إقتصاد

من 35 إلى 4000 دولار... قصة الذهب اللبناني الذي لم يُحتسب بَعد

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في خزائن مصرف لبنان يرقد كنزٌ صامتٌ منذ أكثر من نصف قرن - الذهب اللبناني، الثروة المنسية القادرة على قلب موازين الاقتصاد إذا أُديرت بحكمة.

اشترى لبنان ذهبه في السبعينات، حين كان سعر الأونصة 35 دولاراً فقط، وما زالت تُسجَّل بهذا السعر في الحسابات الرسمية، بينما تجاوز سعرها اليوم 4,000 دولار. يمتلك لبنان نحو 289 طناً من الذهب، أي ما يعادل 9 ملايين و200 ألف أونصة. كانت قيمتها عند الشراء نحو 325 مليون دولار، بينما تصل قيمتها الحقيقية اليوم إلى نحو 37 مليار دولار. أي أنّ هناك فارقاً مذهلاً يتجاوز 36 مليار دولار لا يظهر في دفاتر الدولة.
إعادة التقييم لا تعني بيع الذهب أو التصرّف به، بل تحديث قيمته المحاسبية لتعبّر الأرقام عن الواقع. بهذه الخطوة، يمكن للبنان أن يُظهر قوّته المالية الحقيقية، ويستعيد جزءاً من الثقة المفقودة، خصوصاً أمام صندوق النقد الدولي والمؤسسات المانحة.

تحمل إعادة التقييم فوائد عديدة. فهي أولاً تحسّن صورة لبنان المالية، حين يُدرك العالم أنّه يمتلك ذهباً بقيمة 37 مليار دولار. ثانياً، ترفع تصنيفه الإئتماني، لأنّ الأصول المَوثوقة تسهّل الحصول على تمويل بشروط أفضل. ثالثاً، تعزّز الثقة الشعبية، لأنّ معرفة اللبنانيِّين بوجود احتياطي ضخم، ترفع المعنويات وتدعم العملة الوطنية. وأخيراً، تمنح لبنان ورقة تفاوض قوية من دون الحاجة إلى بيع ذهبه.

لكنّ المخاطر حاضرة. فالذهب سلعة تتغيّر أسعارها باستمرار، ما قد يُسبّب خسائر محاسبية في حال تراجعت قيمته عالمياً. كما أنّ الإعلان عن ارتفاع ضخم في قيمته قد يفتح شهية بعض الجهات السياسيـة للمطالبة ببيعه، وهو خطر كبير لأنّ الذهب يُمثل الضمانة الأخيرَة للبلد. لذلك يجب أن تتمّ أي خطوة بشفافية قانونية ورقابية صارمة، لكَيْ لا يتحوّل هذا الكنز إلى باب جديد للهدر أو الفوضى.
تجارب الدول الأخرى تُظهر أهمية الحذر. فالولايات المتحدة، على رغم من امتلاكها أكبر احتياطي ذهبي في العالم، لا تزال تُسجّله في دفاترها بسعر رمزي لا يتجاوز 42 دولاراً للأونصة حفاظاً على استقرار حساباتها. في المقابل، اختارت ألمانيا وسويسرا إعادة تقييم جزئية لأصولهما الذهبية، لتعزيز ميزانياتهما من دون بيع أي جزء من الاحتياطي.

بدوره، يستطيع لبنان أن يتصرّف بحكمة من خلال إجراء تقييم داخلي بإشراف دولي يُحدِّد القيمة الفعلية للاحتياطي، وإصدار تقرير سنوي شفاف عن الذهب اللبناني، وإنشاء صندوق وطني مستقل يَحميه من أي قرار سياسي متهوّر، واعتماد رمزيّته في الخطاب الاقتصادي، كإشارة إلى الثقة والسيادة والاستقرار.

إعادة تقييم الذهب ليست مغامرَة بل خطوة نحو الشفافية الاقتصادية، ورسالة بأنّ في هذا البلد ثروة حقيقية قادرة على استعادة الثقة إذا أُديرت بعقل راشد وبعيداً من الأهواء. فالذهب ليس مجرّد معدن ثمين، بل رمز سيادة وطنية وقد يكون المفتاح لنهضة لبنان المقبلـة إذا وُضع في أيدٍ أمينة.

د. ميراي زيادة - الجمهورية

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا