الصحافة

الترسيم يغلق البحر على لبنان

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يشكّل ملف الترسيم البحري في شرق المتوسط نموذجاً معقّداً لتداخل القانون الدولي مع حسابات الطاقة والسياسة. فمنذ اكتشاف ثروات الغاز في هذه المنطقة، تحوّلت الحدود البحرية إلى محور صراع استراتيجي بين الدول المجاورة، لا سيما لبنان وإسرائيل وقبرص، حيث أصبح خط واحد أو نقطة جغرافية قادراً على نقل مليارات الدولارات من طرف إلى آخر.

وتبدو الأزمة اللبنانية - الإسرائيلية في هذا المجال نتاجاً لمسار طويل من الأخطاء التقنية، والثغرات القانونية، والضغوط الجيوسياسية التي استغلّتها إسرائيل على نحو مدروس. تبدأ القصة مع إيداع لبنان خريطته البحرية لدى الأمم المتحدة عام 2010، والتي اعتمد فيها النقطة 23 أساساً لحدوده الجنوبية مع فلسطين المحتلة. الرد الإسرائيلي جاء سريعاً عام 2011 بترسيم مضاد يمنحه امتداداً أعمق داخل البحر شمالاً.

غير أنّ جذور المشكلة تعود فعلياً إلى اتفاق الترسيم بين لبنان وقبرص عام 2007، إذ اعتمد لبنان النقطة 1 بدلاً من النقطة 23 بناءً على تفاهمات غير مكتوبة مفادها أن إسرائيل ستتراجع المسافة نفسها جنوباً في مفاوضاتها مع قبرص، بحيث يُترك ممر مائي للسفن. لكن ما حصل هو نقيض ذلك تماماً: إسرائيل تمسّكت بالنقطة 1 خطاً نهائياً، فقامت عملياً بـ «قضم» مساحة بحرية تبلغ 860 كلم² من المنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة.

هذا الخلل التفاوضي اللبناني أعطى إسرائيل فرصة نادرة لتثبيت خطوط بحرية جديدة في ظل غياب موقف لبناني واضح وسريع، بينما اكتفت قبرص بالتأكيد في رسالة رسمية عام 2011 أنّ اتفاقها مع إسرائيل لا يضرّ حقوق لبنان، وأنها مستعدة لإعادة النظر بالنقاط الجغرافية. لكن الضرر كان قد وقع، والفرصة التي وجدت إسرائيل نفسها أمامها كانت ثمينة: تثبيت واقع قانوني يمكن البناء عليه لاحقاً في كل ما يخص حقول الغاز الكبرى في شرق المتوسط، وعلى رأسها ليوثان وتمار، اللذين تعتبرهما إسرائيل حقولاً ذات سيادة لا تقبل النقاش، في حين يؤكد خبراء لبنانيون أنّ موقعهما الجيولوجي أقرب إلى المياه اللبنانية.

في هذا السياق، برز سؤال جديد مع توقيع الاتفاق اللبناني - القبرصي مؤخراً: لماذا هذا الإصرار على الإسراع؟ ولماذا بدا الأمر وكأنه أولوية إقليمية ودولية؟ هنا يظهر بوضوح أنّ إسرائيل تملك مصلحة حقيقية في تسريع أي خطوة تؤدي إلى تثبيت حدود قبرص من جهة لبنان، لأن ذلك ينعكس تلقائياً على الترسيم الثلاثي مع إسرائيل نفسها. فكلما ضاق هامش المناورة أمام لبنان شمالاً، تقلّصت قدرته على تعديل حدوده جنوباً، وبالتالي تصبح الخرائط الإسرائيلية أقرب إلى «أمر واقع» غير قابل للتراجع، من يسيطر على الخطوط اليوم يسيطر على الغاز غداً.  

محمد دوغان -" اللواء"

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا