شرخٌ يتّسع بين وزيرة التربية والأساتذة.. سيناريو خطير ينتظر المدارس الرسمية
شرخٌ يتّسع بين وزيرة التربية والأساتذة.. سيناريو خطير ينتظر المدارس الرسمية
يتقدّم العام الدراسي في المدارس والثانويات الرسمية، لكن العلاقة بين وزيرة التربية ريما كرامي من جهة، وروابط التعليم والأساتذة من جهة أخرى، تتراجع خطوة بعد أخرى. الإضراب الشامل الذي دعت إليه الروابط في دوامي قبل وبعد الظهر، والاعتصام في ساحة رياض الصلح بالتزامن مع جلسة مجلس الوزراء، ليس مجرّد خطوة مطلبية تقليدية، بل مؤشر على شرخ سياسي ـ تربوي آخذ في الاتساع، بعدما فقد المعلمون ثقتهم بـ"وعود" الوزارة والحكومة معاً.
تذكر الروابط في بياناتها أنّها "تغاضت" عن حقوق كثيرة ووافقت على إطلاق السنة الدراسية قبل أوانها، فقط لحماية المدرسة الرسمية وعدم ترك مئات آلاف التلامذة في المجهول. لكن مقابل هذه المرونة، جاءت موازنة 2026 خالية من أي معالجة جدية لأوضاعهم، وكأن الحكومة تقرأ انهيار الرواتب وكلفة النقل والمعيشة كأنها تفاصيل جانبية.المعلمون الذين كانوا يقبلون سابقًا بتسويات جزئية على أمل إصلاح شامل، يتحدثون اليوم عن "إنهاك لم يعد يُحتمل". الرواتب التي تآكلت قيمتها مع تضخم تجاوز آلاف النسب المئوية منذ 2019، لم تعد تكفي لتأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة، فيما يُطلب منهم الاستمرار بالتدريس، وتأمين استقرار العام الدراسي، وتحمل غضب الأهالي والتلامذة في آن واحد.
جوهر المواجهة اليوم يدور حول مطلب أساسي: إعادة تكوين الرواتب عبر سلسلة رتب ورواتب جديدة وسريعة تُعيد للمعلم جزءاً من قيمته قبل الانهيار. الروابط تطالب بصيغة واضحة ألا وهي تحسين فوري للرواتب، ثم إقرار سلسلة متكاملة، مع ربط أي زيادة بمستوى التضخم والرسوم والضرائب التي تضاعفت منذ 2024. في الكواليس، يشرح تربويون متابعون للملف لـ"لبنان24" أنّ النقاش لم يعد محصوراً بالأرقام. فالمعلمون يشعرون أن الدولة تريد الحفاظ على "هيكل" المدرسة الرسمية من دون أن تضمن "حياة" من يعمل داخلها. لذلك، تُطرح أفكار من نوع مضاعفة الرواتب عشرات المرات، ودمج الملحقات والمساعدات في صلب الأجر، وإنصاف المتعاقدين عبر تثبيت القدامى منهم وتأمين تغطية صحية واستقرار وظيفي.
مصادر تربوية تشير إلى أنّ المتعاقدين تحديداً باتوا "العمود الفقري غير المُعلن" للمدرسة الرسمية، إذ يشكلون أكثر من نصف الجسم التعليمي في العديد من المناطق، لكنهم يبقون الحلقة الأضعف في أي تشريع أو زيادة. ومن هنا، ترى هذه المصادر أن أي تسوية لا تضعهم في قلب المعادلة، ستُنتج أزمة جديدة ولو هدأت الساحة مؤقتاً.
في الشكل، تحاول وزيرة التربية الظهور بموقع "الوسيط" بين الروابط ووزارة المال ورئاسة الحكومة. لكنها، في نظر جزء كبير من الأساتذة، باتت جزءاً من المشكلة لا من الحل.فالروابط تشير علناً إلى أنها تسعى منذ ثلاثة أشهر إلى لقاء وزير المال عبر وزيرة التربية من دون جدوى، وأن الموازنة التي أقرّت مرّت من دون أن تُترجم أي من الوعود التي سُمعَت في الاجتماعات السابقة. هذا الواقع عزّز الانطباع لدى شريحة واسعة من المعلمين بأن الوزارة اكتفت بدور "البريد الناقل" لمطالبهم، من دون أن تخوض معركة حقيقية داخل الحكومة.
تربويون تحدّثوا في هذا السياق عن "تآكل الثقة". فحين تعجز الوزيرة عن تأمين الوعد الذي أشعل الساحة بداية العام، أو انتزاع بند واضح لصالح القطاع التربوي في الموازنة، يصبح من الصعب عليها أن تطلب من المعلمين مزيداً من الصبر وضبط الشارع. هكذا، يتحول الحوار إلى تبادل بيانات وإحراج متبادل، بدلاً من أن يكون منصة لإنقاذ ما تبقى من التعليم الرسمي.
الإضراب والاعتصام في ساحة رياض الصلح يوم الخميس يشكّلان رسالة ضغط مباشرة قبل الموعد المرتقب لرؤساء روابط التعليم الرسمي مع وزير المال اليوم بمشاركة وزيرة التربية. هذا اللقاء، إذا حصل وفق ما هو مرسوم، سيكون أول امتحان حقيقي لنية الحكومة في فتح ثغرة في الجدار السميك.
مصادر تربوية مطلعة ترى أن الرهان على هذا الاجتماع محدود، لكنها تعتبره "فرصة أخيرة" قبل الذهاب إلى خطوات تصعيدية مفتوحة. فإما أن يسمع المعلمون قراراً واضحاً حول تصحيح الرواتب ووضع مسار جدي لسلسلة جديدة، أو أن الإضرابات والاعتصامات ستتحول إلى نمط يومي، مع ما يعنيه ذلك من تهديد للعام الدراسي برمّته.
في المقابل، تشير مصادر وزارة التربية لـ"لبنان24" إلى أن هامش الحركة المالي ضيق، وأن أي زيادة كبيرة في رواتب المعلمين ستصطدم بسقف الإيرادات وبشروط الجهات الدولية المانحة. غير أن هذه الحجج لم تعد تقنع الأساتذة، الذين يرون أن الدولة قادرة على زيادة الضرائب والرسوم وتعديل أسعار الخدمات العامة، لكنها تعجز عن التفكير بجدية في مستقبل من يُفترض أن يصنعوا الأجيال المقبلة.
خطاب الروابط في المؤتمر الصحافي الأخير حمل نبرة قوية، كالمعتاد.. الدفاع عن "الكرامة" وليس فقط عن "العام الدراسي". فالمعلمون الذين قبلوا بالتضحية لأجل إنقاذ المدرسة الرسمية خلال سنوات الانهيار، يشعرون اليوم أنهم يُدفعون إلى حافة الفقر الحقيقي، ويُطلب منهم في الوقت نفسه أن يكونوا صمام الأمان الاجتماعي والوطني.
هذا الخطاب يعكس أيضاً تحوّلاً في المزاج داخل القاعدة التعليمية؛ إذ يرتفع منسوب الكلام عن "سقوط كل المحرمات" في حال استمر التجاهل الرسمي. وبحسب تقديرات تربوية، فإن السير في هذا الاتجاه قد يعيد فتح النقاش حول أشكال جديدة من الاحتجاج، لا تقتصر على الإضراب عن التعليم، بل قد تصل إلى تعليق الامتحانات الرسمية أو مقاطعة أعمال المراقبة والتصحيح، بما يضع السلطة أمام مسؤولياتها كاملة.
في الخلاصة، الشرخ بين وزيرة التربية والأساتذة لم يعد تفصيلاً إدارياً يمكن أخذه بخفة. هو اليوم عنوان أزمة تربوية – سياسية أعمق، تتعلق بمكانة المدرسة الرسمية في لبنان وبموقع المعلم في دولة تبحث عن مواردها في جيوب الفئات الأضعف. وما لم يتحول اللقاء المرتقب في وزارة المال إلى نقطة انعطاف حقيقية، فإن ساحة رياض الصلح قد تتحوّل إلى "صفّ مفتوح" يشرح فيه المعلمون، هذه المرّة، دروس الكرامة لا مناهج الكتب.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|