الصحافة

"الجماعة الإسلامية" والمحنة الوجودية... الحلفاء والحاضنة انفضّوا من حولها

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يقول الله تعالى مخاطبًا النبي الأكرم في سورة آل عمران "ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضّوا من حولك".

منذ ركِبت "الجماعة الإسلامية" رأسها ومشت في طريق خطَّه "حزب اللّه" بالشراكة مع "حماس"، بعد انقلاب أبيض داخل أروقة قيادتها، وانغمست في "حرب الإسناد"، وهي تعاني من ارفضاض الحلفاء والأصدقاء، وتفكّك الحاضنة التي لطالما تحمّلت وزر خياراتها. لكن طبيعة النظرة الإسلامية، والعربية والمشرقية عمومًا، للصراع مع إسرائيل، والتي تمتزج فيها السياسة بالدين والعقيدة والعِرق، جعلت هذا الارفضاض يبدو ناعمًا، وأقرب إلى التوجّس من المآلات.

زهوة تداول الاسم في وسائل الإعلام، ومطابخ السياسة ومنتدياتها، والتفاعل الشعبي التقليدي مع قيم الشهادة، أسكرا "الجماعة الإسلامية" لتمسي كمن "يسكر بزبيبة" وعود بتحالفات انتخابية "ربّيحة"، ومغانم سلطوية تعتبرها حقوقًا حُرمت منها. فطفِقَت تستعرض في شوارع الحواضن السنية ما لا قِبل لها على تحمّل نتائجه.

ما كادت الحرب تنتهي لما انتهت إليه حتى راح الضغط يشتدّ، من داخل التنظيم وخارجه، والقوى الإقليمية الصديقة. دخلت في مفاوضات مع الدولة الساعية إلى استعادة حصرية السلاح والقرار، فسلّمت السلاح الثقيل بـ "صمت" إلى المؤسسات الشرعية، أو إلى المُستعار منه، أي "الحزب"، وأخرجت "قوات الفجر" إلى التقاعد لكنها ما زالت تقاوم كلّ "النصائح" لإصدار إعلان رسميّ بتفكيك الجناح العسكري.

في الانتخابات البلدية، تلمّست "الجماعة" النتائج السلبيّة لتورّطها، من ناحية النتائج، أو رفض التحالف معها من قبل تجمّعات ولِدَ بعضها من رحم خطابها. وفيما تحاول لملمة شعثها المبعثر على تخوم نزال نيابي قاسٍ، دخل على خطها "الحرس القديم" لإنقاذ ماء وجهها المُراق، فعاجلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأمر تنفيذي صادم، وضع أفرع "الإخوان المسلمين" في مصر والأردن ولبنان على قوائم الإرهاب.

هذا الأمر "الترامبي"، وإن يحتاج لإجراءات بيروقراطية ليصار إلى البدء بتنفيذه بشكل رسميّ، إلّا أنه سرعان ما راح يُرخي بثقله على "الجماعة الإسلامية" ليجعلها تكابد محنة وجودية، مع تراكم مؤشرات حول حركة انفضاض أكثر ثقلًا وتأثيرًا. ورغم ما تعرّض له "الإخوان المسلمون" طيلة تاريخهم، ولا سيّما إبّان حقبة عبد الناصر، إلّا أن المحنة الحالية تبدو الأصعب والأدق. فسلاح العقوبات ناعم إنما فتاك. إذ لا سجون ولا تنكيل، لا حظر ولا قرارات رسمية، ما خلا إقفال الحسابات البنكية في بلد اعتاد مثل هذه الإجراءات لساسة أكملوا مسارهم.

غير أن التأثير بدأ يظهر في التحالفات السياسية والانتخابية. في بيروت، لم يكن النائب نبيل بدر يعبأ بالحظر السعودي لـ "الإخوان المسلمين"، لكونه يعتبر نفسه من حلفاء المملكة الثانويين ويفضل التشبيك مع قطر، فضلًا عن عدم تأثر مصالحه. لكن الحال تغيّر مع إمكانية اقتراب نصل العقوبات الأميركية من شبكة أعماله خارج لبنان، لذا يدرس جديًا فك تحالفه مع "الجماعة الإسلامية".

في الشمال، كان ثمة تحالف يوشك على بلوغ لحظة الولادة، يجمع نائب طرابلس عبد الكريم كبارة بنائب الضنية جهاد الصمد مع "الجماعة الإسلامية"، وبرعاية وحياكة الرئيس نجيب ميقاتي، وسط احتمالية انضمام نائب المنية أحمد الخير. لكن ظهور سلاح العقوبات جعل رئيس الحكومة الأسبق يحجم تلقائيًا عن تعريض أعماله ومسيرته السياسية لأي خطر محتمل، وهو المشهور بـ "زئبقيته"، ولديه شراكات هائلة خارج لبنان، ويعمل مع إحدى جبهات الضغط الأميركي الفاعلة لترتيب العودة إلى السراي. وفيما يصعب على كبارة الذي حصل على مقعده بشق الأنفس خوض الانتخابات بحليف محدود الفعالية وشبه محظور خارجيًا، فإن الخير لن يخاطر برصيد من العلاقات الوثيقة التي بناها مع الجانب السعودي، وكذلك الأميركي والفرنسي.

يضاف إلى ذلك إفلاس خطاب "الجماعة" وعجزه عن الاستقطاب، خصوصًا في ظلّ نجومية الرئيس أحمد الشرع الصاعدة بقوّة، والذي يسحب بشكل تلقائيّ من رصيدها، بل ومن الرصيد الإخواني في سوريا والمنطقة، ويستقطب رموزها فُرادى إلى جانبه. وهنا، لا بدّ من التذكير بالمقال الشهير لمستشاره الإعلاميّ، أحمد زيدان، الذي دعا فيه تنظيم "إخوان" سوريا إلى حلّ نفسه في إشارة مبكرة إلى ما يحضر في الكواليس السياسية.

ناهيكم بتردّي العلاقات مع الصديقين قطر وتركيا، اللذين لطالما حكمت سياستهما الخارجية احتضان "الإخوان" في المدلهمّات غير مرة، لكنهما لن يعرّضا مصالحهما الجيوسياسية الواسعة مع أميركا للخطر لإنقاذ أفرع إخوانية، وخصوصًا أنقرة بما لديها من دوائر مشتركة مع واشنطن، تبدأ في دمشق ولا تنتهي في باكو وآسيا الوسطى، وتحظى بدعم ترامب الشخصي لتكون واحدًا من كبار اللاعبين في المنطقة.

زد عليها أن تركيا وقطر لديهما تحفظات واسعة على نهج "حماس" وأخواتها، تُرجم في تعاملهما خلال الأشهر الماضية، وممارستهما ضغوطًا شديدة عليها للقبول بمقترحات ترامب، بلغت حدّ أن تكونا ضامنتين لسلوك "حماس" خلال "قمة شرم الشيخ للسلام"، إلى جانب مصر، بما يعني أن أي خرق أو تحايل من "الحركة" يجعلهما في مواجهتها قبل أميركا وإسرائيل. وهذا ليس تفصيلًا بسيطًا. ما سبق لا يعدو سوى نصف المحنة، أما نصفها الآخر فيكمن في رأسمالها السياسي، من مؤسساتها وحاضنتها إلى مواقف التيارات والجمعيات الشقيقة منها. وهو ما سنعرضه لاحقًا.

سامر زريق - نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا