قيود مالية على "تيك توك" اللبناني: الأسد والوردة لا يُصرفان!
توقفت عجلة جني الأرباح في الفضاء اللبناني عبر "تيك توك". فبينما يستمر المؤثرون في تلقي هدايا "الأُسود" و"الورود" الافتراضية، جُمّدت القيمة النقدية لهذه الهدايا التي يتلقاها صانعو المحتوى (التيكتوكرز). هذه الأزمة أطلقت شرارة بلبلة واسعة في أوساط المنصة، خصوصاً بعدما ربطت تقارير إعلامية محلية هذا التوقف المفاجئ بشبهات حول تحول "تيك توك" إلى منفذ مالي خارج الرقابة، وتداول معلومات عن عمليات تبييض أموال محتملة.
توقف التحويلات المالية
واختبر مستخدمو التطبيق الصيني في لبنان، خلال الأسبوعين الماضيين، "أزمة مالية" جديدة تمثّلت في توقف التحويلات المالية من المنصة إلى صانعي المحتوى. فالهدايا الافتراضية، التي تصل قيمة بعضها إلى مئات الدولارات، لم تعد قيمتها النقدية تُصرف "كاش".
وعادةً تُحوّل هذه الهدايا إلى "ألماس Diamonds"، وهي عملة افتراضية داخل التطبيق، يمكن لصانع المحتوى تحويلها إلى أموال حقيقية عبر خيارات السحب المتاحة، فيما يحتفظ "تيك توك" بنسبة من قيمة الهدايا كعمولة.
تتراوح قيمة "الأسد" في "تيك توك" بين318 و400 دولار أميركي، وهي من أغلى الهدايا الافتراضية، وتُقدم كهدية لصانعي المحتوى أثناء البث المباشر. وغالباً ما يحصل صانع المحتوى على 60% من قيمة الهدية، بينما يحتفظ "تيك توك" بنسبة 4%%.
أما قيمة "حورية البحر" مثلاً، فتبلغ نحو 40 دولاراً، وتُستخدم هذه الهدية في "تيك توك" لإظهار الدعم للمبدعين... فيما تُعدّ "الوردة"، أقل الهدايا قيمة، وتبلغ قيمتها $0.01 دولار أميركي.
غياب الضوابط
وحول طريقة عمل "تيك توك"، يشرح خبير الأمن الرقمي، رولان أبي نجم، في حديث لـ"المدن"، أنّ "أي شخص اليوم يمكنه أن يجني مبالغ مالية ضخمة من خلال تيك توك خلال فترة زمنية قصيرة، فقط كونه صانع محتوى على المنصة، رغم أنّ هذا المحتوى في معظم الأحيان لا يحمل أي قيمة فعلية".
ويوضح أنّه خلال عملية التبييض "تتحول الأموال عبر تيك توك إلى لبنان، ليعيد صاحب الحساب إرسالها لصاحب العلاقة بعد اقتطاع النسبة التي تأخذها المنصة وربحه من العملية".
ويضيف أبي نجم أنه "في لبنان لا ضوابط ولا قوانين تضبط هذه التحويلات"، مشيراً إلى أنّ "معظم دول العالم، بما فيها الدول العربية والخليجية، وضعت أنظمة واضحة لصانعي المحتوى في مواقع التواصل الاجتماعي، تفرض عليهم التسجيل لدى الجهات الرسمية، والتصريح عن الأموال التي يتقاضونها، ودفع الضرائب المترتبة عليها".
أما في لبنان، يقول أبي نجم، "الوضع مختلف تماماً، إذ لا توجد أي سيطرة أو آلية تنظيمية، ولا أحد يعرف على أي أساس تدخل هذه الأموال أو تُخرج".
تبييض أموال؟
ويُتهم بعض المؤثرين بالمشاركة في تبييض أموال، إذ يرسل شخص ما هدية ذات قيمة مرتفعة الى المؤثر، وبعد أن يصرف المؤثر قيمة الهدية، يأخذ نسبة منها ويعيد النسبة الأخرى لمرسل الهدية وفق إتفاق بينهما.
وساهمت هذه الشبهات في تعطيل مصدر دخل أساسي للكثيرين الذين باتوا يعتمدون في السنوات الأخيرة على المنصة كمصدر لهم، مما أثار حالة من القلق والغضب بين المؤثرين وصانعي المحتوى وغيرهم.
لكن في الوقت نفسه، تأتي هذه الأزمة بالتزامن مع تقارير تكشف مبالغ مالية عائلة تُحوّل عبر المنصة، ما أثار مخاوف فعليّة من أن تتحول المنصة إلى أداة لتبييض الأموال أو تحويلات مالية مشبوهة.
وهذا التخوف ليس جديداً، ففي وقت سابق، قبضت السلطات الأمنية اللبنانية على مجموعات يُشتبه في تورطها في عمليات تبييض أموال بالملايين، وغالباً ما يتم إستخدام العملات الرقمية كمرحلة وسيطة ضمن عملية غسل الأموال.
في السياق، يقول حسن جابر، مؤسس شركة "جابر ميديا"، وهي وكيل لمنصة "تيك توك" في لبنان، إنه "في لبنان لا نظام مصرفياً يتيح تقاضي الأموال من (تيك توك) مباشرة، لذلك يلجأ البعض إلى بطاقات (باي بال) أو (بايونير)، أو من حسابات مصرفية في الخارج لسحب الأموال من خلالها". ويضيف: "لا أحد يعرف بدقة حجم الأموال التي تدخل أو تخرج عبر هذه التحويلات، ولا رقابة عليها من الدولة اللبنانية. وهذا يفتح المجال أمام عمليات تبييض أموال. لذلك تحاول شركة (تيك توك) الحد من هذه الظاهرة خصوصاً في لبنان. ولو كانت هناك رقابة جدية من الدولة اللبنانية لكان بالإمكان الاستفادة من هذه التحويلات مالياً عبر الضرائب والرسوم". وتابع: "حالياً، الكثير من صانعي المحتوى في لبنان لا يستطيعون الحصول على أموالهم، لكن بعضهم يلجأ إلى حلول التفافية عبر أشخاص يملكون بطاقات مصرفية في الخارج مقابل عمولات إضافية".
التداعيات القانونية والاجتماعية
تداعيات هذه الأزمة تمتد إلى ما هو أبعد من الجانب المالي. فالقضية تثير تساؤلات حول الحاجة إلى تنظيم رقابي وتقني واضح للتحويلات الرقمية والهدايا الافتراضية التي تتم عبر المنصات الرقمية، خصوصاً في بيئة اقتصادية واجتماعية مضطربة.
في نهاية المطاف، تُعد أزمة توقف تحويلات "تيك توك" في لبنان أكثر من مجرد مشكلة اقتصادية تخصّ صانعي المحتوى أو المستفيدين من التطبيق، بل هي إنذار مزدوج. من جهة، هي تذكير لصانعي المحتوى بأن المنصة لا تُشكل مصدر دخل ثابتًا ومستدامًا يمكن الاعتماد عليه. ومن جهة ثانية، هي إنذار يُسلط الضوء على فجوة رقابية ضخمة في المشهد المالي اللبناني المنهار.
ففي بيئة تغيب فيها الثقة الشعبية في النظام المصرفي التقليدي، تتحول المنصات الرقمية إلى "بنوك ظل" يتم عبرها تداول مبالغ ضخمة من الأموال من دون رقابة، مما يفتح الباب على مصراعيه أمام جرائم تبييض الأموال والتحويلات المشبوهة.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|