"الزمن يلعب مع بكين".. هل تخلّفت أمريكا عن سباق القوة البحرية؟

تواجه تحديًا كبيرًا في إعادة بناء قوتها ، خاصة في مجال الغواصات، للحفاظ على تفوقها أمام التقدم السريع للصين، إذ يركز الجهد الأمريكي على تحقيق "تحسين تحويلي" في عملية بناء الغواصات، التي تعتبر حيوية للحفاظ على الميزة تحت الماء.

وعرَضت الصين في استعراض عسكري بمناسبة يوم النصر غواصة جديدة من دون طاقم، بحجم شاحنة نصف مقطورة، تهدف إلى مراقبة السفن الأمريكية وكابلات قاع البحر؛ ما يبرز استثمارات بكين الضخمة في المجال البحري، بحسب تقرير لوكالة "بلومبرغ".

وفي المقابل، تعاني صناعة الغواصات الأمريكية من تأخيرات مزمنة، وارتفاع التكاليف، وقاعدة صناعية ضعيفة؛ ما يهدد بفقدان التفوق البحري طويل الأمد.

ويبرز في طليعة هذه الجهود ويليام كايسن، جندي سابق في سلاح مشاة البحرية يبلغ 39 عامًا، الذي خضع لتدريب مكثف في منشأة تابعة للبحرية في جنوب فرجينيا. يشارك كايسن في برنامج التدريب المتسارع في التصنيع الدفاعي (ATDM)، الذي يهدف إلى توفير عمالة ماهرة لقطاع يعاني نقصًا حادًّا في العمالة والمرافق.

المنشأة، التي تبلغ مساحتها 100 ألف قدم مربعة، تتزين بجدارية عملاقة تصور غواصة هجومية أمريكية، تذكيرًا بالمهمة الحرجة للحفاظ على الأسطول وتوسيعه.

ويقول الأدميرال المتقاعد جيمس فوجو، الذي قاد غواصة يو إس إس أوكلاهوما سيتي، إن الولايات المتحدة اتخذت قرارًا واعيًا بتقليص حجم الأسطول بعد الحرب الباردة، مستفيدة من فوائد السلام، لكن الأمور لم تَسِر كما هو مخطط.

وظلت أعداد الغواصات الأمريكية منخفضة وثابتة منذ العام 2000، وتهدف القاعدة الصناعية إلى توظيف ما لا يقل عن 100 ألف عامل ماهر، مثل: كايسن، خلال العقد المقبل لتلبية الطلب المتزايد، إذ تعتبر هذه الغواصات الورقة الرابحة للبحرية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، التي تعتبر الفناء الخلفي للصين.

المهمة ملحة، إذ تخضع غواصة هجومية من فئة لوس أنجلوس للصيانة منذ عشر سنوات، وسيتأخر تسليم أول غواصة صواريخ بالستية من فئة كولومبيا عامين تقريبًا بتكلفة تزيد على 16 مليار دولار، كما سيتم تأخير تسليم بعض غواصات فئة فرجينيا لمدة تصل إلى ثلاث سنوات.

"وضع حرج"

ومع اقتراب العديد من الغواصات من نهاية عمرها التشغيلي، وتسارع الصين في بناء أساطيلها، يخشى من عدم قدرة الولايات المتحدة على إرسال غواصات جديدة بسرعة كافية. وسبق أن حذّر وزير البحرية جون فيلان المشرعين في مايو الماضي من أن التأخيرات وضعت الخدمة في "وضع حرج"، مؤكدًا أنه لا يمكن إظهار القوة أو ضمان حرية الملاحة دون جاهزية السفن ونمو الأسطول.

وتقول كيلي جريكو، الزميلة البارزة في مركز ستيمسون، إن أسطول الغواصات هو الجانب الآخر من "التخفي"، حيث تتمتع الولايات المتحدة بميزة كبيرة.

وفي صميم الاهتمامات، برنامجان رئيسيان: غواصات كولومبيا وفرجينيا، إذ أظهر استعراض بناء السفن لعام 2024 تأخيرات في الإنتاج.

وغواصة كولومبيا، المصممة لتحل محل أسطول أوهايو، هي ركيزة الثلاثية النووية، تحمل صواريخ ترايدنت قادرة على ضرب أهداف على بعد 7000 ميل. طولها 560 قدمًا، وعرضها 43 قدمًا، وإزاحتها أكثر من 20 ألف طن؛ ما يجعلها أكبر غواصة أمريكية.

كان تسليم الأولى مقررًا في أكتوبر 2027، لكنه تأجل إلى مارس 2029، بتكلفة 16.1 مليار دولار، أعلى بنسبة 12% من المتوقع بسبب التضخم وأداء شركات البناء.

وأفاد تقرير مكتب المحاسبة الحكومي في يونيو 2025، بأن الغواصة الثانية متأخرة 12%، والتكلفة الإجمالية للبرنامج ارتفعت إلى أكثر من 126 مليار دولار، وقد تصل إلى 139.7 مليار حسب تقارير أخرى.

أما غواصات فرجينيا، المخصصة لاستبدال لوس أنجلوس، فقد بنيت 24 منها، لكن الدفعات الأخيرة تأخرت 36 و24 شهرًا. قد تهدد هذه التأخيرات اتفاقية AUKUS، التي تشمل بيع ثلاث غواصات لأستراليا في 2032، 2035، و2038.

ويقول الأدميرال داريل كودل إن هناك حاجة لتحسين تحويلي للوصول إلى 2.3 غواصة سنويًّا، لكن المعدل الحالي 1.2 فقط منذ 2022، مع هدف بناء واحدة في كولومبيا واثنتين في فرجينيا بحلول 2028.

ويُعد نقص العمالة الماهرة عاملًا رئيسًا، حيث وصف تقرير مكتب المحاسبة في فبراير 2025 المشاكل بـ"الحادة للغاية"، مع فقدان 20-30% من القوى العاملة. ارتفعت معدلات التوظيف 200% بين 2021 و2024، بهدف 140 ألف عامل في العقد المقبل.

تفوق حذر

رغم ذلك، تظل الغواصات الأمريكية متفوقة تكنولوجيًّا بميزة 5-10 سنوات، خاصة في الهدوء والأسلحة، لكن هناك تحذيرات من أن تأخيرات أمريكا قد تعطي فرصة للصين، التي تبني 4.5-6 غواصات نووية سنويًّا، وقد تصل إلى 80 بحلول 2035.

وخصصت إدارة ترامب 29 مليار دولار لترقيات، ويخصص الكونغرس مليارات في ميزانية 2026، كما خصصت البحرية 560 مليون دولار لاستقطاب الكفاءات، بالتعاون مع بلو فورغ ألاينس.