

فقد شبع الناس من تسخيف اختصار الوحدة ببعض الاجتماعات أو العبارات، فيما لا هدف من هذا التسخيف سوى إلهاء الجميع عن مجهود جوهري آخر، يُجبر السلطات الدينية الكاثوليكية والأرثوذكسية والبرتستانتية الشرق أوسطية على تحريك حساباتها "البنكية" لصالح المؤمنين المنتمين الى كنائسهم.

فماذا ينفع المسيحي الأرثوذكسي إذا كان جائعاً ومريضاً وفقيراً... فيما أنتم تعظونه بأنه مُستقيم الرأي؟ وماذا ينفع المسيحي الكاثوليكي (نتحدث هنا عن الكثلكة الشرقية تحديداً) إذا كان فقيراً ومريضاً وجائعاً، بينما أنتم تخبرونه بأن البابا يحبّ لبنان، ولذلك قرّر أن يزوره؟ وماذا ينفع البروتستانتي إذا كان مُهمَلاً بالمقارنة مع غيره من أبناء جماعته، فيما أنتم تعظونه عن أنه حركة إصلاحية في داخل الكنيسة؟ (هذا رأي بروتستانتي لا نتبنّاه، ولا مجال للحديث عنه في تلك الأسطر).

وحدة وجود

وبالتالي، لا بدّ من نقل الحديث عن الوحدة الى حالة أكثر نضجاً، وأكثر توافُقاً مع الاهتمام بعَصَب وجوهر معاناة المسيحيين في لبنان والمنطقة.

ففي أيام الكنيسة الأولى، كان المسيحيون واحداً في كل شيء. وأما اليوم، فلا شيء لدينا سوى جماعات تُسمّى كاثوليكية وأرثوذكسية وبروتستانتية (بدلاً من مسيحية)، تصلّي خلال محطات سنوية من أجل وحدة لا تتحقّق (لأن لا نوايا حقيقية لتحقيقها بل صلوات تُكرَّر اجتماعياً لا أكثر)، فيما لديها عشرات المؤسسات (مدارس، جامعات، مستشفيات...) ذات الميزانيات الضخمة، مع حسابات مصرفية هائلة تُضاهي ميزانيات حكومات. وهذا يجب استثماره لصالح الخير المسيحي العام، ضمن وحدة ميزانيات ومؤسسات، تشكل مقدمة لوحدة وجود مسيحي حقيقي في المنطقة.

الوحدة الحقيقية

نعم، لقد وصلنا الى العصر الذي باتت فيه السلطات الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستانتية مُطالَبَة بالحلول مكان الدول، ضمن منطقة ماضية في طريق الأقاليم المُنفصِلَة رويداً رويداً، وسط استحالة متزايِدَة يومياً في التعايُش بين الجميع.

ففي الشرق الأوسط اليوم، تطالب أقليات عدة بأقاليم استقلالية لها، كحقّ طبيعي بتقرير المصير. وبما أن الأقلية المسيحية الشرق أوسطية منتشرة جغرافياً وديموغرافياً ضمن مساحات يستحيل جمعها بإقليم منفصل استقلالي واحد، فإنه من الواجب جعل الوحدة المسيحية وحدة استثمار مسيحي واحد في أرباح المؤسسات الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستانتية على أنواعها، لصالح المسيحيين في لبنان والمنطقة.

فمؤسساتكم الضخمة والكثيرة وميزانياتها الكبرى هي دول وحكومات بحدّ ذاتها، وهو ما يدعوكم الى أن تتذكّروا بأن المال جُعِلَ للإنسان وليس العكس، وبأن لا مجال لخدمة الرب الإله والمال في وقت واحد. فكونوا مسيحيين حقيقيين، وليس كاثوليكيين أو أرثوذكسيين أو بروتستانتيين، واغتنوا بالروح القدس بدلاً من المال، فبتلك الحالة وحدها يبدأ مشوار الوحدة المسيحية الحقيقية.

أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا