جنبلاط: كفانا إملاءات أميركية أو إيرانية على حساب وحدتنا الداخلية
حركة كثيفة في الجنوب السوريّ... هل أغلق الكيان "طريق المفاوضات"؟!
لم يكد رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، يصل إلى دمشق عائدًا من واشنطن، حتى أعلنت "هيئة البث الإسرائيلية" نقلًا عن مسؤولين كبار في كيان الاحتلال، أنّ "المفاوضات مع سوريا قد وصلت إلى طريق مسدود".
والغريب هنا، أنّ جميع المصادر لدى الأطراف المنشغلة بهذا الملف، ومنها المصادر السورية والأميركية، كانت قد تحدثت على مدى أسابيع مؤخّرًا، عن بلوغ المفاوضات مراحل متقدمة جدًّا، وأنّ الإعلان عن الاتفاق الأمني النهائي بات قاب قوسين أو أدنى، لدرجة أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، كان قد تجهّز في سبتمبر / أيلول الماضي، ليجمع بين نتنياهو والشرع على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ويعلن عن "الحدث الكبير".
ولدى تعثّر الأمر في ذلك الحين بسبب تعديلات طلبها نتنياهو نفسه، عادت المفاوضات إلى السير قدمًا للبحث في عوامل "طمأنته" من جديد. ولأن "طمْأَنة" نتنياهو بدت وكأنها غاية لا تُدرك، فقد حاول الأتراك ــ الذين يتعاطون مع الميدان السوري كملفّ داخلي تركي ــ
دفْع السوريين باتجاه مسارات متوازية، وساروا معهم، وقبلهم في أحيان كثيرة، على هذا الطريق، بهدف تأمين جميع المطالب والالتزامات، وتقديم كل التنازلات الممكنة لدى القوى الدولية الفاعلة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، لإحراج نتنياهو أو تأمين "حالة ضغط" دولية على قادة الكيان لكي يتنازلوا قليلًا.
وقد تجلّى هذا الأمر بشكل كبير من خلال النشاطات السياسية (والمالية حُكمًا) التي قام بها السوريون في الولايات المتحدة مؤخّرًا، وخصوصًا قُبيل وأثناء زيارة الرئيس الانتقالي إلى واشنطن، ولقائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ومن الواضح أنّ الجهود التي بذلها السوريون والأتراك (ونتحدث هنا عن جهود دبلوماسية وأموال كثيرة وصفقات كبيرة موعودة) قد تركت أثرًا جيّدًا في واشنطن، وذلك لجهة "القبول" الجيد الذي لقيه النظام الجديد وشخوصه هناك، وردة الفعل التي عبّر عنها ترامب وغير مسؤول في إدارته، حول "إمكانية العمل الجدي والهام مع الشرع"، لدرجة أن نتنياهو نفسه عبّر عن انزعاجه من الزيارة بشكلها ومضمونها، خصوصًا بعد أن رشحت معلومات تتحدث عن عرض السوريين تقديم قاعدة جوية للقوات الأميركية جنوبي العاصمة، تكون مهمتها الأساسية مراقبة أي اتفاق مع الإسرائيليين، وضمان عدم قيام "جيش" الكيان باستهداف العاصمة والعمق السوريين، وهو أمر يرفضه نتنياهو بشدة.
وقبيل الإعلان الإسرائيلي عن وصول المفاوضات مع دمشق إلى طريق مسدود، بساعات قليلة، كانت شقّة في حيّ "المزة" الدمشقي، وعلى بُعد مئات الأمتار من القصر الجمهوري، تتعرّض لقصف عنيف حوّلها إلى رُكام تام، وذلك بالتزامن مع إطلاق صاروخي "كاتيوشا" على نقطة تقع في محيط القصر الجمهوري، ليبدو أن العاصمة السورية تتعرض للقصف المباشر من دون أن يُعرف من أين يأتي مصدر القصف، ومن دون أن تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الحدث.
وبعد الكثير من التكهّنات والأخبار غير الموثوقة حول الحدث، تبيّن، حتى اللحظة ووفق بعض المصادر الرصينة، أنّ الشقة التي استُهدفت في المزة، كانت قد استقبلت قبل أيام، ضيفًا قادمًا من الخارج، هو قيادي بارز في "تنظيم القاعدة"، لم يتم التأكد ما إذا كان وجودًا في الشقة أثناء الاستهداف، ولا يمكن التأكد أيضًا ما إذا كان حضوره قد تمّ بعلم السلطات السورية.
بينما أعلنت الجهات الأمنية السورية، أنّ القصف الذي استهدف طريق القصر الجمهوري، تمّ عبر منصة متحركة تمركزت في محيط حيّ "كفر سوسة" الدمشقي. وفي حين سارعت بعض المنصات والصفحات غير الرسمية، إلى الإعلان عن أن الخلية المسؤولة عن القصف، تابعة للمقاومة الإسلامية اللبنانية وإيران، تؤكّد المعلومات المتقاطعة من أكثر من مصدر في دمشق، أنّ السلطة تدرك جيّدًا أنّ لا علاقة لحزب الله وإيران بتلك المجموعة، وأن من قام بهذا العمل هم إسلاميون متطرفون غاضبون من السلطة الحالية ومن "تحالفاتها" الجديدة.
وثمّة في دمشق من يعتبر الأمر رسالة واضحة من تنظيم "داعش" بعد إعلان دمشق انضمامها إلى "التحالف الدولي ضد الإرهاب"، وهو رأي أقرب إلى الواقع بحسب معطيات عديدة.
واللافت جدًّا على مسار الحراك العسكري الدولي داخل الأراضي السورية، هو قيام القوات الروسية العاملة على الأرض السورية، بالتحرك، على شكل دوريات، باتجاه مناطق لم تصل إليها منذ سقوط النظام السابق في ديسمبر / كانون الأول من العام الماضي، وخصوصًا في الأرياف الواصلة بين محافظتيّ حمص وحماة، من جهة مدينة "الرستن" تحديدًا.
وكذلك إعادة تفقد العديد من المواقع التي كانت تشغلها تلك القوات على مدى السنوات الأخيرة الماضية، في أرياف طرطوس واللاذقية وحمص وحماة، وقد جرى هذا التحرك أثناء زيارة الشرع والوفد السوري إلى واشنطن، واللافت أيضًا، أنّ أي تصريح لم يصدر من واشنطن أو دمشق حول هذه التحركات.
وفي السياق ذاته، وصل إلى دمشق هذا الأحد وفد عسكري روسي رفيع بقيادة نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يفكوروف، والتقى وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، وبعد ساعات من هذا اللقاء، توجّه رتل عسكري روسي، يرافقه ضباط أتراك وسوريون، باتجاه مناطق جنوب غرب سوريا، وذلك لأول مرة منذ سقوط النظام السابق. وقد اتجه الوفد المكوّن من /15/ سيارة دفع رباعي، ترافقه /10/ سيارات من "الأمن العام" والشرطة العسكرية السورية، إلى مدينة "سعسع" في ريف دمشق، ثم انتقل إلى منطقة "بيت جنّ" في أقصى الجنوب الغربي لريف دمشق المحاذي لريف محافظة القنيطرة الحدودية، ثم إلى منطقة "التلول الحمر" (واحد من أهم المواقع العسكرية التي كانت القوات الروسية تشغلها خلال السنوات السابقة)، ثم توغل باتجاه ريف القنيطرة الأوسط، وصولًا إلى بلدة "حضر" الحدودية.
وقد جال الوفد على جميع النقاط التي شغلتها القوات الروسية سابقًا، وتفقدها بعناية. وقد جرت تلك الجولة وسط استنفار أمني سوري كبير في مناطق العاصمة وريفها خصوصًا. والجدير بذكره هنا، أن تلك الجولة قد جرت بعد حدثين لافتين، أولهما زيارة يفكوروف (وهو أرفع مسؤول عسكري روسي يزور دمشق منذ إسقاط النظام السابق) واجتماعه مع وزير الدفاع السوري، وأيضًا بعد ساعات قليلة من مكالمة هاتفية مطولة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
والاستنتاج الأول هنا، هو أن العلاقة بين دمشق "الجديدة" وموسكو، قد بلغت مراحل متقدمة من التعاون والتنسيق و"الثقة"، وأن نتائج زيارة الشرع إلى العاصمة الروسية، ستبدأ بالظهور على الأرض بشكل أوضح يومًا بعد يوم. ومن جانب آخر شديد الأهمية أيضًا، يبدو أن الطرح التركي الذي جرى وضعه على الطاولة قبل أكثر من ثلاثة أشهر، ولم يلق قبولًا في ذلك الحين، والذي يقضي بنشر "شرطة عسكرية" روسية في مناطق الجنوب السوري، على غرار ما كان جاريًا في السنوات الماضية، قد عاد الواجهة، وفي الميدان مباشرةً هذه المرة، ومن المؤكد أن هذا كله لا يمكن أن يحدث من دون تفاهم مع الأميركيين، لكن أحدًا لا يستطيع التأكيد حتى اللحظة، ما إذا كان نتنياهو قد قبل بهذا الطرح، مع العرض أن الروس من الصعب أنْ يُقدموا على خطوة كهذه من دون موافقة إسرائيلية، أو تنسيق على الأقل.
لكنّ زيارة نتنياهو وقادة أركان "جيشه" إلى الأراضي السورية التي احتُلّت مؤخّرًا، قبل أيام من الآن، تعيد الأمور خطوات أكثر إلى الوراء على مسار المفاوضات، خصوصًا أن تلك الزيارة قد تلاها اختراقُ ثماني طائرات حربية إسرائيلية سماء البلاد، بدءًا من الجولان المحتل، وصولًا إلى بلدة "كسبْ" في أقصى الشمال عند الحدود التركية في ريف اللاذقية تحديدًا في تحدِّ إسرائيلي صارخ للجميع.
وقد تلا ذلك أيضًا، عدة تصريحات من مسؤولين إسرائيليين من الصف الأول، تُعرب عن العداء لدمشق، وصعوبة التوصل إلى اتفاق معها. وعلى الأرض، ما تزال قوات الاحتلال تواصل اختراقاتها في العديد من المواقع في ريف القنيطرة على وجه الخصوص، بينما يحلّق الطيران الحربي الإسرائيلي على علو منخفض في أجواء المنطقة الجنوبية هذه اللحظات تحديدًا.
جو غانم - الميادين
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|