قبرص الحديقة الخلفية لإسرائيل... بنى تحتية يهودية ترسّخ نفوذ نتنياهو في المتوسط؟

فيما تتجه الأنظار إلى المحيط الشمالي والشرقي والجنوبي لإسرائيل الذي يبدأ من لبنان إلى سوريا وإيران في العمق وغزّة، واحتمالات الحرب وفرص السلام، ثمّة اهتمامات إسرائيلية أخرى تتجه غرباً، نحو الجزيرة القبرصية. استثمارات عبرية متزايدة وهجرة يهودية ملحوظة وبنى تحتية إسرائيلية، وكأن قبرص تتحوّل إلى "الحديقة الخلفية لإسرائيل".

منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، شهدت حركة تنقل يهود إسرائيل إلى قبرص طفرة. وبلغة الأرقام، توسعت الجالية اليهودية إلى ما يقارب 15,000 شخص، بعدما كانت 3,500 عام 2018. وشكّل الإسرائيليون نسبة 10 في المئة من مجمل مشتري العقارات غير الأوروبيين. اعتبرت هذه الحركة مؤشراً إلى تراجع صورة إسرائيل كـ"المكان الأكثر أماناً لليهود".

موقع قبرص الاستراتيجي
يتحدّث موقع "ذي كرادل" عن أهمية قبرص الجيوستراتيجية لإسرائيل. ذُكرت الجزيرة في الكثير من طروحات ومداولات ثيودور هرتزل، صاحب فكرة الدولة الإسرائيلية. ولا تغيب عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كمركز حيوي في رؤيته البحرية التوسعية، كونها جزءاً من كتلة جيوسياسية تربط إسرائيل بأوروبا وشبكة الطاقة المتوسطية.

تعد قبرص في قلب معادلات الطاقة والنقل نسبة لموقعها الجغرافي، ونقطة ارتكاز في ما يسمّى "قوس البحر الأبيض المتوسط"، وهو ممر استراتيجي يربط المحيط الأطلسي بالمحيط الهندي عبر البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وبحر العرب، وفق دراسة أجرتها جامعة تل أبيب. لكن من الضروري الإشارة إلى أن وجود إسرائيل في قبرص يعني نفوذاً على حدود تركيا التي تسيطر على القسم الشمالي من الجزيرة.

الأمن والاستخبارات
الاستخبارات ميدان عمل إسرائيلي – قبرصي مشترك. بعد 7 أكتوبر، حذّر الأمين العام السابق لـ"حزب الله" حسن نصرالله قبرص من التعاون مع إسرائيل، وتقارير أخرى أشارت إلى جهد استخباراتي تخوضه إسرائيل عبر قاعدة بريطانية في قبرص، وعبر نقل تكنولوجيا مراقبة وتجسس وتشييد قنوات استخباراتية مشتركة.

أستاذ العلوم السياسية وليد صافي يرى الحركة الإسرائيلية في قبرص من منظار أمني، ويقول إنها نتيجة العقيدة الأمنية الجديدة بعد 7 أكتوبر. وخلال حديث لـ"النهار"، يشير صافي إلى أهمية الموقع الجغرافي للجزيرة على مستويين، المستوى الأول مرتبط بإيران، فقبرص قد تساعد لوجستياً واستخباراتياً في العمليات ضد إيران.

المستوى الثاني برأي صافي هو التنافس مع تركيا. يقول أستاذ العلوم السياسية إن العقيدة الإسرائيلية ترى في تركيا مخاطر أمنية، وهذه المخاطر بدأت تظهر في سوريا بظل التقدّم التركي وعمق العلاقة مع السلطات السورية الجديدة. وبالتالي تجد إسرائيل في قبرص اليونانية فرصة للحضور عند حدود قبرص التركية.

حيفا الجديدة
في تقرير "ذي كرادل"، توصف قبرص وكأنها "حيفا نتنياهو الجديدة". وفي السياق نفسه، يُشبّه ثيودوسيس بيبس، الباحث في مركز الدراسات والتحليلات الاستراتيجية الدولية في أثينا، واقع لارنكا اليوم بمدينة حيفا في عشرينيات القرن الماضي. ويتحدث بطريقة غير مباشرة عن النتيجة المحتملة، "فالاستثمارات الضخمة في المدن الساحلية مثل حيفا أدت إلى السيطرة الاقتصادية على فلسطين".

كانت حيفا مدينة ساحلية قليلة السكان، تُشبه لارنكا اليوم، ولكن بعد إعلان دولة إسرائيل وطرد الفلسطينيين من ديارهم، أصبح المستوطنون اليهود يُشكلون الأغلبية في حيفا، وفق بيبس. ازدياد عدد الاستثمارات وشراء العقارات في قبرص يشي بمشهدية مشابهة لما حصل في حيفا. وفي هذا السياق، يقول خبراء إسرائيليون إن "بعض الإسرائيليين يبحثون عن خيار لتوزيع أموالهم".

جيوب يهودية ومعابد
لا يقتصر الوجود الإسرائيلي في قبرص على الاستثمار والاقتصاد، بل ترصد حركة دينية وديموغرافية لافتة تشير إلى أن الإسرائيليين يستوطنون في الجزيرة. نمط مثير يتحدّث عنه تقرير "ذي كرادل"، "يتمثّل بتشييد جيوب إسرائيلية، فيها بنى تحتية يهودية، كالمعابد، ومتاجر الأطعمة اليهودية، والمدارس الخاصة"، في مشهد مشابه للنموذج الاستيطاني في الضفة الغربية.

في المحصلة، فإن التوسع الإسرائيلي ناحية قبرص مثير وسيكون موضع مراقبة، بظل مخاوف قبرصية من تحويل الجزيرة ومدنها وعلى رأسها لارنكا إلى حيفا والضفة الغربية، يستوطن فيها الإسرائيليون ويبنون كيانات نفوذ تعمّق من دورهم في ممرات وسلاسل الطاقة والنقل، ويقتربون من تركيا، التي بدأت معركة نفوذ قاسية مع إسرائيل في سوريا.

جاد ح. فياض - النهار