هل أحبط لبنان الحرب الإسرائيلية؟
جاء قرار لبنان برفع مستوى تمثيله في لجنة مراقبة وقف النار «الميكانيزم» عبر تعيين السفير السابق سيمون كرم ممثلًا غير عسكري، ليشكّل خطوة سياسية بامتياز تتجاوز الطابع التقني للجنة التي تأسست أساسًا لمواكبة تنفيذ القرار 1701. فإدخال شخصية ديبلوماسية خبيرة في العلاقات الأميركية والمفاوضات يفتح الباب أمام قراءة جديدة لطبيعة المرحلة، ويعكس استعدادًا لبنانيًا محسوبًا للدخول في مفاوضات أكثر اتساعًا تتصل بالجوانب السياسية للنزاع الحدودي، في محاولة واضحة لنزع أي ذريعة قد تستخدمها إسرائيل لتبرير التصعيد.
هذه الخطوة ليست تفصيلًا إداريًا أو تغييرًا شكليًا في مقاربة لبنان للميكانيزم، بل هي رسالة مزدوجة: من جهة، يُظهر لبنان أنه جاهز لتحمّل مسؤولياته وأنه لا يتهرّب من أي نقاش يُعنى بضبط الحدود وتخفيف التوتر، ومن جهة أخرى، يقدّم نفسه أمام المجتمع الدولي كطرف منفتح على الحلول، لا كمتفرِّج أو معطِّل. وهذا الانفتاح يجد صداه في لحظة حساسة تتكثّف فيها التحذيرات من احتمال قيام إسرائيل بعمل عسكري واسع تحت ذريعة «إعادة بناء حزب لله لترسانته العسكرية» و«استنهاض قواته»، وهي الحجج التي تكرّرها تل أبيب لتهيئة المناخ السياسي لأي مغامرة جديدة.
أهمية الخطوة اللبنانية لا تنفصل عن رد الفعل الداخلي، وخصوصًا موقف حزب لله الذي اختار الصمت وترك الكرة في ملعب الدولة. سكوت الحزب ليس انسحابًا من المشهد، بل هو موقف محسوب يعبّر عن موافقة ضمنية على إدارة الرئيس نبيه بري لهذا الملف، كما جاء في بيان رئاسة الجمهورية الذي أشار بوضوح إلى أن التعيين جاء بعد التشاور مع رئيس مجلس النواب. وهذا الاصطفاف، ولو الظاهر منه فقط، يدعم فكرة أن لبنان الرسمي يحاول تقديم جبهة موحّدة في مرحلة تتطلب الحدّ الأقصى من التماسك السياسي.
في جوهرها، تبدو خطوة تعيين سيمون كرم محاولة استباقية لإحراج إسرائيل أمام المجتمع الدولي، عبر إظهار أن لبنان يبذل كل ما يمكن لتخفيف التوتر، والذهاب إلى أبعد من الالتزامات العسكرية المحضة. فوجود ممثل سياسي في لجنة المراقبة يتيح للبنان نقل النقاش إلى فضاء أكثر عمقًا، يتصل بمسائل ترسيم النقاط المتنازع عليها، وضبط الخروق المتكررة، وربما فتح الباب لتفاهمات أمنية موضعية تخفف من احتمالات الانفجار.
لكن الأهم أن هذه الخطوة، مهما بدت تقنية، تعكس إدراكًا لبنانيًا متزايدًا بأن إسرائيل تبحث عن فرصة أو مبرّر. ومن خلال تقديم لبنان نموذجًا مسؤولًا ومتجاوبًا، يصبح من الصعب على إسرائيل إقناع العواصم الغربية بضرورة الحرب، أو الادعاء بأن لبنان يرفض النقاش أو يتهرّب من التزامات القرار 1701.
في نهاية المطاف، لا يمكن لهذه الخطوة وحدها أن تمنع احتمال اندلاع مواجهة، لكنها تسهم بوضوح في تعزيز موقع لبنان التفاوضي، وفي إرسال رسالة قوية بأن الدولة مستعدة لإدارة الملف الحدودي بعقلانية، وبدعم موارب من حزب لله، الذي يبدو أنه اختار في هذه المرحلة الوقوف خلف الدولة كي لا يمنح إسرائيل الذريعة التي تبحث عنها.
صلاح سلام - اللواء
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|