ممثلو الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي يزورون سوريا ولبنان الأسبوع المقبل
حين قررت إيران أن مستقبلها لم يعد بحاجة إلى حزب الله...
لم يشهد الشرق الأوسط منذ عقود تحوّلات بهذه الشدة والدقة، لحظة تتفكك فيها تحالفات اعتمدت عليها القوى الإقليمية لعقود، بينما تُعاد صياغة نفوذ إيران بصمت استخباراتي بارد، بعيدًا عن الشعارات والصور الإعلامية.
في قلب هذا الاضطراب، نجد علاقة إيران بحزب الله تتغير على نحو لم يكن يخطر على بال أحد، تحوّل استراتيجي صامت يضع الحزب على هامش المشروع الإيراني، بعد أن كان قلبه النابض وذراعه الذهبية في كل مواجهة.
الحزب لم يكن مجرد وكيل؛ كان تمدد إيران العسكري والسياسي في قلب المتوسط، طريقها إلى جنوب لبنان، شريانها الحيوي في دمشق، وأداة الضغط الأكثر اتزانًا ضد إسرائيل.
سقوط سوريا القديمة وزلزال العلاقة
لكن انهيار سوريا القديمة وتولّي أحمد الشرع الرئاسة لم يكن حدثًا سوريًا فحسب، بل كان زلزالًا جيوسياسيًا صامتًا أعاد خلط الأوراق التي بنت عليها إيران مشروعها الإقليمي طوال أربعة عقود.
هذا الزلزال قلب العلاقة بين طهران وحزب الله، وفتح بابًا مغلقًا على تحوّل إستراتيجي لم يجرؤ أحد على تسميته بعد: نهاية المركزية الذهبية للحزب داخل العقل الأمني الإيراني.
الحزب لم يكن مجرد وكيل؛ كان ذراع إيران الممتدة عبر القلمون، طريقها إلى المتوسط، وبوابة جنوب لبنان، وشريانًا استراتيجيًا يصعب تعويضه.
كل ذلك انهار عندما أُغلِقت سوريا القديمة، ورُفع الغطاء عن شبكات الحزب، وطُلب من قواته الانسحاب تحت سلطة انتقالية جديدة لم تعد تعترف بأي امتياز كان يملكه.
صمت طهران البارد: هل ما زال الحزب استثمارًا؟
هذا التحوّل لم يُضعف الحزب ميدانيًا فقط، بل جرّد إيران من عمقها الحيوي، وطرح سؤالًا داخليًا صارخًا: هل ما زال حزب الله استثمارًا قابلًا للإنقاذ، أم أنه عبء يجرّ الدولة نحو صدامات لم تعد تتحملها؟
التسريبات التي تصل من داخل غرف القرار الإيرانية تشير إلى أن الإجابة بدأت تتشكل بصمت، بعيدًا عن الإعلام؛ فطهران لم تعد تتدخل في كل تفصيل يخص الحزب كما في الماضي، بل تتعامل معه ببرود غير مسبوق.
إيران التي لا تتصرف بالعاطفة، قررت إعادة هندسة نفوذها؛ فهي اليوم لا تغطي الحزب سياسيًا كما في الماضي، ولا تتدخل لدعمه أمام الهجمات الإسرائيلية، ولا تسرع لإنقاذ صورته المتآكلة أمام المجتمع اللبناني المتضرر والغاضب، وكأنها تقول بصمت استخباراتي: قف وحدك لنرى كم تساوي فعليًا.
شبكة نفوذ جديدة وإخراج لبنان من المعادلة
في المقابل، تحوّلت مصالح إيران الدولية إلى شبكة دقيقة من التوازنات والصفقات:
تفاهمات سرية مع موسكو لضمان الحضور الروسي في سوريا وضمان حضور إيراني من دون مواجهات مفتوحة، اتصالات خفية مع واشنطن لتحقيق مكاسب نووية ودبلوماسية، وحتى تفاهمات رمزية مع إسرائيل تتيح لطهران الحفاظ على أوراقها دون الدخول في حرب مباشرة.
كل هذه التحركات توضح أن المستقبل الإيراني لا يمرّ عبر الحزب اللبناني كما كان سابقًا، بل عبر شبكة موزّعة من النفوذ، أقل تكلفة وأكثر مرونة.
الحزب، في المقابل، يواجه مأزقًا مزدوجًا: هزائمه العسكرية أمام إسرائيل، وانكشافه الداخلي مقابل غضب لبناني متصاعد، وتحطّم صورته كحامي الوطن والمقاومة؛ فالقيادات تتساقط، شبكاته الأمنية تُخترق، وحجمه الاستراتيجي أصبح أصغر من أن يحمي مصالح إيران أو يضغط في معادلاتها.
وهكذا لم يعد لبنان بالنسبة لإيران منصة ذهبية، بل تحوّل من الذراع القوية إلى أداة احتياطية، من مركز المشروع إلى هامشه، من رمز أسطوري إلى ورقة قابلة للاستبدال، بينما إيران تصنع مستقبلها في خفاء، بعيدًا عن أي اضطراب محتمل.
ليست هناك قطيعة علنية، ولا خيانة رسمية، بل انكماش محسوب، أفول هادئ، وإعادة ترتيب استراتيجي لبطاقة إيران الكبرى.
نهاية مرحلة الحزب
الحزب موجود، لكنه لم يعد محورًا؛ حيّ لكنه خارج الضوء؛ ورقة لكنها لم تعد تكسب المعركة.
وللمرة الأولى منذ عقود، مستقبل إيران لم يعد يعتمد على حزب الله.
ما يحدث ليس صدفة، ولا ظرفًا عابرًا؛ إنه قرار استخباراتي محكم، يُنفّذ بحذر لا تشوبه شائبة.
فزمن حزب الله كركن استراتيجي لطهران انتهى، منذ اليوم الذي سقط فيه النظام السوري وانقطع الشريان الذي يربط إيران بالمتوسط.
إيران دخلت عصرًا جديدًا، حيث تُدار القوة عبر شبكة موزّعة تبقي الدولة فوق الوكلاء، وتضع حزب الله على هامش المشهد؛ حيّ لكنه خارج الضوء؛ ورقة لكنها لم تعد تربح اللعبة.
ما نراه اليوم ليس تراجعًا بل نهاية مرحلة، وليس احتمالًا بل نتيجة باردة وحتمية، رسمتها إيران بحكمة لم يسمع بها أحد من قبل.
ديما حسين صلح- جنوبية
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|