محليات

"درع الوطن".. الدولة اللبنانية تواجه سلاح حزب الله بـ"خطة مركّبة"

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

مع بدء تنفيذ خطة "درع الوطن" في الجنوب اللبناني، تعود إلى الواجهة المسألة الأكثر حساسية في المشهد السياسي اللبناني، والمتمثلة في مدى امتلاك الدولة القدرة على استعادة قرارها الأمني من دون الاصطدام بسلاح ميليشيا حزب الله.

الخطة المركبة التي أقرّتها الحكومة وأوكلت إلى الجيش مهمة تنفيذها، تمثل أول اختبار جدي لمعادلةٍ ترسخت منذ ما بعد اتفاق الطائف، حيث ظلّ السلاح خارج المؤسسات الرسمية بحجة "المقاومة"، بينما تحوّل تدريجيًا إلى أداة نفوذ سياسي تتجاوز سلطة الدولة.

انتشار منظم وتعليمات صارمة
مصادر عسكرية لبنانية، أكدت في حديثها لـ"إرم نيوز" أن المرحلة الأولى من الخطة تركز على إعادة نشر الجيش في نقاط جنوب الليطاني ضمن ثلاثة محاور رئيسة، تتمثل في إنشاء نقاط ثابتة ومتحركة لتأمين الطرق الرئيسة والفرعية، وتنفيذ عمليات ضبط ومصادرة للسلاح الفردي والمتوسط في مواقع مشبوهة، وضبط الحواجز وتفعيل صلاحيات التفتيش والتدقيق في محيط المناطق الحدودية.

وأشارت المصادر إلى أن هذه الخطوات تتم بغطاء قانوني واضح، عبر أوامر عملياتية مكتوبة صادرة عن قيادة الجيش، وتُنفذ بالتنسيق مع باقي الأجهزة الأمنية عند الحاجة، وبتعاون ميداني مع قوات "اليونيفيل" لتجنّب أي تضارب في المهام.

وبحسب المصادر، فإن وحدات الجيش قامت حتى الآن بـ ضبط عدد من الأسلحة الفردية والمتوسطة في أربع بلدات مختلفة جنوبية، بعضها جرى العثور عليه داخل مبانٍ مهجورة أو في غرف ملحقة بمنشآت زراعية.

وبيّنت أن الأسلحة المصادرة لم تشمل أي منظومات قتالية معقدة، لكنها تتضمن بنادق هجومية، ورشاشات خفيفة، وكمية من الذخائر المتنوعة.

وأكدت المصادر أن جميع عمليات المصادرة موثّقة وتتضمن نوع العتاد، والكمية، والمكان والتوقيت، وهي قُدمت إلى القضاء المختص وفق الإجراءات المعتمدة.

وأشارت إلى أن القيادة العسكرية أصدرت تعليمات صارمة لوحداتها الميدانية تتضمن، عدم الانخراط في أي اشتباك أو مواجهة مباشرة، حتى في حال ظهور اعتراض لفظي، وتنفيذ المهام بناء على أوامر مباشرة فقط، وعدم المبادرة الذاتية، وكذلك توثيق كل عملية بالصوت والصورة متى ما توفرت الوسائل، وتسجيل بيانات زمنية وجغرافية دقيقة داخل المحاضر.

هذه التوجيهات تهدف بحسب المصادر إلى ضمان أعلى مستوى من الانضباط، وتفادي أي ذريعة سياسية قد تُستخدم لتقويض الخطة أو عرقلتها داخليًا.

ضبط المعابر وتوسيع الانتشار
ضمن التخطيط للمرحلة الثانية من الخطة، أكدت مصادر "إرم نيوز" أن الجيش سيباشر ضبط المعابر غير الرسمية بين الجنوب والبقاع، وهي ممرات لطالما اعتُبرت حيوية لتهريب السلاح والمواد اللوجستية. كما سيرافق ذلك تدقيق إضافي في مستودعات ومرافق تخزين خاصة في المناطق الريفية، بناءً على معطيات استخبارية ميدانية يتم التحقق منها ميدانيًا.

في حين شددت المصادر على أن الجيش "لا يتعامل مع الأسماء أو الانتماءات، بل مع الوقائع فقط"، مؤكدة أن أي قطعة سلاح غير شرعي يتم العثور عليها، بغض النظر عن الجهة المالكة، تخضع لمعيار واحد يتمثل في أنها خارج الإطار المؤسسي للدولة ويجب ضبطها قانونيًا.

وأشارت إلى أن تنفيذ الخطة يتم بتنسيق مع الحكومة وبموافقة رسمية، وأن الجيش لا يعمل كطرف في صراع سياسي، وإنما كجهة تنفيذية تلتزم القانون والقرار الرسمي.

المصادر العسكرية اعتبرت أن النجاح في هذه المرحلة يُقاس بتثبيت الحضور الرسمي في المناطق الحساسة من دون مقاومة أو مواجهة، وكذلك بتراجع مستوى الحوادث الأمنية أو الإشكالات المسلحة في المناطق التي ينتشر فيها الجيش، كما تتمثل أيضًا بالتزام السكان بإجراءات التفتيش والتعاون مع القوات المنتشرة.

وأكدت أن الشارع الجنوبي أبدى تعاونًا ملموسًا مع وحدات الجيش، ولم تُسجل حتى الآن أي محاولات جدية للتصدي أو الاعتراض على عمليات التفتيش والمصادرة.

وفي ما يتعلق بالتحديات المحتملة، لفتت المصادر إلى نقطتين أساسيتين، أولهما قد يأتي كضغط سياسي داخلي متوقع إذا ما توسعت الخطة إلى مناطق تعتبرها بعض القوى "حساسة أمنيًا"، وقد يتجلى ذلك في شكل بيانات أو مواقف علنية.

وثاني تلك التحديات يتجلى من خلال تعقيدات جغرافية يمكن أن تواجه الوحدات الميدانية، خاصة في المناطق الوعرة أو ذات الطبيعة الزراعية المفتوحة، التي قد تُستخدم لتخبئة العتاد.

غير أن المصادر أكدت أن قيادة الجيش وضعت آليات متابعة دقيقة ومحسوبة لتفادي أي انزلاق أو ارتباك ميداني، وكل قرار ميداني يُتخذ ضمن غرفة عمليات موحدة وبتنسيق متواصل.

فيما اختتمت المصادر تصريحاتها بالتشديد على أن الجيش لن يواجه أحدًا سياسيًا، لكنه أيضًا لن يساوم على مبدأ السيادة. مضيفة بأنه "إذا لم تكن هناك مناطق مغلقة أمام القانون، فلا يجب أن تبقى هناك مناطق مغلقة أمام الجيش. درع الوطن ليس خطة ضد أحد، لكنها بالتأكيد لصالح الدولة".

تحول في المقاربة الأمنية
هذا وتأتي خطة "درع الوطن" في توقيت دقيق، يعكس تحوّلًا تدريجيًا في مقاربة الدولة اللبنانية لمسألة السلاح غير الشرعي. فالخطاب الرسمي، الذي كان يتجنب أي إشارة مباشرة إلى حزب الله، بدأ يتحدث بوضوح عن "توحيد القرار الأمني" و"حصر القوة الشرعية بالمؤسسات الرسمية".

هذا التحول، وإن كان حذرًا، يعكس وعيًا رسميًا متناميًا بأن ازدواجية السلاح لم تعد قابلة للاستمرار، وأن بقاء الوضع الحالي يكرّس عجز الدولة ويعمّق الارتهان الإقليمي.

اختيار الجنوب كنقطة انطلاق يأتي من كون المنطقة تمثل رمزًا لتوازن الردع القائم بين الدولة وحزب الله، كما تشكّل مركز الثقل العسكري للحزب.

الانتشار الذي بدأه الجيش في بعض النقاط الحدودية يشير إلى رغبة الدولة في استعادة المبادرة، ولو تدريجيًا، عبر خطوات محسوبة لا تستفز المواجهة المباشرة، لكنها تُظهر في المقابل أن السلاح لم يعد خارج المساءلة السياسية. فالسيطرة على الأرض باتت تُقاس بقدرة الدولة على إدارة القرار الأمني دون وساطة الحزب أو رضاه.


المرحلة الحالية تكشف بوضوح تآكل معادلة "جيش وشعب ومقاومة" التي استخدمها حزب الله لعقود من أجل تبرير امتلاكه السلاح. اليوم، ومع الانهيار الاقتصادي والعزلة السياسية التي يعيشها لبنان، أصبح هذا السلاح عبئًا على الدولة بشكل جليّ.

الحزب يواجه للمرة الأولى تحديًا مباشرًا من داخل مؤسسات الدولة نفسها، وليس من خصوم سياسيين، وهذا ما يجعل خطة "درع الوطن" لحظة فارقة في علاقة الحزب بالدولة اللبنانية، لأنها تضعه أمام خيارين؛ فإما القبول بسلطة الدولة أو مواجهة تحوّل داخلي تدريجي يهمّش دوره.

تآكل الاستثناءات القديمة
المحلل السياسي اللبناني جوزيف كرم، قال في حديث لـ"إرم نيوز" إن تنفيذ خطة "درع الوطن" يشير إلى تحوّل ضمني في موازين القوى داخل الدولة، فهو يُترجم من خلال غياب التفاهم السياسي التقليدي الذي طالما كبّل الجيش. "ما نشهده ليس تصعيدًا مؤسساتيًا، وإنما هو فراغ توافقي يُملأ بحضور أمني مدروس.

بمعنى آخر: فإن السلطة السياسية لم تُعطِ الجيش تفويضًا استثنائيًا فقط، بل هي رفعت الغطاء عن الاستثناءات القديمة، فبدأ الجيش يتحرّك في الهوامش التي كان يُمنع من دخولها سابقًا".

واعتبر كرم أن هذا التطور يحمل دلالة مهمة، معتبرًا أن تآكل شرعية السلاح الموازي لـ"حزب الله"، تدفع لأن يكون ضبطه متروكًا للتوقيت فقط. مشيرًا إلى أن الخطة الحالية، تُعد بداية استخدام مؤسسات الدولة لتلك اللحظة.

كذلك لفت إلى أن الدولة اللبنانية لم تدخل حتى الآن في مفاوضة سياسية جديدة حول مستقبل السلاح غير الشرعي، لكنها تؤسّس ميدانيًا لطرح هذه المعادلة لاحقًا، من موقع مختلف.

وبيّن أن الجيش يثبت حضوره بهدوء كأمر واقع قانوني، وهذا ما لم يكن ممكنًا في السنوات الماضية، "النتيجة المتوقعة ليست انتزاعًا فوريًا للسلاح، بل فصل تدريجي بين السلاح والنفوذ، أي أن يكون السلاح موجودًا، لكن خارج سلطة الردع الميداني. هذا هو الشكل الأولي لأي مشروع لنزع السلاح من دون حرب أهلية، بمعنى تقليص نفوذه الوظيفي وليس تفكيكه العلني".

وأكد كرم بأن سلاح حزب الله يواجه تحديًا غير مباشر مصدره البيئة الدولية وليس الخطاب الداخلي. حيث باتت الجهات المانحة والدول الضامنة، وفق المحلل السياسي، تربط أي دعم للبنان بموقفٍ عملي من حصرية السلاح بيد الدولة.

وأضاف بأن ما تقوم به المؤسسة العسكرية اليوم لا يهدف إلى استرضاء الخارج، وإنما هدفه الأساسي تحصين موقع لبنان الرسمي في معادلات الدعم والشرعية. "من هذه الزاوية، يبدو الجيش كأنه يتحرّك ضمن هامش محسوب لاحتواء التداعيات السياسية والاقتصادية، أكثر من كونه يُواجه طرفًا داخليًا".

أي أن خطة "درع الوطن"، وفق المحلل السياسي اللبناني ليست فقط استجابة لخلل داخلي مزمن، وإنما هي استباق لتوازنات خارجية جديدة قد تُفرض على لبنان بقوة الانكشاف المالي والسياسي.

ولا يمكن اعتبار خطة "درع الوطن" حلًا نهائيًا، لكنها الخطوة الأولى الجدية نحو استعادة سيادة القرار الأمني، فهي لا تستهدف الحزب كتنظيم سياسي فحسب، وإنما تنزع عنه شرعية السلاح كأداة ضغط فوق الدولة.

الجيش يتحرك بتكليف حكومي واضح، بروح استعادة الدولة من منطق المربعات الأمنية، وليس بروح المواجهة مع أي طرف. لذلك فإنه يمكن اعتبار الخطة بداية تصحيح لمسار الدولة اللبنانية بعد سنوات من الشلل والانقسام، ونجاحها يعني بدء تفكيك بنية السلاح الموازي الذي قيّد لبنان سياسيًّا واقتصاديًّا.

لذا فإن الدولة اللبنانية تقف اليوم أمام اختبار حقيقي، فإمّا أن تستعيد نفسها من ظلّ حزب الله، أو تبقى رهينة سلاحٍ لم يعد يُبرَّر بأي ذريعة.

"درع الوطن".. الدولة اللبنانية تواجه سلاح حزب الله بـ"خطة مركّبة" (إنفوغراف)

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا