إقتصاد

خفة تشريعية في التعامل مع المال العام: التحوّل إلى الطابع الإلكتروني مؤجّل

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

اعتاد المسؤولون في لبنان، على مقاربة المسائل الملحّة بخفة وبشعبوية في سياق تسجيل النقاط لا تقديم علاجات فعالة. ومن أبرز الأمثلة على هذا النهج، اقتراح القانون الرامي إلى «إلغاء الطابع الورقي واستبداله بالطابع الإلكتروني» المقدّم إلى مجلس النواب، والمحال إلى مجلس الوزراء لرفضه وإسقاطه.

أساس الفكرة معقول جداً، لكن طريقة التعامل معها كانت فارغة، وهو ما أدّى إلى التراجع عنها في مجلس الوزراء. فالاقتراح المقدّم من مجموعة من النواب فارغ قانونياً ويتعارض مع جملة من القوانين المالية الأساسية في إدارة الدولة مثل قانون المحاسبة العمومية (المرسوم 14969/63) وقانون رسم الطابع المالي (المرسوم الاشتراعي 67).

يمثّل الانتقال من الطابع الورقي إلى الطابع الإلكتروني، فرصة لمعالجة الثغرات في البيروقراطية اللبنانية وإزالة العوائق لتسريع معاملات المكلفين. يأتي ذلك بعدما عانى المكلّف اللبناني من سنوات من احتكار الطوابع والتجارة فيها من قبل المرخصين بالعمل في هذا المجال ومن غير المرخّصين أيضاً.

فعلى مدى خمس سنوات لم تتوافر الطوابع في السوق، وقد عُرض الأمر أكثر من مرة في الإعلام وفي مجلس الوزراء ونوقش عدد من المقترحات في وزارة المال، إلا أن ذلك لم يوصل إلى أي نتيجة. وهو ما دفع مجموعة من النواب إلى اقتراح قانون معجل يرمي إلى إلغاء الطابع الورقي، لكنّ صياغتهم لهذا الاقتراح جاءت ركيكة وغير فعالة، إذ كُتب الاقتراح على ورقة واحدة من 5 مواد قانونية.

لو طبّق الاقتراح، ستدخل المالية العامة والدوائر الرسمية في حالة فوضى أكبر من الموجودة حالياً، إذ تلغي في مادتها الأولى جميع النصوص الصادرة سابقاً والمخالفة للمقترح، وأهمّها قانون المحاسبة العمومية والمرسوم الاشتراعي الرقم 67 (رسم الطابع المالي). وفي المقابل، لا تقدّم أيّ حلول عن كيفية الانتقال من الطابع الورقي إلى الإلكتروني سوى جملة واحدة، وهي المادة الثانية ومفادها «يلغى الطابع الورقي ويستعاض عنه بالطابع الإلكتروني».

وبعد إلغاء الطابع الورقي، تكلّف الحكومة ووزارة المالية بإنجاز دفتر شروط، والإعلان عن مناقصة لتلزيم الطابع الإلكتروني عبر هيئة الشراء العام خلال مهلة لا تتجاوز الـ3 أشهر، بحسب ما ورد في مقترح القانون.

سقط الاقتراح في الجلسة الأخيرة للحكومة بعد استطلاع رأي هيئة الشراء العام وهيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل. إذ قدّمت هيئة الشراء العام مطالعة قانونية منها أنّ «مضمون الاقتراح لا يتضمّن تنظيماً قانونياً متكاملاً لمسألة استبدال الطابع الورقي بالطابع الإلكتروني».

بمعنى آخر، فضحت هيئة الشراء العام بنقطة واحدة خواء الاقتراح من مواد وبنود قانونية ترسم خريطة الانتقال من الطابع الورقي إلى الإلكتروني، إذ أشارت إلى عدم وجود قواعد تعرّف بالطابع الإلكتروني، وتنظم كيفية استيفائه. كما أشارت الهيئة إلى أنّ المادة الرابعة في المقترح، والتي تنص على توقف وزارة المال عن استيفاء رسم الطابع المالي خلال المدة الفاصلة بين تاريخ نشر القانون (في حال إقراره)، وتاريخ تصديق مناقصة الطابع الإلكتروني، لها انعكاسات سلبية على إيرادات الخزينة.

ثمّ أعادت هيئة الشراء العام التذكير بخريطة طريق الانتقال إلى الطابع الإلكتروني الموجودة في قرار ديوان المحاسبة الرقم 4، الصادر مطلع عام 2025. وتفترض هذه الخريطة العبور في ثلاث مراحل؛ بدءاً من توفير الأنظمة والتجهيزات التي يفترض أن تجري بواسطة عملية شراء وفقاً للأصول، ثمّ الانتقال إلى مرحلة الترخيص بتركيب الآلات المخصصة لإصدار الطوابع الإلكترونية، وصولاً إلى مرحلة التنفيذ وإصدار وبيع الطوابع الإلكترونية.

ورغم التفاصيل القانونية الكثيرة الواردة في قرار ديوان المحاسبة، إلا أنّ الديوان طلب إعادة النظر في عملية تلزيم الطابع الإلكتروني لأسباب تقنية وقانونية، أبرزها «افتقار المعاملة إلى السند القانوني»، فالمشروع بمراحله الثلاثة يجعل تلزيماً كهذا أقرب إلى الامتياز، ما يعني أنّه بحاجة إلى قانون يجيزه، ولا سيّما أنّ الإدارة العامة منحت كل المراحل إلى المتعهد.

من جهتها، وصفت هيئة التشريع والاستشارات خطوة إلغاء الطابع الورقي بـ«المتسرّعة والسابقة لأوانها نظراً إلى واقع البنية التحتيّة الرقميّة اللبنانيّة، وأمنها السيبراني». ثمّ قدّمت الهيئة عرضاً لكيفية انتقال بلدان أخرى للاعتماد على الطابع الإلكتروني، حيث أدخل في فرنسا تدريجياً ضمن نطاق المعاملات الإدارية كخيار إلى جانب الطابع الورقي، قبل الوصول إلى مرحلة فرضه حصراً ونهائياً.

وتعليقاً على المادة الرابعة في اقتراح القانون، والتي تلزم وزارة المال بالتوقف عن استيفاء رسم الطابع المالي بعد تصديق القانون وقبل التحوّل إلى الطابع الإلكتروني، تساءلت هيئة التشريع والاستشارات عما سيحدث في حال تأخر إعداد دفتر الشروط الخاص بالتحوّل إلى الطابع الإلكتروني، أو فشلت المناقصة، فهل يجوز إيقاف مديرية الخزينة عن استيفاء رسم الطابع المالي طوال هذه المدة؟

هذا سيؤدي إلى حرمان الخزينة من جزء من إيراداتها. كما لفتت إلى إهمال المقترح الإشارة إلى ضرورة إصدار مراسيم وقرارات تطبيقية تنظّم أصول العمل بالطابع الإلكتروني، فضلاً عن إمكانية تعارض محتمل للمقترح مع قوانين أخرى أهمّها قانون المعاملات الإلكترونية، قانون رسم الطابع المالي، قانون المحاسبة العمومية لأنّ الطابع الإلكتروني يعتبر من إيرادات الدولة، ما يخضعه لأحكام هذا القانون.

للسير في التوجه الجديد باعتماد الطابع الإلكتروني، اقترحت هيئة التشريع والاستشارات تأليف لجنة تضم اختصاصيين في مجال المعلوماتية إلى جانب حقوقيين بهدف إجراء دراسة شاملة لتقييم الآثار القانونية والاقتصادية والاجتماعية لتطبيق نظام الطابع الإلكتروني، ثم يُعاد صياغة مقترح القانون بشكل موسّع وشامل ومتكامل مع القوانين الأخرى.

الطابع المالي ضريبة عمرها 400 سنة

تعدّ الطوابع المالية الوسيلة الأكثر بدائية لتحصيل الرسوم من المواطنين، وهي واحدة من الضرائب غير المباشرة التي تطال كلّ الطبقات الاجتماعية من دون تمييز، وتترجم بشكل غير مباشر كضريبة على الاستهلاك، إذ إنه يتم تحميلها كأعباء على سعر مبيع السلع والخدمات. ويعود فرض هذه الضريبة إلى ما قبل 400 سنة في إسبانيا تحت اسم «stamped paper» أو «الورق المختوم»، ثمّ اعتمدتها بريطانيا بغية تمويل الحرب ضدّ فرنسا.

لاحقاً قرّرت بريطانيا دمج نظام الطابع المالي في القوانين المحليّة المالية بهدف مراقبة التحصيل خصوصاً في ظلّ الضعف البيروقراطي والبعد عن المركز. وبعد ذلك، بدأت الدول التي اعتمدت الطابع المالي الورقي، بالخروج منه، والتوجه نحو الدفع الإلكتروني للرسوم في حال الإبقاء عليها، أو فرض ضرائب نوعية تعوّض بدل الرسم المدفوع مقابل الخدمة في الدوائر الرسمية.

وهذا ما يمكن للبنان تنفيذه على أرض الواقع، فقيمة الرسوم المحصّلة من بيع الطوابع المالية يمكن تعويضه بضرائب تُفرَض على كبار المكلّفين، ما يشكل نوعاً من العدالة الاجتماعية. أما في المنطقة العربية المحيطة، فتتنوع أنظمة دفع الرسوم الحكومية بين الهجينة التي تعتمد الطابع الورقي والإلكتروني، مثل الأردن، وبين الإلكترونية بالكامل مثل الكويت التي تحوّلت أواخر عام 2019 إلى الطوابع الإلكترونية، والسعودية التي لا تستخدم الطوابع المالية على نطاق التحصيل من الأفراد منذ عام 2020.

16262 مليار ليرة

ما يعادل 182 مليون دولار هي الإيرادات المتوقعة للخزينة العامة في موازنة 2026 من رسم الطابع المالي، وتساوي 4% من مجمل الإيرادات الضريبية البالغة 4.7 مليارات دولار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا