بين المرشحين والناخبين تواصل على صهوة الذكاء الاصطناعي
الانتخابات النيابية على الأبواب، التحالفات بدأت تُرصد والماكينات الانتخابية أطلقت محركاتها وإن من خلف الكواليس. ولكنْ، ثمة لاعب جديد في انتخابات 2026، لم يعد من الممكن تجاهله أو التغاضي عنه، قادر على قلب النتائج وتغيير قواعد اللعبة. إنه الذكاء الاصطناعي، هذا العملاق الزاحف إلى كل تفاصيل حياتنا، بات سلاحًا حيويًا في يد من يجيد استخدامه. فهل يكون مرشحونا الأعزاء، فرسانًا أشداء يصولون ويجولون على صهوة الذكاء الاصطناعي؟ أم يجمح بهم إلى فوضى سياسية تبلغ حدود اللاقانون ويرميهم عن ظهره إلى غياهب النسيان؟
بدأت ملامح المرحلة الانتخابية القادمة ترتسم في الأفق. وبدأ المهتمون جمع أدواتهم للبدء بحملاتهم الانتخابية. ولم يعد خافيًا على أحد، أهمية الاستعانة بالذكاء الاصطناعي لمحاكاة العصر والأجيال الجديدة من الناخبين. في مجلس النواب، بدأت تعقد ندوات حول استخدام الذكاء الاصطناعي للتسويق للانتخابات بأسلوب فعال وعصري. وللمفارقة، كانت مجموعة من المرشحات النساء أولى المستفيدات من هذه الندوات، ضمن ورشة تدريبية حملت عنوان "الذكاء الاصطناعي في الاتصال السياسي". المرشحون من جهتهم، يتأهبون بصمت ويتدربون على استخدام الذكاء الاصطناعي في حملاتهم القادمة، كما علمنا من عدد منهم. لكن هل سيكون سلاح الذكاء الاصطناعي في خدمة الديمقراطية والعدالة في الانتخابات؟ أم سيقف عائقًا أمامهما ويكون عنصر تضليل وتشويه للحقائق؟
للوقوف على ما يمكن أن يخبئه الذكاء الاصطناعي في الانتخابات، التقت "نداء الوطن" السيدة ريما سعد عازار، وهي رائدة أعمال وخبيرة تدريب في الذكاء الاصطناعي معتمدة من الولايات المتحدة، وقد أدخلت هذه التقنيات منذ العام 2022 في عملها، ورفعت إنتاجية فريقها بنسبة 60 %.
تشرح عازار أنه قبل تأكيد الدور الذي يمكن أن يلعبه الذكاء الاصطناعي في الانتخابات النيابية، لا بد أولًا من تحديد واضح ودقيق لماهية الذكاء الاصطناعي التوليدي Generative AI. فهو يشمل النماذج القادرة على إنتاج نصوص وصور وفيديو وصوت بناءً على طلب محدد. وانتشاره الواسع بدأ فعليًا مع طرح Chat GPT في تشرين الثاني من العام 2022 وهو الحدث الذي غير طريقة تفاعل الناس مع الذكاء الاصطناعي .
ربطًا بالانتخابات، يعتبر عام 2024 عامًا عالميًا للانتخابات الوطنية. حيث شهد أكثر من 60 دولة حول العالم، انتخابات نيابية أو رئاسية، ومن بينها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والهند. وقد أظهرت هذه التجارب الانتخابية، تأثير الذكاء الاصطناعي على الناخبين والمرشحين على حد سواء. كما أبرزت الأبحاث التي تلتها، وكل ما أثير حولها من لغط، أمرًا أكيدًا واحدًا وهو أن الذكاء الاصطناعي يهدد الديمقراطية. فالمشكلة الكبرى، أن هذا الذكاء يسير بخطى فائقة السرعة بعد أن بات الثورة الأسرع في العالم التي لم تعرف لها الإنسانية شبيهًا في تاريخها. في حين، أن لا قدرة للدول حتى أكبرها، ولا للمنظمات العالمية، على مواكبة هذا التطور بالقوانين والأنظمة، كون هذه الأخيرة تحتاج إلى وقت لإقرارها، فيما الذكاء الاصطناعي لا ينتظر ويسير إلى الأمام بسرعة مهولة. وقد وصل مستخدمو ChatGPT إلى 100 مليون مستخدم خلال شهرين فقط من إطلاقه.
الذكاء المضلّل
أسباب كثيرة تتضافر لتجعل الذكاء الاصطناعي خطرًا على الديمقراطية، وفق ما تشرحه الاختصاصية ريما عازار. وقد أبرزت التجارب الانتخابية عبر العالم هذه الحقيقة. وأثبتت الدراسات أن الذكاء الاصطناعي، يحمل مخاطر جدية على نزاهة الانتخابات والثقة بالمعلومات، رغم أنه يقدم فرصًا إيجابية لتحسين التواصل والمشاركة.
خطورة الذكاء الاصطناعي، تنبع من قدرته على التأثير على مشاعر الناخبين، خاصة أن كثيرًا من القرارات الانتخابية غالبًا ما تكون عاطفية. وتوضح عازار، أن الجمهور لم يعد قادرًا على التمييز بسهولة بين المحتوى الحقيقي والمحتوى المولّد، خصوصًا مع تقدّم تقنيات المحتوى العميق التزييف (Deepfake). أو المحتوى المضلل (Misleading Content)، في حين أن الناس لم يكتسبوا بعد الثقافة والوعي اللذين يمكنانهم من هذا التمييز. وتبرز هنا أمثلة عالمية كثيرة على المحتوى المزيف الذي استهدف الناخبين نفسيًا، وأثر على خياراتهم وساهم في نشر الأخبار الكاذبة وتقديمها على أنها حقائق، منها: الاتصال المزوّر بصوت بايدن في نيوهامبشير، الصور المفبركة التي أظهرت ترامب يعانق الدكتور فاوتشي، وفيديو مفبرك لمرشح في الهند وهو يرقص. وتحذر عازار من توجه بعض الحملات إلى نشر محتوى يثير الغضب والخوف بهدف رفع مستوى التفاعل عند الناخبين، حتى لو كان هذا المحتوى مضللًا.
كما تشير إلى أن بعض الإعلانات الانتخابية تصوّر بصور تبدو واقعية، لكنها مولّدة بالكامل بالذكاء الاصطناعي، وفي حين يجب التصريح قانونيًا عن الإعلانات المولدة بالذكاء الاصطناعي، إلا أنه لم يتم الالتزام بهذه القوانين، وتم استخدام الإعلانات الانتخابية المولّدة دون التصريح بذلك. كذلك عملت وسائط الذكاء الاصطناعي على توليد محتوى يعتمد على السخرية مثل الـ MIMES أي الصور التي يتم تحريكها بشكل ساخر كجعل ترامب مثلًا يرقص، أو تركيب رأس مشوّه على جسد مرشح، وغير ذلك من صور ساخرة استعملت في الحملات الانتخابية، وكان لها تأثير على صورة بعض المرشحين ورأي الناخبين بهم. علمًا، أن تأثير هذا المحتوى يزداد مع تكرار عرضه أو ما يعرف بالماتراكاج...
البيانات الاصطناعية وخطر المعلومات الخاطئة
من أهم ما يجب توضيحه إلى كل مستخدمي الذكاء الاصطناعي، أن نماذج هذا الذكاء لا تعتمد فقط على البيانات أو المعلومات الواقعية، بل تنتج أيضًا البيانات الاصطناعية (Synthetic Data)، وهي معلومات تبتكرها النماذج لتكملة تدريبها. ومع استخدام مئات الملايين من الأشخاص أدوات الذكاء الاصطناعي أسبوعيًا، تختلط المعلومات الصحيحة بالمحتوى الذي قد يكون غير دقيق أو خاطئًا. ومن هنا، فإن الناخب الذي يلجأ إلى الذكاء الاصطناعي لمعرفة معلومات عن المرشح قد تصله معلومات غير حقيقية يبني عليها رأيه وموقفه بحزم. وتزداد خطورة الأمر حين نعلم أن جزءًا كبيرًامن الجيل الجديد يلجأ اليوم مباشرة إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي للحصول على المعلومات، بدل محركات البحث التقليدية مثل غوغل وغيره، ومع انتشار الهلوسات والأخطاء والمفاهيم المضلّلة، يصبح من الضروري التعامل مع هذه المعلومات بحذر شديد وعدم تقبل الأجوبة كأنها حقائق مطلقة دون التشكيك فيها والتدقيق والتمحيص للتأكد من صوابيتها.
الهجمات السيبرانية والملفات الحساسة
تكرّ سبحة الانتهاكات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، وأخطرها ما يعرف بالـ Cyber Attack أو الهجوم السيبراني. وترى عازار أن الهجمات السيبرانية أصبحت اليوم أكثر انتشارًا، وقد سهّل الذكاء الاصطناعي إنتاج الشيفرات الخبيثة وجعل كتابتها أسرع وأسهل، لكن يبقى نجاح الهجمات السيبرانية مرتبطًا بالثغرات الأمنية وسوء الحماية. من هنا، يبدو التشفير Encryption كما تشرح عازار، خطوة أساسية للحفاظ على البيانات، لكنه ليس كافيًا وحده. وهناك العديد من الاحتياطات السيبرانية الضرورية التي يجب على المرشحين أخذها في الاعتبار، ورغم أن هذا المقال ليس المكان المناسب للتوسع فيها، إلا أن الأمن السيبراني يجب أن يكون في صلب أولويات المرشح لأن البيانات اليوم أكثر عرضة للاختراق من أي وقت مضى.
الاستهداف الرقمي حصان المرشحين الرابح
في مقابل المخاطر والتحديات التي تم ذكرها سابقًا، يفتح الذكاء الاصطناعي فرصًا إيجابية واعدة يمكن أن تساهم في رفع مستوى العملية الانتخابية إذا ما استخدم بشكل مسؤول. فهو يقدم للمرشحين أدوات قوية وفعالة تساعدهم في الوصول إلى الناخبين. فبإمكان الحملات اليوم، استخدام الاستهداف الدقيق (Micro-targeting) للتوجه إلى شرائح محددة من الناخبين بناءً على اهتماماتهم وسلوكهم الرقمي، أي وفق ما يحبونه ويتابعونه على وسائل التواصل الاجتماعي عادة. ويمكن للمرشحين الإفادة من المعلومات العلنية التي ينشرها الناس على وسائل التواصل لتقوم وسائط الذكاء الاصطناعي بتحليل بيانات ملايين الناخبين لاستهدافهم بحملات تسويقية موجهة وتصميم رسائل واقعية وخطابات تلامس همومهم، بدل الاكتفاء بالشعارات العامة .
وهنا يبرز سؤالان مهمان، يرتبطان بالحملات الإعلانية الانتخابية: هل يلحظ قانون الانتخاب تكلفة الإعلانات على وسائل التواصل؟ وهل تدخل ضمن التزام المرشح بسقف الإنفاق الذي يحدده قانون الانتخاب؟ ففي أميركا، لم تستطع القوانين حتى اليوم مواكبة هذه التطورات، فهل يستطيع القانون اللبناني مواكبتها وكبح المخالفات؟ أم أنها ستصبح مجالاً مفتوحًا لحملات انتخابية يستغلها المرشحون العالمون بخفايا الذكاء الاصطناعي والخوارزميات، على حساب سواهم من المرشحين الذين لا يزالون يعتمدون الوسائط التقليدية في حملاتهم؟
أنت لا تفكر...
على الصعيد الشخصي، صار المرشح الذكي والأقل ذكاءً قادرًا على الاستعانة بالذكاء الاصطناعي لكتابة خطابات قادرة على إصابة هدفها. فأدوات الذكاء الاصطناعي، تقوم بعملية مسح أو تفحص لكل المنشورات على وسائل التواصل، وتحليل المزاج الشعبي الذي تعكسه، وذلك بكبسة زر واحدة، بحيث يصبح المرشح قادرًا على محاكاة هذا المزاج، وتقديم ما يطلبه عبر خطابات قد يساعده الذكاء الاصطناعي في صياغتها.
من جهة أخرى، بات بإمكان المرشح استخدام الوكلاء الأذكياء (Agentic AI)، وفق ما تشرح عازار، حيث يمكن لهذه الوسائل المولدة بالذكاء الاصطناعي، الرد على أسئلة الناخبين بصوت إنساني طبيعي ودقة عالية، ما يخفف الحاجة إلى ماكينة انتخابية كبيرة وتدريب أشخاص للرد على الأسئلة أو التواصل الهاتفي مع الناس لنشر أخبار المرشح. ويمكن لعملاء الذكاء الاصطناعي Agenting AI، تولي هذه المهمة بفعالية وسرعة وبانطباع واقعي تمامًا.
لكن رغم هذه القدرات، يبقى كون الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي يُفقد المرشح جزءًا من إنسانيته وبصمته الشخصية، لأن الذكاء الاصطناعي يعمل بالاحتمالات، بينما الخطاب السياسي الحقيقي يحتاج إلى الحضور الإنساني والقدرة الخلاقة... من هنا، فالنصيحة الأهم لكافة المرشحين ألّا يتكلوا كليًا على الذكاء الاصطناعي في كتابة خطاباتهم وإدارة حملاتهم، وأن يبقى الإنسان هو محور حركتهم.
كلفة أقل ورقابة أفعل
من أفضل مساهمات الذكاء الاصطناعي التي يمكن للبنان استغلالها في انتخاباته النيابية المقبلة، ترشيد إدارة الحملات في بلد بات يفتقر إلى المال الانتخابي الذي كان يغرقه سابقًا. فالذكاء الاصطناعي، قادر وبلا كلفة تذكر، على تنظيم وجدولة الأنشطة واللقاءات للمرشحين، وتحديد المناطق التي تحتاج إلى حضور أكبر أو جهود توعية إضافية. وخلال العمليات الانتخابية، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في وضع لوائح الناخبين والتحقق منها، وعد الأصوات في ما بعد والمساهمة في إصدار النتائج. ولكن السؤال الذي يطرح هنا: هل يمكن الثقة 100 % بنتائج استخرجها الذكاء الاصطناعي؟ وهل يمكن تحصين النتائج من الاعتداءات السيبرانية كما تسأل الاختصاصية في هذا المجال ريما عازار؟
من جهة أخرى، يمكن أن تكون أدوات الذكاء الاصطناعي وسيلة في يد هيئات الرقابة ومؤسسات المجتمع المدني لكشف الأخبار الكاذبة والتضليل. وبالتالي، تحصين الناخبين من الحملات المضللة. ويمكن لهذه الأدوات أيضًا، أن تستخدم في تحليل البيانات المتعلقة بالتمويل الانتخابي والإنفاق الإعلاني وكشفها للناس، بدل أن تبقى أسرارًا مخفية ومخالفة للقانون في أحيان كثيرة.
ختامً، يبقى التفكير النقدي السلاح الوحيد المتبقي. فالناخب، مطالب بالتشكيك بكل ما يصله من محتوى قبل اعتماده، والمرشح، مطالب بالحفاظ على صوته الحقيقي، وألّا يسمح للذكاء الاصطناعي بأن يحلّ مكان حضوره الإنساني.
زيزي إسطفان - "نداء الوطن"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|