حرب إسرائيل الثانية تختلف عن الأولى... وتطال كلّ لبنان
لا تزال هناك فجوة كبيرة بين إسرائيل ولبنان في ما يتعلق بآفاق السلام، فيما يتشارك العديد من اللبنانيين رغبةً حقيقية في السلام. إلا أن هذا الشعور لم يسمع به أو يثق به الجمهور الإسرائيلي بعد. ولكي يتغيّر هذا التصوّر على قيادة لبنان إظهار إرادة سياسية ملحوظة. هذا ما تقوله باحثة أميركية جديّة لبنانية الأصل، وتضيف: من وجهة نظر إسرائيل، يبدو أن بيروت إما غير راغبة في أو غير قادرة على التصرّف، الأمر الذي يعزّز الشكوك في قدرتها على الوفاء بنزع السلاح والسلام. لكن رغم ذلك يمثّل المناخ الحالي تغييراً تاريخياً.
قبل حرب غزة كان السلام مع إسرائيل موضوعاً محظوراً في لبنان، لا يُهمس به إلا في الأماكن الخاصة. منذ ذلك الحين انتشر النقاش العام في وسائل الإعلام الوطنية والخطاب السياسي. يرى العديد من اللبنانيين الآن أن السلام هو المسار الصحيح القابل للتطبيق نحو الاستقرار والازدهار حتى داخل الطائفة الشيعية حيث كان العداء لإسرائيل في أشدّه (وربما لا يزال). هناك اعتراف متزايد بأن نهج "حزب الله" قد فشل.
يرى الناس بعد سنوات من الدمار والخسارة أن السلام وليس المقاومة هو السبيل الوحيد لإنهاء الحروب. مع ذلك يجب ترجمة الحديث الحالي عن السلام إلى أفعال. ومن دون تدابير ملموسة في قضايا عدة يخاطر لبنان بإثارة مزيد من التصعيد مع إسرائيل. يظل نزع سلاح "حزب الله" الخطوة الأساسية. وإذا رفضت الحكومة مواجهته عسكرياً فعليها استهداف البنية التحتية والسياسية والمالية واللوجستية التي تحمي أسلحته. الأمر الحاسم الآخر هو إلغاء قوانين مكافحة التطبيع التي تجرّم التعامل اللبناني مع الإسرائيليين. تمكّن هذه القوانين "حزب الله" من قمع الإصلاحيين وإسكات المدافعين عن السلام.
على نطاق أوسع، تتابع الباحثة الأميركية اللبنانية الأصل، على قادة لبنان استخدام الرسائل العامة أو القنوات الديبلوماسية لإيصال استعداد موثوق لمتابعة مفاوضات مع إسرائيل. هذه هي الطريقة الوحيدة لإقناع القدس بأن هذه الجهود حقيقية لا رمزية. باختصار هناك ثلاث خطوات أساسية لدفع التقدم. الأولى وضع واشنطن وشركائها مواعيد نهائية واضحة وحوافز متعلقة باتفاق وقف إطلاق النار الحالي الذي يفتقر الى أي جدول زمني. الثانية على الولايات المتحدة تصميم إطار عمل يجمع العواقب والحوافز، أي فرض عقوبات على الذين يعرقلون نزع السلاح أو يعارضون التطبيع، ومنح مساعدات لإعادة الإعمار في مقابل تقدّم قابل للقياس. الثالثة على لبنان إلغاء قوانين مكافحة التطبيع واتخاذ خطوات تدريجية أخرى لتسهيل الاتصالات مع إسرائيل.
إلى ذلك، تتابع الباحثة نفسها، يعتمد التقدم أيضاً على الإصلاح الداخلي. لا تزال حركة "أمل" ورئيس مجلس النواب نبيه بري يهيمنان على السياسة اللبنانية، ويسيطران على الانتخابات، ويحافظان على القوة المسلحة لـ"حزب الله". تمتلك "أمل" و"الحزب" الأموال والأسلحة لتخويف المعارضين وشراء الأصوات الأمر الذي يجعل إجراء انتخابات حرة ونزيهة مستحيلاً في ظل سيطرة "الحزب" على الطائفة الشيعية. بناءً على ذلك على بيروت تأجيل الانتخابات الوطنية حتى يتم نزع سلاح الميليشيا ويعود الجيش سلطة عسكرية وحيدة في البلاد. سيضمن ربط نزاع السلاح بالانتخابات ساحة سياسية متكافئة. عندئذ فقط يمكن للبنان استعادة السيادة وإعادة بناء الثقة، والظهور شريكاً حقيقياً من أجل السلاح والازدهار الإقليميين.
كيف يرى باحث أميركي آخر ينتمي الى اليهودية الوضع اللبناني وتطوراته؟ يقول: تنشغل حالياً السياسة الإسرائيلية بتداعيات حرب غزة، واستعادة جثث أسراها، وإدارة أزمة الحكم المحلي، والمناورة من أجل العام الانتخابي المقبل. انطلاقاً من ذلك، لا يمثّل لبنان أولوية استراتيجية لمعظم صنّاع السياسة الإسرائيليين في الوقت الراهن. لا توجد دائرة انتخابية قوية مؤيّدة للسلام أو مؤيدة للحرب تدفع بشدة أجندة لبنانية. يرى الكثيرون بدلاً من ذلك أن على الجيش الإسرائيلي إدارة هذه القضيّة أي معالجتها. وقد عزّزت الانتقادات الموضوعة سياسياً، وهي لا أساس لها من الصحة، لاتفاق ترسيم الحدود البحرية عام 2022 بين إسرائيل ولبنان الانطباع الذي يؤكد أن القدس خضعت لـ"حزب الله" أو لضغوطه.
عزّزت هذا التفكير الشكوك الإسرائيلية في صفقات أخرى مع لبنان، وأدّت الى نهج حذر وبطيء تجاه أيّ مبادرات جديدة. لا تزال هناك أسئلة حول جهوزية الجيش اللبناني لتنفيذ الأوامر. يشعر الإسرائيليون بالقلق حيال ولاءات العسكريين الشيعة خوفاً من الكسور والانقسامات الطائفية التي قد تؤدي الى عنف داخل لبنان وإلى تعقيد اتفاق السلام. حتى الآن انتهجت إسرائيل حملة تصعيد محدودة (ضربات دقيقة لمواقع "حزب الله" وأوامر للمدنيين لإخلاء مبانٍ مستهدفة وجهود لإضعاف أعضاء "الحزب" ومعنوياتهم وإنتاجه المحلي للأسلحة).
الهدف هو إعاقة قدرة "الحزب" على إعادة بناء بناه التحتية من دون أن يؤدي ذلك إلى حرب شاملة، وهي رغم تعبها من الصراع عامين لا تسعى إلى التصعيد وتحتفظ بالقدرة على تنفيذه وهي مستعدة لاستخدامها إذا وصلت تحديات "حزب الله" لاتفاق وقف النار إلى درجة الغليان. يمكن لبيروت جذب مزيد من الاهتمام الإسرائيلي لخطوات سلام ذات معنى مثل إلغاء مكافحة التطبيع، كما مثل الانضمام الى "منتدى غاز شرق المتوسط" التي من خلالها يتشارك المسؤولون اللبنانيون والإسرائيليون من دون تطبيع ثنائي رسمي.
يمكن للولايات المتحدة المساهمة في ذلك بالتنسيق مع دول الخليج، وتنظيم حملة حوافز اقتصادية وضمانات أمنية مرتبطة بجداول زمنية محددة ومساءلة الحكومة اللبنانية. يمكن للبنانيين إظهار إرادة ملموسة لتفكيك البنية التحتية للميليشيات وإلغاء قوانين منع الحوار وتمكين الجيش من احتكار القوة. ومن دون ذلك ستحتفظ إسرائيل بالقدرة على شن حملة حاسمة تصل حتى نهر الأولي. وبعد ذلك لا يبقى لجيش لبنان عذر في عدم "التعامل" بالقوة مع "الحزب".
سركيس نعوم - النهار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|