مقابل ثمين... لماذا صمتت إسرائيل على صفقة مقاتلات إف-35 للسعودية؟
الجيش اللبناني بين مطرقة "تل أبيب" وسندان الوشاة المحليين
يُعدّ إلغاء زيارة قائد الجيش اللبناني إلى واشنطن حدثاً استثنائياً يحمل دلالاتٍ متعدّدة. فالجيش اللبناني، الذي شكّل على الدوام قاسماً مشتركاً داخلياً وخارجياً باعتباره ضمانةً أساسيةً للاستقرار في لبنان، يتعرّض اليوم، وبشكل مباشر وبشخص قائده، لاستهدافٍ مزدوج من الإدارة الأميركية من جهة، ومن فريق "الوشاة اللبنانيين" من جهة أخرى. وهذا الاستهداف يشكّل تهديداً مباشراً للاستقرار، بل يتجاوز ذلك ليكون بمثابة جرس إنذار يمسّ وجود لبنان وبقاءه ووحدة أراضيه.
وبناءً على ذلك، يجمع المراقبون على خطورة ما جرى، وضرورة التعاطي معه باعتباره حدثاً محورياً في هذه المرحلة الحسّاسة والمصيرية من تاريخ لبنان.
واللافت أنّ إلغاء الزيارة لم يكن حدثاً معزولاً، بل جاء استكمالاً لسلسلة من الإجراءات والأحداث والتصريحات التي طالت الجيش اللبناني، صدرت من ثلاثة مصادر في سياق واحد، وكأنها تصدر عن "مطبخ" واحد. وهذه المصادر هي: واشنطن، و"تل أبيب"، وبعض اللبنانيين في الداخل والخارج الذين يؤدّون دور "الوشاة"، كما أشار إليهم رئيس الجمهورية اللبنانية في الإعلام وحتى داخل مجلس الوزراء.
ويبدو أنّ هذه الحملة المنسّقة قد أطلقها، أو على الأقل واكبها، المبعوث الأميركي إلى لبنان توم برّاك، الذي صرّح بوضوح بأنّ بلاده لن تسلّح الجيش لقتال "إسرائيل"، بل لمواجهة المقاومة والانخراط في فتنة داخلية. وجاءت مواقف السيناتور الأميركي ليندسي غراهام، الذي اعترض على استخدام قائد الجيش لمصطلح "عدو" في وصفه لـ "الجيش" الإسرائيلي، لتؤكّد حقيقة الموقف الأميركي.
من الواضح أنّ هذه التصريحات تعبّر عن النظرة الأميركية الحقيقية تجاه الجيش اللبناني، إذ تراه مجرّد تشكيل مسلّح يُستثمر فيه ليكون شرطياً حدودياً لـ "إسرائيل"، وتابعاً لها في تنفيذ مطالبها الأمنية، من دون أن يمتلك القدرة أو يُمنح الحقّ في ممارسة وظيفته الدستورية والوطنية في الدفاع عن لبنان وسيادته واستقلاله.
أمام هذه الحقيقة، تسقط كلّ الشعارات حول "السلاح غير الشرعيّ" ونظريات "حصرية السلاح". فإذا كان الجيش اللبناني، وهو حامل السلاح الشرعي المتوافق عليه دولياً وإقليمياً ومحلياً، وموضع ثقة جميع اللبنانيين، يُستهدف فقط لأنه تمسّك بانتمائه الوطني وبالقانون والدستور اللذين يحدّدان العدو من الصديق، ويحدّدان أيضاً وظيفته الطبيعية والمتمثّلة بالدفاع عن لبنان… فكيف يمكن عندها الاستمرار في هذه السجالات؟
يؤكّد هذا السلوك أنّ مشكلة الأميركيين ومعهم الإسرائيليون ليست في نوعية السلاح بل في وظيفته. فسواء كان هذا السلاح تابعاً للدولة أو للشعب أو للجيش أو للمقاومة، فهو بنظرهم غير شرعي ما دام موجَّهاً إلى عدوّ لبنان.
والأسوأ، بل الأكثر وقاحة، هو موقف بعض اللبنانيين الذين يحرّضون على جيش بلدهم لا لشيء إلا لأنه يتصرّف بحكمة ومسؤولية وروح وطنية. وهؤلاء ينتمي بعضهم إلى فريق سياسي خاض حروباً ضدّ الجيش اللبناني، ونفّذ إعدامات ميدانية بحقّ جنوده، واغتال ضباطه، وتعامل مع "إسرائيل"، وراهن على قوّتها العسكرية للاستقواء على أبناء بلده، ونسّق مع "تل أبيب" خطة اجتياح لبنان عام 1982، ثمّ استثمر في نتائج الغزو واحتلال بيروت للوصول إلى مواقع السلطة والتحكّم بمقدّرات الدولة.
هذا الفريق يحاول اليوم العودة إلى الأسلوب نفسه والخيار ذاته، من دون أيّ مراجعة لماضٍ لم ينتج إلّا دماراً للبنان وشرذمةً لمجتمعه، وإغراقه في أتون الاقتتال الداخلي وإضعاف مناعته أمام التدخّلات الخارجية. إنه يعمل على إعادة لبنان أربعين عاماً إلى الوراء، ويسعى بلا مواربة إلى توقيع اتفاق أسوأ من اتفاق 17 أيار، يضع البلد بالكامل في الحضن الإسرائيلي، من دون أيّ اعتبار لاستقلاله وسيادته.
صحيح أنّ انتفاضة 6 شباط 1984 أسقطت الخيار الإسرائيلي في لبنان، لكنّ ثمن ذلك كان انقسام الجيش اللبناني في المواجهة التي خاضتها القوى الوطنية، والتي حسمت هوية لبنان وموقعه في الصراع مع العدو. واليوم، فإنّ الفريق نفسه الذي هُزم في 6 شباط يصبّ غضبه على الجيش اللبناني بسبب موقفه الوطني الرافض لأن يكون حصان طروادة في مشروع إخضاع لبنان، أو رأس حربة في الانقلاب على اتفاق الطائف الذي حسم هوية لبنان العربية، واعتبر "إسرائيل" عدواً، وأكّد حقّ لبنان في الدفاع عن أرضه وتحريرها بكلّ الوسائل المتاحة، وفي مقدّمتها المقاومة.
وقد أثبتت التجربة أنّ الجيش اللبناني الحالي هو الجيش الذي يدرك أهمية المقاومة وأهمية "مثلّث الدفاع الوطني: جيش – شعب – مقاومة". وهو الجيش الذي قاتل كتفاً إلى كتف مع المقاومين في معارك تحرير الجرود، والذي دفع ثمناً كبيراً لبقائه في الجنوب إلى جانب شعبه. ولأجل هذه الأسباب مجتمعة، يتعرّض الجيش لحملات حقد وتحريض تهدف إلى دفعه لتبديل عقيدته الوطنية وتحويله إلى جيش فئوي يعمل لحساب جهات معيّنة ومشاريع محدّدة.
إنّ هذه المحاولة، التي يعمل عليها ثلاثيّ "أميركا – إسرائيل – الوشاة"، تستدعي مسؤولية وطنية شاملة للتصدّي لها، لأنّ أهدافها تمسّ الوطن في وجوده واستقلاله ووحدته وهويته.
لا شكّ أنّ نجاح استهداف الجيش يعني بالضرورة استهداف اتفاق الطائف بما يمثّله من ضمانة للوحدة الوطنية والاستقرار الداخلي، خصوصاً أمام "ثلاثيّ شرّ" لا يتوقّف عند حدود، وصولاً إلى إسقاط لبنان بالكامل في يد الهيمنة الأميركية – الإسرائيلية.
ولذلك، فإنّ المسؤولية الوطنية تتطلّب التمسّك بخمسة عناصر أساسية للحفاظ على لبنان:
أولاً: اليقظة الوطنية والاجتماعية، وعدم الانخداع بوعود أميركية أو دولية، والاقتناع بأنّ واشنطن ليست راعياً حقيقياً بل المحرّك الأساسي للعدوان الإسرائيلي، ولا يمكن الرهان عليها.
ثانياً: التماسك الوطني والحفاظ على الوحدة، ومنع لغة الفتنة والتفرقة من السيطرة على الخطاب السياسي، ونبذ كلّ من يبثّ الانقسام.
ثالثاً: الصمود الوطني في مواجهة التهويل والتصعيد وحتى الحرب، إذ إنّ العدو، مهما كانت غطرسته، لا يستطيع تحقيق أهدافه إذا بقي اللبنانيون موحّدين.
رابعاً: الاستعداد للدفاع عن البلاد على مستوى كلّ فئات الشعب، ما يستوجب مباشرة صياغة استراتيجية أمن وطني واستراتيجية دفاع وطني شاملة، تشمل الدولة والسلطة والشعب.
خامساً: التضامن الوطني عبر اعتبار الاعتداءات الإسرائيلية عدواناً على كلّ لبنان بكلّ مكوّناته، وعلى الدولة ومؤسساتها وجيشها كما على المقاومة، ورفع الصوت والعمل في كلّ المحافل الدولية للتأكيد أنّ ما يتعرّض له لبنان هو حرب عدوانية موصوفة وغير مشروعة.
بطبيعة الحال، تقع على السلطة اللبنانية المسؤولية الأولى في هذه المرحلة، وخصوصاً بعدما تعرّض جيشها وقائده لاستهداف واضح.
هذه السلطة مطالَبة باتخاذ موقف جدّي يبدأ بتبنّي توصية قائد الجيش بتجميد أيّ خطة لنزع سلاح المقاومة من جنوب النهر وصولاً إلى كلّ لبنان. فهذا هو الردّ الأمثل على استهداف الجيش، أمّا الخنوع والخضوع والتنازل فلن يؤدّي إلا إلى مزيد من الضغوط والاستهداف. وأكبر دليل على ذلك، أنّ النداءات التي طُرحت للتفاوض لم تلقَ سوى مزيد من العدوان.
ثينة عليق - الميادين
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|