خدعة التفاوض... نتنياهو والغاز!
بعثت إسرائيل تعليقها الأول على تنفيذ لبنان شرط تطعيم آلية المراقبة "الميكانزم" بعنصر مدني وهو السفير اللبناني السابق سيمون كرم، إذ أوعزت إلى طيرانها الحربي تدمير أربعة منازل في أربع بلدات جنوبية مختلفة أمس. ويُسجَّل أن هذا العدوان الإسرائيلي يأتي للمرة الثانية على التوالي خلال انعقاد مجلس الوزراء لبحث تقرير الجيش حول حصرية السلاح.
تفاوض تحت النار
كانت المعطيات تشير إلى هدوءٍ ما على الجبهة، قبل أن تقرر إسرائيل إعادة تسخين الخطوط عبر شنّ ضربات توزّعت بين شمال وجنوب الليطاني. الرسالة الأولى المفهومة من جراء الضربات هي أن إسرائيل عازمة على التفاوض مع لبنان "تحت النار"، على نحوٍ يشبه مقاربتها لغزّة أو سوريا. وإذا كان خيارها بتجميد التلويح بالحرب الشاملة مؤقتاً أو التخفيف من التهديد، فإن قرارها المعلن هو بتكثيف ضرباتها التي باتت شبه أسبوعيةً في الجنوب، بعد ضمّ منازل المدنيين إلى قائمة الأهداف التي كانت سابقاً محصورة بالهضاب والتلال والأودية.
وقد شكّلت الضربات الأخيرة "صدمة" لدى المسؤولين اللبنانيين، لا بسبب حصولها بل لتزامنها مع قرار لبنان تطعيم "الميكانزم" بمدني مع احتمال رفع العدد لاحقاً. وقال مصدر سياسي بارز لـ"ليبانون ديبايت" إن طريقة تصرّف إسرائيل تظهر مدى اهتمامها بالحصول على نتائج من "الحوار" الذي تُدفَع بيروت نحوه بدعي خارجي، "فاتيكاني" تحديداً!
ترقب لموقف قاسم
عملياً، لم يُنزَع بعد فتيل القرار الحكومي بتعيين السفير السابق سيمون كرم، عضواً مدنياً ورئيساً للوفد إلى "الميكانيزم". ولبنان على موعد اليوم مع موقف حزب الله على لسان أمينه العام الشيخ نعيم قاسم. وكما بات معروفاً، عبّر الحزب عن انزعاجه من القرار لكن من دون صدمة، لكونه كان في صورة التوجهات قبل ساعات من اتخاذ القرار.
يؤكد مصدر سياسي أنّ رئاسة الجمهورية أرسلت إلى الحزب رسالة تُطلعه على خلفية القرار، باعتباره معنياً مباشراً، ولتفادي اتهامها بممارسة تفوّق سياسي عليه. لكن الحزب فضّل عدم التعليق، تاركاً ذلك إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي وافق على الإطار والشكل انسجاماً مع مواقف سابقة له حول تفضيل توسيع الـ"ميكانيزم" لأجل الدخول في عملية تفاوض غير مباشرة. لكن بري عاد واشترط وضع إطار عمل يمنع الاجتهاد في مهمة المندوب اللبناني.
ولا يبدو أن الحراك الشيعي – الشيعي جاء "مسلوقاً"، بل إنّ الأجواء تفيد بأن القرار اللبناني بشأن تطعيم الميكانزم كان موضع بحث في دوائر مغلقة منذ ما قبل طرح المبادرة المصرية.
وينقل في بيروت أن المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب، النائب علي حسن خليل، الذي زار طهران قبل أسابيع للمشاركة في مؤتمر سياسي – اجتماعي، ناقش مع الإيرانيين بعض الخطوات اللبنانية المتصلة بمقترحات التفاوض، في محاولة لاستطلاع موقف طهران خشية تأثيره على أي مسار. لكن بدا واضحاً أنّ إيران وضعت الكرة في عهدة اللبنانيين من الشيعة.
ولا بد من الإشارة إلى كون المداولات استمرت بين الرؤساء الثلاثة حتى أثناء وجود البابا لاوون الرابع عشر في بيروت، والذي سبق لـ"ليبانون ديبايت"، أن أشار يوم الأثنين الماضي إلى أن البابا منح "بركته" لرئاسة الجمهورية، ما شُكّل غطاءً دفعه للانطلاق بمسعاه بعد يوم من مغادرته.
كسر للحرمات
على أي حال، لا يمكن اعتبار المسار الحالي الذي افتُتح بإدخال مدنيين إلى "الميكانزم" نهائياً، بل يقترب من سياسة "كسر الحرمات" عبر التدرج في التفاوض.
وحتى لو حاول المسؤولون اللبنانيون نفي ذلك أو حصر المسار بطابعه التقني المتصل بتفاهمات حول الانسحاب الإسرائيلي من النقاط المحتلة وإطلاق الأسرى، فإن ملفات من هذا النوع تحتاج إلى سلطة قرار أعلى من رتبة سفير وذات تفويض أوسع حتى يجري حسمها. مما يعني أن المسار المراد البناء عليه اليوم، لا بد أن يصل إلى تفاوض مباشر بعد حين. لذلك، ثمة تقدير في بيروت بأن "الميكانزم" سيكون عرضة لتنقيحات دورياً، وكلما إستدعى الأمر ذلك أو إرتفعت قيمة التفاوض، بشخصيات مدنية ذات اختصاصات محددة لتوفير ظروف البحث، بما يعيد إلى الواجهة ما طرحته مورغان أورتاغوس حول تشكيل لجان متخصصة.
ماذا يقصد نتنياهو؟
القضية الأساسية التي "قبض" بها بنيامين نتنياهو على اللبنانيين، فهي زعمه أن التفاوض "المباشر" كما وصفه، يهدف لإيجاد أرضية اتفاق حول مسائل اقتصادية مشتركة. والحقيقة أن ما يصبو إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي يتمحور حول عاملين:
1.إيجاد آلية اتفاق حول شكل "المنطقة العازلة" المدرجة في مشروع الرئيس دونالد ترامب كـ"منطقة اقتصادية" في جنوب لبنان، مقرونة بترتيبات أمنية بين البلدين شبيهة بما طُبق في سوريا.
2.مشاريع الغاز.
فالكل يعلم أن تصريحات الوزير يسرائيل كاتس حول إدخال تعديلات على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية (2022) تنطلق من مقاربة نتنياهو، الذي يرى أن هذا الملف يخضع لإعادة بحث شاملة. وبالتالي، لا تبدو غايته تعديل الخط الحدودي بقدر ما هي ضمان حقوق إسرائيلية في تقاسم بعض الحقول المتداخلة، ولا سيما في البلوك 8، وإيجاد اتفاق إطار يحدد كيفية عبور خطوط التصدير الإسرائيلية وحصة لبنان منها. فعندما يقرر نتنياهو التفاوض اقتصادياً في لحظة ضعف لبنانية، فهذا يعني أنه يسعى لانتزاع خصائص يمتلكها لبنان عبر أي خط غازي أو تقاسم موارد.
العودة إلى الحرب؟
نتنياهو الذي التزم بالقرار الأميركي وقبل بضمّ مدني إلى التفاوض ـ وربما أكثر لاحقاً ـ لن يتخلى عن التلويح بالحرب الشاملة عند كل مفترق على طول "مشوار" التفاوض مع لبنان، للحصول على مكاسب، كما فعل في المرحلة الأخيرة حين لوّح بالحرب قبل أن ينخرط في آلية تفاوض!
وعلى المنوال ذاته، قد لا يشكل التفاوض المطروح مخرجاً، بل ربما يزيد الأمور تعقيداً، خصوصاً عندما يحين وقت طرح الملفات الأساسية والحساسة على الطاولة. وهنا، لا يستوي وضع لبنان مع إسرائيل حيث التوازن منعدم. فإسرائيل تفاوض وخلفها جيش من طائراF-35 ودبابات الميركافا وكتيبة مسيرات متطورة، فيما يملك لبنان جيشاً من الخطب ومطلقي الوعود، بلا قدرة على تحريك ورقة واحدة.
عبد الله قمح - ليبانون ديبايت
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|