بتشريع حكومي: بالأسماء هؤلاء يعتدون على الأملاك البحرية
شرّعت حكومات ما بعد الحرب الأهلية الاعتداء على الأملاك العامة، لا سيّما البحرية منها. وبصورة مباشرة، هناك نحو 1200 مشروعاً مخالفاً على طول الشاطىء، منها 56 مشروعاً فقط لديه مرسوماً بإشغال المساحة العامة، ومن بين المشاريع المرخّصة 33 مشروعاً توسَّعَ ليعتدي على مساحات إضافية بمئات وآلاف الأمتار.
على أنّ فتح ملف الاعتداء على الاملاك البحرية، يستدعي تحديد هوية المعتدين، والذي يشكِّل مدخلاً للوصول إلى شبكة علاقات تحاصصية بين القوى السياسية التي تتحكّم بالسلطة، والتي تمرّر لبعضها مراسيم الإشغال وتساعد بعضها على غضّ البصر وكفّ يد الأجهزة الرقابية عن المخالفات وإزالتها والتمهيد لاستعادة الدولة أملاكها ومكاسبها العامة.
من الشمال إلى الجنوب
تماهى الكثير من اللبنانيين مع الاعتداءات على الأملاك البحرية؛ إذ يظن البعض أنّ فخامة المشاريع السياحية وازدهار نشاطها وارتياد بعض أركان السلطة لها، دليل على قانونيّتها، في حين أنّ التدقيق بمسار استحصالها على الترخيص، يفضي إمّا لعدم وجود الترخيص، أو إلى التمدّد خارج المساحات والأنشطة المشرَّعة في مرسوم الإشغال الصادر عن مجلس الوزراء.
أبرز تلك المشاريع، منتجع "بالما" السياحي في منطقة البحصاص في طرابلس. فبعد استحصال شركة "بالما" في العام 1983 على المرسوم رقم 943 الذي أجاز لها إشغال أملاك عمومية بحرية بمساحة 59140 متراً مربّعاً، بهدف إنشاء مرفأ خاص لليخوت ومنطقة محمية للسباحة، امتدّت تلك المساحة خلافاً للمرسوم، إلى 76140 متراً مربّعاً.
في البترون على سبيل المثال، هناك مشاريع مخالفة، منها على سبيل المثال لا الحصر Blue Bay وOrchid Resort وهما مشروعان يحملان مخالفات تمتد بين إعاقة الوصول إلى الشاطىء وصولاً إلى مخالفات البناء.
أيضاً، هناك مشروع "إيدين باي" في منطقة الرملة البيضاء في بيروت، والذي يحمل عدّة مخالفات تندرج وفق تقرير لنقيب المهندسين السابق جاد ثابت، تحت إطار مخالفات البناء على العقار رقم 3689، ومخالفات ارتكبت بعد الاستحصال على رخصة البناء وتنفيذ المشروع، ومنها ما يتعلّق بالخرائط والمساحات والارتفاعات عن مستوى سطح البحر.
جنوباً، تُعَدّ مدينة صور مقصداً سياحياً مهمّاً، وتُسَجَّل فيها أيضاً وجود مشاريع تعتدي على الأملاك البحرية، منها منتجع "ريست هاوس" Rest house، وتنطلق مخالفته بدءاً من تشييده على الشاطىء العام. وقريباً منه، هناك مشروع "جفتلك – رأس العين"، وهو اسم المنطقة التي يقام عليها مشروع يهدف إلى بناء محال تجارية ومطاعم وشقق سكنية، وذلك على موقع يضرّ بمحمية طبيعية ومنطقة أثرية بامتياز.
ليست هذه المشاريع وحدها التي تعتدي على الأملاك العامة البحرية؛ بل هي عيّنة لمشاريع كبرى. لكن على أرض الواقع "كلّ المطاعم والمقاهي والمؤسسات التي تقع على الخط البحري، مخالفة للقانون، بدءاً من حجبها للمشهد البحري وإعاقتها الوصول إلى الشاطىء، وصولاً إلى المخالفة في البناء والمساحات وغير ذلك"، وفق محمد أيوب، رئيس جمعية "نحن" التي تعنى بمتابعة ملف الأملاك العامة.
ووفق ما يقوله أيوب لـِ "المدن"، فإنّ "المنتجعات التي اعتاد الناس وجودها في خلدة والدامور والأوزاعي وغيرها، هي منتجعات مخالفة، ولا يهم حجم التعدّي، لأنه يبقى تعدياً على الأملاك العامة". ويعتبر أيوب أنّ "الاعتداء على الأملاك العامة لا يتّصل فقط بالمسألة البيئية أو بحقوق الدولة المالية أو سيادتها على أملاكها؛ بل يتعلّق بالإرث والممارسة الثقافية للناس". وبالتالي، يرفض أيوب تضمين تراخيص المشاريع المبنية على الشواطىء، دراسة الأثر البيئي لتلك المشاريع "فلا يمكن البناء على الشاطىء إلاّ لمشاريع الخدمة العامة التي تقوم بها الدولة".
الحكومات تشرِّع الاعتداء
الاعتداء على الأملاك البحرية مشرَّعٌ بطريقتين أساسيتين، إما بالتغاضي عن الإشغال غير القانوني، أو بالتغاضي عن توسيع المساحات المشرَّع إشغالها بموجب المراسيم. والمستغرب بحسب أيوب "إعطاء وزارة الأشغال العامة تراخيص صيانة لمشاريع مخالفة. وبحجة الصيانة، تتوسّع تلك المشاريع وتكبر".
ومن جهته، رأى المحامي نزار صاغية، أنّ "الحكومات تجاوزت القوانين وقرارات المجلس الأعلى للتنظيم المدني" لتغضّ الطرف عن المشاريع المخالِفة. على أنّ "التدقيق بأسماء المستفيدين، يكشف سبب التجاوز". وعليه، فإنّ المشاريع المخالفة على طول الشاطىء، تحظى بغطاء من "قوى الأمر الواقع"، كلٌّ وفق منطقة نفوذه.
وبالرغم من قوّة النفوذ المتنامي منذ انتهاء الحرب الأهلية، إلاّ أنّ صاغية يعبّر عن تفاؤله باستعادة بعض الأملاك العامة. ويبني تفاؤله على إصدار مجلس شورى الدولة قراراً بـِ "إبطال مرسوم إشغال الأملاك البحرية المتعلّق بمشروع "دريم" في منطقة الزوق، وهي دعوى مقدّمة في العام 2013 إلى جانب دعوى ضد مشروع آخر في الناعمة. ورَفَضَ المجلس في العام 2021 إبطال إشغال مشروع الناعمة بحجّة أنّ الجمعيات البيئية التي رفعت الدعوى، ليست ذات اختصاص". لكن في العام 2025 "تغيَّرَ اجتهاد المجلس في مثل هذه القضايا"، وفق ما أوضحه صاغية لـِ "المدن".
وفي مؤتمر صحافي عقد أمس للإعلان عن قرار المجلس، أكّد صاغية أنّ هذا القرار "لا يهدف إلى استعادة المساحة التي يشغلها مشروع "دريم" فقط، بل أيضاً يهدف إلى القطع مع نظام الاستيلاء على البحر". ولفت صاغية النظر إلى أنّ "مشروع دريم يعود لشركة دريم التي يملك فيها داني خوري 90 في المئة من الأسهم، فيما مشروع الناعمة يعود لرجل الأعمال جهاد العرب، وهما شخصان مقرّبان من جهات سياسية في الحكم، ولذلك فإنّ الطعن بأحد المشروعين هو طعن بنظام المحاصصة التي تحصل من خلال مؤسسات الدولة".
ويحمّل صاغية الحكومة مسؤولية استمرار الأزمة. ولذلك، عليها "قبول قرارات التنظيم المدني الذي يعتبر جهازاً فنياً داخل الدولة ويفترض به العمل بطريقة محايدة وأن يطبّق القانون، في حين لا يعود لجهاز سياسي، وهو الحكومة، أن يتعامل مع البحر كأنه غنيمة تتقاسمها قوى الأمر الواقع".
وينتظر صاغية أن تتحمّل وزارة الأشغال العامة والنقل مسؤوليتها تجاه "إخلاء الإشغالات المخالفة". وعلى الحكومة "إعادة دراسة شرعية المراسيم الممنوحة. خصوصاً أنّ مرسوم إشغال الأملاك البحرية يصدر لسنة واحدة، ويمكن للدولة استعادة مساحة المشروع بمجرّد تثبيت المصلحة العامة من إزالته، وبالتالي تستطيع الدولة استعادة أملاكها من دون أي تعويض لشاغل تلك المساحة".
قضية الأملاك العامة وعلى رأسها الأملاك البحرية، أبعد من مسألة مخالفة القانون. بل هي قضية نظرة الدولة لأملاكها وشعبها، وكيف توظَّف تلك الأملاك لتحقيق المصلحة العامة، وهو تماماً ما يحصل راهناً، من استغلال للسلطة بهدف تثبيت منفعة خاصة على حساب الفضاء العام. وبالرغم من إصدار الحكومة الحالية في نيسان الماضي، قراراً باسترداد ثلاثة مراسيم كانت أصدرتها حكومة تصريف الأعمال التي ترأسها الرئيس السابق نجيب ميقاتي، وتتعلّق بتشريع إشغال عشرات الآلاف من الأمتار على الشاطىء، في مناطق رأس مسقا – البحصاص، ذوق بحنين – عكار والقْلَيلة – صور، إلاّ أن النفوذ السياسي يعوق الوصول إلى حلول تغيّر الواقع؛ إذ إنّ الخصم هو نفسه الحَكَم المفترض به الركون إلى القانون وتطبيقه.
خضر حسان - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|