الصحافة

سوريا المكروهة إسرائيلياً: من إدلب إلى بيت جن

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ما زلنا لا نعرف الكثير عن ظروف انطلاق عمليّة “ردع العدوان” في 27 تشرين الثاني 2024 التي انتهت بفرار الرئيس السوريّ السابق بشّار الأسد وسقوط نظامه. قبل ذلك لم يكن الإعلام الدوليّ والإقليميّ مكترثاً ليوميّات إدلب التي بدت منطقة من مناطق العبث الذي كانت سوريا تعرفه آنذاك. ولم تكن الأعراض التي سبقت بأيّام وأسابيع موعد انطلاق العمليّة توحي بأنّ شيئاً يُدبَّر، ويُدبَّر بمستوى ما وصلت إليه مآلات العمليّة بعد 11 يوماً.

يوحي اسم العمليّة أنّ أهدافها كانت مقتصرة على “ردّ” على عدوان. وعلى الرغم من أنّ انطلاق تلك العمليّة جاء في سياق ردّ فعل على هجمات شنّتها قوّات النظام السابق على إدلب، كان قرار ذلك الردّ مفاجئاً وخارجاً عن المألوف في تعامل إدلب مع عداء دمشق خلال السنين السابقة. وإن تتقاطع معطيات تفيد بأنّ العمليّة لم تكن تستهدف دمشق، كانت بكلّ الأحوال خارجةً على ما كان سائداً إلى درجة أنّها فاجأت نفسها قبل أن تفاجئ النظام السوريّ ورعاته.

حلب حامضة؟

يروي حسين الشرع والد الرئيس السوريّ أحمد الشرع أنّ نجله، وكان حينها يُكنّى باسم أبي محمّد الجولاني، قد أسرّ إليه، على غير عادته، بتفكيره بعمليّة تستهدف حلب، ولا شيء ما بعد حلب. ولم يشعر الشرع الوالد حينها بأنّ الفكرة ترقى إلى مستوى التنفيذ، إلى درجة نصح الأب ابنه: “يا ابني حلب حامضة عليكم، خلّيكم مستورين بإدلب”. وما نعرفه أنّ العمليّة لم تكن تستهدف حلب المدينة، بل مناطق ريفها، بما يوسّع من مساحة نفوذ “هيئة تحرير الشام” ويغيّر من موازين القوى، وربّما يفرض على دمشق إعادة قراءة ما تغيّر في العالم والمنطقة.

على خلفيّة المشهد آنذاك كانت تركيا تستجيب لوساطات روسيّة لإصلاح ذات البين بين أنقرة ودمشق، حتّى إنّ موسكو رعت لقاءات بين العاصمتين على مستوى مسؤولي أجهزة الاستخبارات والدبلوماسيّة. أبدى الرئيس التركيّ رجب طيّب إردوغان استعداده للقاء الرئيس السوريّ من غير أن تلقى المبادرة تجاوباً سوريّاً. والأكيد أنّ تركيا لم تكن وراء عمليّة “ردّ العدوان”، لكنّها لم تعارضها ولم تعوِّل عليها، على الأقلّ في ما ذهبت إليه. سكتت أنقرة وتأمّلت مجريات العمليّة ساعة بساعة، وتنبّهت متأخّرة بأنّ دمشق باتت الهدف، فأعلن إردوغان مباركتها.

تقول مصادر سوريّة إنّ عمليّة حلب – دمشق هي قرار سوريّ بامتياز اتُّخذ من قبل “الجولاني” التحقت بتطوّراته قوى إقليميّة ودوليّة. كشف وزير الخارجيّة السوريّ أسعد الشيباني بعضاً من أسرار الاتّصالات مع الجانب الروسيّ التي “حيّدت” موسكو التي نشّطت مقاتلاتها بشكل موجع في بداية العمليّة. لكنّ موسكو لم تبدّل موقفها بسبب تواصل ميدانيّ، بل إنّ حراكاً إقليميّاً دوليّاً غامضاً وشاملاً أقنع روسيا بأنّ “الأمر انتهى” وعليها إخلاء حليفها من قصره في دمشق. توتّرت بغداد وحرّكت “حشدها” وارتبكت طهران وحرّكت حزبها في لبنان قبل أن تعود تلك القوّات مهرولةً إلى قواعدها.

لم يعد خافياً أنّ العمليّة وجدت بيئة إقليميّة ودوليّة حاضنة لتنفيذ استحقاق يُنهي مرحلة المراوحة الدمويّة التي بدأت منذ عام 2011. وفيما يستخدم خصوم التغيير في سوريا حجّة ذلك الاحتضان للنيل ممّا حقّقه الشرع وقوّاته واعتباره دليلاً على “مؤامرة كونيّة” لطالما أمعن الأسد في التنظير لها، كان قرار الانتقال إلى ما بعد الأسد إرادةً دوليّةً أحسن تظهيرها الشرع وتعظيمها وصيانتها وجعلها توجّهاً نهائيّاً يتصاعد تأكيده يوماً بعد آخر.

خضعت إسرائيل على مضض لِما بات قراراً سوريّاً إقليميّاً غربيّاً مشت به موسكو. سعى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى ادّعاء بعضٍ من أبوّة التحوّل السوريّ قبل أن يعلن ندمه. كرهت إسرائيل أن تخسر في دمشق نظاماً طيّعاً سهر بتفانٍ على أمن إسرائيل عند حدود الجولان، قامعاً ومانعاً أيّ أعراض لمقاومة تخرج من هناك. فحين فاقمت إسرائيل في سنوات 2011-2024 من ضرب نفوذ إيران وميليشياتها في سوريا، لم توجّه أيّ ضربات إلى البنى العسكريّة السوريّة التي كانت تعتبرها “صديقة” لا تشكِّل، ولم تشكِّل، برعاية الأسد الأب والابن، أيّ غبار تهديد لإسرائيل.

واشنطن تردع نتنياهو

وثقت إسرائيل بنظام الأسد وكرهت التحوّل الذي يقوده الشرع. لم تتردّد في تدمير ترسانة سوريّة باتت غير موثوقة في ظلّ الرجل الجديد ونظامه. في بداية تشرين الثاني 2024، قبل أسابيع من انطلاق “ردع العدوان”، خرج وزير الخارجيّة الإسرائيليّ جدعون ساعر، لمناسبة تسلّمه منصبه، بوعد بالتحالف مع أكراد سوريا ودروزها. لم يكن من سياق يدعو إلى ذلك، لكنّه يكشف خططاً لإسرائيل في ظلّ الأسد. بدا أنّ التحوّل السوريّ داهم إسرائيل ووضعها أمام جديد لم تعرفه منذ عام 1973.

لا تحبّ إسرائيل سياقات خارجة عن خططها وبعيدة عمّا عملت لتوقّعها وضبطها. لم تحبّ مفاجآت الشرع التي لم تستشرفها والتي عبّرت صحفها عن ذهول من حدوثها من وراء ظهر أجهزة استخباراتها. لا تحبّ إسرائيل خطاب السلام الذي يحمله الرئيس الجديد إلى عواصم العالم ويلقى صدى “مقلقاً” في أذن الرئيس الأميركيّ “الحليف” دونالد ترامب. ولا تحبّ الشرع حين يقول إنّ سوريا ليست دولة ضعيفة.

الواقع أنّ إسرائيل تعاملت مع دمشق الجديدة بالقوّة الغليظة، سواء في فرض نفسها حامياً للدروز، أو في قصف حواف قصر الشرع في دمشق، أو في السعي إلى جعل نفسها الطرف المقرِّر في مستقبل سوريا. لا تحبّ إسرائيل ردود فعل العواصم الدوليّة الصديقة لها الرافضة لهجماتها ضدّ سوريا التي كانت تلقى في عهد الأسد صمتاً بطعم الترحيب. ولا تحبّ إسرائيل صفعة “بيت جن” التي تشبه في مفاجآتها ما فاجأ العالم منذ عام بين إدلب ودمشق. ولا تحبّ إسرائيل، على الرغم من كلّ ما دفعت به من أعذار لعمليّتها هناك، أن تتحرّك واشنطن لردع نتنياهو عن ممارسة شطط أوحت به زيارته المستفزّة لمواقع داخل الأراضي السوريّة.

محمد قواص -أساس

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا