بالفيديو- "أُعجبتُ بعطرِك"... مورغان أورتاغوس تتجنب سؤالاً عن الحرب في لبنان خلال زيارة بري
ما سر مدح ترامب المستمر للرئيس الشرع؟
برزت خلال الأشهر الأخيرة سلسلة من التصريحات الداعمة من دونالد ترامب للرئيس السوري أحمد الشرع، بلغت حدّ وصفه بـِ "القائد الواعي" و"الرجل الذي يمكن العمل معه"، في لغةٍ تكاد تكون غير مسبوقة من رجلٍ بنى جزءاً من شرعيته السياسية على محاربة "الأنظمة المارقة".
ما بدا في البداية تلميحاً، تحوّل تدريجياً إلى خطابٍ صريح، أثار حفيظة أطراف إقليمية عدة، ودفع مراقبين إلى طرح أسئلة جوهرية: ما السر في مدح ترامب المستمر للرئيس الشرع؟ وما السر في هذا التحوّل؟ وهل نحن أمام علاقة تكتيكية عابرة، أم استراتيجية دائمة؟
ليست مشاعر بل حسابات
يؤكد مراقبون أن "العواطف والمشاعر ليس لها محل في مصالح الدول، فما بالك بأميركا"، وأن ما يجري لا يُفسَّر إلا بمعادلةٍ باردة: المنفعة المتبادلة، فالسياسة السورية في عهد الشرع، كما يُشار إليها، أضحت "ناجحة بمعايير الواقعية"، لأنّها تحوّلت من الدفاع الأيديولوجي إلى إدارة الملفات بمنظور اقتصادي- جيوسياسي متوازن.
فمن جهة، تجاوزت دمشق مرحلة العزلة عبر إعادة بناء علاقاتها مع دول الخليج ومعظم العواصم الأوروبية، ونجحت، ولو جزئياً، في كسر الحصار عبر ممرات تجارية بديلة وشراكات استثمارية ذكية، أبرزها مع شركات طاقة غربية بدأت تستكشف حقول غاز في الساحل السوري.
ومن جهة ثانية، تقدّم سوريا نفسها اليوم كـَ "حاجز طبيعي" أمام النفوذ الإيراني في بلاد الشام، لا عبر الخطاب فقط؛ بل عبر حركة عسكرية وسياسية ملموسة: سحب وحدات استشارية إيرانية من مناطق استراتيجية، وإعادة هيكلة بعض الفصائل المحلية، وتعاون أمني متزايد مع أجهزة غربية في ملف مكافحة الإرهاب وتدفقات المخدرات.
وقال الدكتور سامر الصفدي، استشاري التحالف السوري الأميركي للسلام والإزدهار، في حديث لـِ "المدن": "يُعزى دفاع الرئيس دونالد ترامب عن نظيره السوري أحمد الشرع إلى عدة أسباب رئيسة، أولها وأهمها العلاقة الشخصية الوطيدة التي نشأت بينهما منذ لقائهما الأول في الرياض، والرئيس ترامب، بطبيعة خلفيته كرجل أعمال اعتاد عقد الصفقات، يُولي أهمية كبرى للعلاقات الشخصية المباشرة مع القادة الآخرين، فقد أُعجب ترامب منذ اللحظة الأولى بشخصية أحمد الشرع القوية والجذابة، وتطورت بينهما علاقة ودية ممتازة منذ ذلك اللقاء، ثم توطدت أكثر في لقاءات لاحقة عقدت في نيويورك وواشنطن".
وتابع: "إضافة إلى هذه العلاقة الشخصية المتميزة، يرى ترامب في الشرع رجلاً ذا مبادئ راسخة وشخصية قوية، وهو ما يتماشى مع قيم ترامب السياسية والشخصية، وقد عبّر ترامب عن ذلك صراحة بتسميته الشرع (قائداً قوياً جداً) و(بطلاً)، مؤكداً رغبته في دعم سوريا بقيادته ومساعدتها على أن تصبح دولة مزدهرة وناجحة".
وأضاف: "أما على الصعيد الاستراتيجي، فإن الولايات المتحدة ترى في سوريا الجديدة بقيادة أحمد الشرع جزءاً أساسياً من رؤيتها لشرق أوسط جديد، يسعى ترامب لبنائه، وبالتالي ووفق هذه الرؤية، ستكون سوريا حليفاً استراتيجياً مهماً للولايات المتحدة في المنطقة، تساهم في تحقيق الأهداف الأمريكية الكبرى، وأبرزها: قطع النفوذ الإيراني تماماً في سوريا والمنطقة، استكمال مكافحة تنظيم داعش والقضاء عليه نهائياً، إزالة النفوذ الروسي والصيني تدريجياً، بناء علاقة تحالفية طويلة الأمد ومستدامة مع سوريا، مواجهة ما يُسمى (المعسكر الشرقي: إيران وروسيا والصين وحلفاؤهما)، وبذلك فإن دعم ترامب لأحمد الشرع يجمع بين الإعجاب الشخصي الحقيقي والمصلحة الاستراتيجية الأميركية العميقة في إعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق رؤية جديدة تقوم على تحالفات قوية مع قادة أقوياء وموثوقين من وجهة نظر واشنطن".
الشرع.. مفتاح الشرق الأوسط الجديد
يرى محللون أن ترامب، في عودته المحتملة إلى البيت الأبيض، لا ينظر إلى الشرع كـَ "خصم سابق"؛ بل كشريك محتمل في إعادة ضبط المنطقة، وفق رؤية "أميركية أولًا" تسعى إلى "تقليل التورّط العسكري المباشر، خلق سوق استثمارية جديدة (نفط، غاز، إعادة إعمار)، بناء جدارٍ سوري-أردني- عراقي ضد التمدد الإيراني، ودفع عجلة "اتفاقيات إبراهيم" شرقاً، لتضم دمشق يوماً ما — شرط التفاوض مع إسرائيل حول الجولان.
وهو ما تلمّح إليه تصريحات الشرع في أيلول/ سبتمبر 2025، حين قال: "سوريا بنت علاقة جيدة مع أمريكا والغرب، نحن لسنا معادين لأحد، بل معادون للفوضى فقط".
ومنذ ذلك الحين، تضاعفت الاتصالات غير الرسمية بين دمشق وواشنطن، عبر قنوات أوروبية وعربية، وبرزت مؤشرات ميدانية: لقاءات استخباراتية ثنائية في عمّان وأنقرة، دعم أميركي خفي لمشاريع طاقة في طرطوس، وموافقة ضمنية على رفع بعض القيود على الوقود والمواد الأساسية، ضمن "تفاهمات هادئة" لا ترقى بعد إلى رفع العقوبات، لكنها تُمهّد لها.
من جهته، قال الدكتور عبد الباسط أبو نبوت، المختص في العلاقات الدولية في حديث لـِ "المدن": ترامب (رجل صفقات) يعتمد على علاقاته الخاصة، وبعد غياب طويل، تبحث أميركا عن علاقات جيدة مع سوريا، خصوصًا مع نظام جديد" في دمشق يتبع سياسة التوازن الدولي، فقد زار وفدها واشنطن وموسكو في شهر واحد".
وأضاف: "دمشق تقدّم ميزات للدول الكبرى في المجالات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، وواشنطن بضغط كبير من ترامب تُسارع لرفع العقوبات، وهو بلسم للحكومة السورية".
ورأى أن "الهدف: عودة الحياة الاقتصادية، ودعم السلم الأهلي وتثبيت دعائم الأمن والاستقرار"، مضيفا: "في المقابل، تنتظر دمشق أهدافاً ملموسة: استثمارات، عقود نفط وغاز، أو الضغط على قسد".
واعتبر أن "العلاقة اليوم في مرحلة بناء الثقة، وقد تستغرق سنوات، فسوريا تحافظ على توازن قواعد روسية بشروط جديدة، ومصالح صينية في خط الحرير".
وأكد أن "دمشق تسعى إلى التوفيق بين مصالح الدول الكبرى، وتحقيق أكبر قدر من الفائدة للمواطن السوري: في الإعاشة وفرص العمل ونظام التأمين الاجتماعي، ومن هنا فإن الانفتاح اقتصادي بشكل مدروس، يضمن مصالح التاجر السوري والمستثمر السوري، فالسياسة السورية متوازنة وحكيمة، وترسل رسائل إيجابية، وتدعم الاستقرار، وإذا قدّمت أميركا شروطًا أفضل من الروس أو الصينيين، فهذا موضوع نقاش".
"التسوية" تقترب لكنها هشّة
ما يعزز فرضية أن العلاقة ليست عابرة، هو تزامُن هذه التطورات مع "تباشير تسويات" إقليمية ودولية أوسع: تصريحات مسؤولين أوكرانيين حول استعدادهم لـِ "حلول وسط"، تقارب روسي-أميركي على خلفية الملف الأوكراني، ورغبة صينية في لعب دور وسيط اقتصادي في إعادة إعمار سوريا.
لكن الخبراء يحذّرون، من أن "العلاقة لا تزال قابلة للانكسار، ونجاحها يعتمد على عوامل حاسمة: قدرة دمشق على تنفيذ إصلاحات فعلية (اقتصادية وأمنية)، التزامها بمسار بعيد عن المحور الإيراني، وتقبّل الداخل الأميركي، خصوصاً الكونغرس، لأي تقارب مع نظامٍ ما زال مُصنّفاً رسمياً كداعم للإرهاب حتى منتصف 2024".
العلاقة الأميركية- السورية لم تعد تُدار في الخفاء فقط، هي اليوم على طاولة المصلحة المعلنة، لكنها لم تُختَم بعد، وما يجري بين ترامب والشرع قد يكون بداية "صفقة القرن الجديدة"، أو مجرد مقدمة لاستهلاك سياسي قصير الأمد، لكنّ الفرق بين الاحتمالين هو الوقت، والتنفيذ، وحسابات إسرائيل وإيران، وفق وجهة نظر محللين.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|