محليات

عودة: ليست الحياة المسيحية خلاصًا من الألم بل عبور معه إلى القيامة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها المطران الياس عودة خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس. وبعد قراءة الإنجيل ألقى عظة قال فيها: "إن المشهد الذي نقف أمامه اليوم، حين التقى الرب يسوع بمشيعي إبن أرملة ناين، هو من أعمق صور الرأفة الإلهية التي انكشفت للبشر. كان الموكب يسير نحو القبر، والحزن يخيم على المدينة، والأم أرملة تمضي وراء ابنها الوحيد يائسة، ما يعطي صورة عن عمق الفاجعة. التقى يسوع بالموكب وكان حوله تلاميذه وجمع غفير. لم يطلب أحد من الرب شيئا، ولم يكن في المشهد صلاة ولا توسل، بل كلمة واحدة خرجت من فم الرحمة المتجسدة: «لا تبكي». قالها السيد للأم الثكلى ثم تقدم «ولمس النعش فوقف الحاملون، فقال أيها الشاب لك أقول قم». نفخ بكلمته الحياة في الميت «فاستوى وبدأ يتكلم، فسلمه إلى أمه».

أضاف: "حين تدخل كلمة الله صار الموت حياة. إنها قوة الخالق نفسها التي كانت منذ البدء تقول «ليكن» فيكون. يقول القديس كيرلس الإسكندري: «إن المسيح لم يستمد القوة من الخارج، بل أخرجها من ذاته، لأنه هو الحياة بذاته». أما القديس يوحنا الذهبي الفم فيقول: «إن الرب أوقف الموكب الذاهب إلى القبر، ليظهر أنه جاء يوقف مسيرة البشرية نحو الفناء، وليفتح طريق القيامة أمام كل من مات في الخطايا». لعل أجمل ما في هذا الحدث ليس فقط القيامة الجسدية، بل القيامة الداخلية التي يهبها المسيح لكل نفس ميتة بالحزن أو اليأس أو الخطيئة. الأرملة هنا ترمز إلى الكنيسة التي تبكي أبناءها موتى الخطايا، والمسيح يأتي لامسا إياهم بكلمته الحية، فيقيمهم إلى الحياة الجديدة. الرسول بولس، في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس التي سمعنا مقطعا منها اليوم، يتحدث عن ضعفه، لكنه في الوقت ذاته يشهد للقوة عينها التي أحيت إبن الأرملة. هو أيضا كان ميتا في مواضع كثيرة: الإضطهاد والضيقات والسقوط من الأسوار والآلام الجسدية، لكنه اختبر في كل ذلك حضور النعمة التي تقيمه. يبين لنا الرسول أن قوة الله تكمل في الضعف، وهذه هي القيامة التي تتم في كل قلب متواضع يقبل أن يكون إناء للنعمة. الأرملة لم تطلب شيئا فنالت كل شيء. وبولس لم يطلب مجدا بل حمل شوكة في الجسد فتجلى فيه مجد الله. قال له الرب: «تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل»، أي إن النعمة وحدها تصير حياة لمن يثق بالرب. وكما أقام المسيح الشاب بكلمة، أقام بولس من ضعفه وجعله معلما للمسكونة وأداة للقيامة في العالم كله".

وتابع: "يطل علينا أيضا صوت النبي يوئيل الذي نعيد لتذكاره اليوم. فقد أعلن في الأزمنة القديمة عن فيض الروح الذي يسكب على كل بشر قائلا: «ويكون بعد ذلك أني أفيض روحي على كل بشر، فيتنبأ بنوكم وبناتكم، ويرى شبانكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلاما» (يوئيل 2: 28). هذا الوعد الإلهي هو ذاته الذي تحقق في المسيح القائم والساكب روحه على الكنيسة لتصير حية إلى الأبد. رأى يوئيل بعين النبوة ما رأته الأرملة في عين الرحمة، أي انسكاب الحياة الإلهية على من كان ميتا. فالروح الذي أحيا جسد الإبن في ناين، هو نفسه الذي أحيا الكنيسة يوم العنصرة، ويستمر في إحياء كل نفس ميتة بالكبرياء أو الحقد أو الخوف أو الخطيئة. لم يترك الرب دموع الأرملة تذرف هباء، بل جعلها نبعا للقيامة. هكذا، كل دمعة صادقة تسكب أمام الله تتحول في النهاية إلى نعمة. يقول القديس إسحق السرياني: «حيثما تكثر الدموع، هناك تولد القيامة في القلب». ليست الحياة المسيحية خلاصا من الألم، بل عبور معه إلى القيامة، كما عبر الإبن من الموت إلى الحياة. لذا، يمكن لأي ضعف فينا أن يصير مجالا للنعمة، ولأي دمعة أن تتحول إلى قيامة. لم يقم المسيح ابن الأرملة ليعود إلى حياة قديمة، بل ليكون علامة على الحياة الأبدية التي لا يغلبها الموت. وبولس لم يعط أن يرتاح من شوكته، بل منح قوة تفوق الألم. ويوئيل لم يتنبأ بزمن خال من المحن، بل بزمن يمتلئ من الروح رغم كل محنة".

وقال: "هذا الأمر يدخل الرجاء إلى كل نفس تصبو إلى الإنعتاق من خطاياها، والطمأنينة إلى كل قلب تائب يبكي على ما ارتكبه من آثام، فيشرق فيه النور الإلهي. الله لا يغفل خليقته ويتحنن عليها في الوقت الذي يراه مناسبا. وكما أقام ابن الأرملة الميت وحول حزنها إلى فرح، سيقيمنا ويقيم بلدنا إن أحسسنا بما هو ميت في داخلنا، وبكينا عليه بصمت ومرارة وتوبة. سوف يأتي إلينا مانحا إيانا الحياة والعزاء الأبدي. يقول القديس غريغوريوس النيصصي: «إن الذي يلمس الموت ولا يتنجس به، هو وحده الذي يملك أن يرد الحياة إلى ما فسد. لقد لمس النعش ليظهر أن جسده نفسه سيلمس في القبر، لكنه لن يرى فسادا، بل سيصير ينبوع القيامة للبشر». في المسيح، لمس الموت صار علامة للحياة، والنعش صار مذبحا للقيامة، والدموع صارت طريق المجد".

وختم: "لذا دعوتنا اليوم أن نقبل الموت مع المسيح، لنحيا بقوته، وأن نتذكر أن القيامة تتكرر في كل توبة صادقة، وكل فعل محبة ورحمة نقوم به. هكذا يصير كل قلب ينفتح على النعمة ناين جديدة، يلتقي فيها الرب بالإنسان في طريق الموت ليقيمه إلى مجد الحياة".

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا