هل تحوّلت "الضربة" إلى مفاوضات؟
تدلّ المؤشرات المتسارعة، إلى أنّ واشنطن دخلت مرحلة جديدة من إدارة الملفَّين اللبناني والسوري، قائمة على ضبط الاندفاعة العسكرية الإسرائيلية، وفرض مقاربة أكثر توازناً، تمنع انفلات الجبهات نحو حرب واسعة. ويعكس ذلك تحوّلاً في التفكير الاستراتيجي للإدارة الأميركية، التي باتت ترى أنّ التصعيد غير المنضبط قد يُقوّض مصالحها في الشرق الأوسط، ويمنح خصومها الإقليميِّين هامش حركة إضافياً، وعلى رأسهم إيران وروسيا.
البداية جاءت من الجولان السوري، حيث وجّه الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسالة واضحة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، شدّد فيها على وقف التمدّد العسكري في بلدة «بيت جن»، وفتح قناة حوار جدّي مع دمشق.
هذه الإشارة، التي بدت للوهلة الأولى تقنية، سرعان ما اتضح أنّها تعكس قراراً أميركياً بكبح أي محاولة إسرائيلية لتغيير قواعد اللعبة شمالاً، خصوصاً في ظل حساسية التوازنات بين موسكو وطهران ودمشق.
لكنّ التطوّر الأبرز حصل على الجبهة اللبنانية، حيث عُيّن السفير سيمون كرم رئيساً للوفد اللبناني في لجنة الرقابة على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، مقابل تعيين أوري رزنك ممثلاً عن مجلس الأمن القومي الإسرائيلي. هذه الخطوة تُعدّ اختراقاً ديبلوماسياً مهمّاً، لأنّها تُعيد قنوات التواصل العسكرية - ولو بحدّها الأدنى - إلى إطار منظّم، وتؤسِّس لآلية تمنع الانحدار السريع إلى مواجهة واسعة.
وتحرص الدولة اللبنانية، بقيادة رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، على تجريد هذه الآلية من أي دلالة سياسية يمكن أن تُفسَّر كتطبيع. وأكّد سلام صراحة، أنّ ما يجري ليس محادثات سلام، بل التزاماً بإطار عسكري - تقني، لا يمسّ بالموقف الوطني الثابت بأنّ التطبيع رهين تسوية شاملة.
ومع ذلك، فإنّ قبول بيروت بمفاوضات تحمل سمات سياسية ولو مواربة، يعكس إدراكاً لبنانياً بأنّ الانسداد قد يُصبح مكلفاً، وأنّ الخيارات أصبحت محصورة بين هدنة طويلة الأمد أو حرب يصعب احتواء تداعياتها.
ويبرز هنا دور السفير كرم، المعروف بانتقاداته لـ»حزب الله»، وباقتناعه أنّ المسار الديبلوماسي هو الخيار الوحيد الواقعي في ظل ميزان القوى الحالي. هذا التوجّه تعزّز بالرسائل العربية ـ السعودية والمصرية والقطرية - التي حضّت بيروت على الانخراط في مسار تفاوضي يُخفِّف التوتر، بالتوازي مع ضغوط أميركية واضحة عبّر عنها المبعوث السابق توم برّاك، حين أبلغ إلى المسؤولين اللبنانيِّين أنّ واشنطن لن تتدخّل إن بقِيَت الدولة عاجزة والقرار العسكري خارج قبضتها، لكنّها مستعدّة لممارسة ضغط جدّي على إسرائيل إذا أبدى لبنان استعداداً للتفاوض.
وفي قراءة للمرحلة المقبلة، يبدو أنّ على إسرائيل أن تتخلّى عن منهجية «التفاوض تحت النار»، التي أثبتت عجزها عن فرض وقائع جديدة، فيما يُطلب من لبنان إظهار جدّية في بسط سلطة الدولة جنوباً، بما في ذلك معالجة ملف السلاح غير الشرعي. أمّا في ما يتعلّق بالشمال والبقاع، فالمؤشرات تفيد أنّ المجتمع الدولي يمنح بيروت مهلة إضافية لإنتاج تفاهمات داخلية، قبل الانتقال إلى أي التزامات ميدانية.
غير أنّ معركة إعادة الإعمار مرشحة لتكون جبهة سياسية موازية. فمع اقتراب الانتخابات النيابية، يتحوّل ملف التعويضات وإعادة البناء ساحة تنافس بين الحكومة و»حزب الله»، الذي سارع إلى التعهّد بتعويض المتضرّرين. السيطرة على ورشة الإعمار ستكون عاملاً حاسماً في موازين القوى المقبلة، لأنّها ترتبط مباشرة بوجدان الشارع الجنوبي وقدرته على الصمود.
وتشير التوقعات، إلى أنّ نجاح المسار التفاوضي، يتطلّب من إسرائيل تقديم خطوات ملموسة: الانسحاب من المواقع المتبقية، إطلاق دفعات من المعتقلين، والسماح بعودة النازحين إلى قراهم. وحدها هذه الإجراءات تُتيح للجيش اللبناني الانتشار الكامل، وتُعيد للدولة جزءاً من هيبتها في مناطق بقيت لعقود خارج السيطرة.
في المحصلة، يبدو أنّ واشنطن تسعى إلى صوغ مرحلة انتقالية جديدة في لبنان وسوريا، يكون عنوانها المركزي: تجميد الجبهات، فتح نافذة تفاوض، وإعادة ضبط الإيقاع الإسرائيلي بما يخدم استقراراً نسبياً يسبق ترتيبات إقليمية أكبر.
مرلين وهبة - الجمهورية
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|