الصحافة

أيّ صفقة مع الذئاب؟!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

كما لو أنه الظن بالنيات الطيبة لدى الشيطان. انه يا فخامة الرئيس هولاكو القرن الذي لم يخرج من ثقافة العتابا والميجانا، ولا من رائعة فيروز "نحنا والقمر جيران". ذلك الشبق التوراتي الى الدم، حين يكون إلههم كما يقول النص "رب الجنود" لا "رب الملائكة". وكان يقيم، بحسب الميثولوجيا العبرية، في كهف يرشق منه السابلة بالحجارة. هو إياه الذي أوحى لأميحاي الياهو، وزير التراث، أي الأكثر دراية بالماضي اليهودي، بالقاء القنبلة النووية في غزة، وبطبيعة الحال فوق أي بلد عربي آخر. كبير الأعضاء الجمهوريين في تلة الكابيتول السناتور لندسي غراهام، رأى أن تغيير الشرق الأوسط بالرؤية (والرؤيا) التوراتية، يبدأ من اللحظة النووية!!

لكن دونالد ترامب كشخصية عقارية، لا يريد أرضاً ميتة. الأرض اليباب كما في قصيدة ت. س. اليوت الشهيرة. ويبدو أنه ملّ من الإقامة على ضفاف الكاريبي في ذلك الغرب البعيد، للانتقال الى ذلك الشرق الذي يوحي بألف ليلة وليلة، الأكثر اثارة من ليالي البيفرلي هيلز، تحديداً على ضفاف المتوسط. ومن غزة الى صور وبانياس، وهو القوس الشرق أوسطي، الذي يبغي الرئيس الأميركي انشاءه فوق قبورنا أو فوق أشلائنا...

كان رئيسنا العماد جوزف عون يأمل من تعيين السفير سيمون كرم (بالذات) رئيساً للوفد اللبناني المفاوض، والبدء بالمفاوضات، للحد من الجنون الدموي اليومي. ما حدث في اليوم الديبلوماسي، أظهر أن "زعيم الليكود" يريد من لبنان – كما من سوريا – أن يكون القهرمانة في الهيكل، بالاحتواء الاستراتيجي للبلدين، وهو الذي أخذ بنصيحة صديقه الملياردير النيويوركي الراحل شلدون ادلسون "تريد أن تكون ملك الشرق الأوسط، عليك بالغاز ثم الغاز ثم الغاز". أما نفط الخليج فهو للأميركيين.

الغاز الذي عبر اليونان الى أوروبا لا عبر تركيا، التي يقف نتنياهو في وجهها على الأرض السورية، لتوجسه من الهاجس العثماني لدى رجب طيب اردوغان. هل حقاً أن الرئيس التركي نادم الآن لأنه لم يمد اليد الى بشار الأسد؟ بعدما راهن على أن تكون سوريا مسرح الالتقاء بين أنقرة و "تل أبيب"، ما يتيح لبلاده أن تكون المحطة الرئيسية لغاز شرق وجنوب المتوسط، إضافة الى احياء التاريخ كطريق لاحياء السلطنة؟ الآن يوحي الصحافي التركي جنكيز تشاندار بأن "عنق الثعبان بات في عنق الزجاجة"!

اسرائيلياً لا فارق بين اليوم الديبلوماسي واليوم العسكري. نتوقع أن يكون الرئيس اللبناني قد صدم بعنف الغارات التي شنتها الطائرات الإسرائيلية، قبل أن يخرج الوفد اللبناني من ردهة المفاوضات، التي يصر "الإسرائيليون" أن تعقد تحت النيران. نتنياهو يريد من الميكانزم بالمهمة التقنية البحتة، أن تكون آلية العبور الى ما هو أبعد بكثير، دون أن يترك الفرصة أمام حزب الله للانسحاب من أرض المعركة. في حين تتردد في أوساط أحد الأحزاب، الذي هو في حالة من التناغم مع "تل أبيب"، أن الهدف لا يقتصر على نزع سلاح الحزب، بل ترحيل قياداته وعناصره (وحتى البيئة لحاضنة)، كما حدث للمقاتلين الفلسطينيين صيف1982.

الآن اذ يستحيل الاجتياح البري، وصولاً الى بيروت، وحتى الى القصر الجمهوري، البديل في الاجتياح الجوي الذي لا يترك أمام أي شيعي من ملاذ، الموت أو الرحيل، وهذا ما تريده قيادات حزبية وسياسية معادية للمقاومة. لا أحد أخذ بدعوة البابا لاوون الرابع عشر من أجل "تنقية القلوب"، ولا بسياسات الرؤساء صائب سلام وسليم الحص ورفيق الحريري حول وحدة لبنان ووحدة اللبنانيين.

ما يبتغيه "الإسرائيليون" تنفذه تلك القيادات على الأرض. التأجيج السياسي والطائفي على قدم وساق، حين تكون البلاد بين مهب الرياح ومهب الحرائق، والى حد الاقتراب من نقطة الزوال. الفرنسيون حذروا أكثر من مرة من "جاذبية الانتحار". ولطالما قلنا ان لبنان مثل البيت الصيني، الذي اذا سقط منه عمود سقط البيت كله. الآن، واليوميات المريرة تضغط على أرواحنا، يمكن القول أن لبنان قد يسقط حجراً حجراً، لكي يبنى الهيكل الثالث بجماجمنا لا بحجارتنا ولا بأخشابنا، كما كان يهدد الجنرال رافاييل ايتان.

لا أحد يريد الحرب سوى بنيامين نتنياهو. أما السلام فهو أقرب ما يكون الى عقد صفقة مع الذئاب. وقد لاحظنا التركيز الإسرائيلي على المسألة الاقتصادية، في غياب كامل للتوازن الاستراتيجي، وللتوازن الديبلوماسي، ناهيك عن التوازن الاقتصادي، ليغدو لبنان سوقاً للاستثمارات الإسرائيلية التي يمكن أن تبتلع لبنان، وان كان هناك من يعتبر أن المنطقة الاقتصادية التي طرحها توم براك، فوق أنقاض البلدات الحدودية المدمرة، هي بمثابة بوابة الخلاص للدولة اللبنانية، التي يمكن لها الدخول في الزمن التكنولوجي. بالحرف الواحد قال أحدهم "سنغافورة الشرق الأوسط" و"لاس فيغاس الشرق الأوسط".

ولكن أي مفاوضات تلك تحت النيران؟ هكذا يسأل الرئيس نبيه بري. لكن الشيخ نعيم قاسم الذي قال "نحن نتعاون مع الجميع لبناء الدولة وتحرير الأرض"، اعتبر أن تعيين مدني في لجنة "الميكانزم" "سقطة إضافية، تضاف الى خطيئة 5 آب (الموافقة على ورقة براك)... وقد قدمتم تنازلاً مجانياً لن يغير من موقف العدو ولا من عدوانه"، مضيفاً أن "التماهي مع إسرائيل يعني ثقب السفينة، وعندئذ سيغرق الجميع".

بطبيعة الحال هناك من يشير الى تجارب تفاوضية مماثلة جرت في أمكنة أخرى من العالم، وفي ضوء الثنائية الشهيرة لهنري كيسنجر (الحقيبة والدبابة)، ولكن كان هناك توازن نسبي في النيران بين الجانبين. أين هو التوازن بين لبنان الذي لا يملك القدرة على اطلاق رصاصة واحدة، و"إسرائيل" التي أطلقت العنان لأكثر الطائرات تطوراً ولأكثر القنابل فتكاً في العالم؟

الغريب في هذا السياق، أن هناك جهات لبنانية ما زالت تراهن على "القوة الإسرائيلية" في ارغام حزب الله على تسليم سلاحه. لا بأس أن تلاقي القوة السورية "القوة الإسرائيلية" في هذه العملية، فيما يعترف توم براك في أبو ظبي باستحالة نزع السلاح بالقوة. اذا كانت هذه قناعة دونالد ترامب، لماذا لا يضغط على نتيناهو لوقف تلك اليوميات الدموية، وترك العملية الديبلوماسية، وقد انطلقت، تأخذ مجراها؟

علينا في هذه الحال أن نعود الى كلام رئيس الحكومة الفرنسية السابق دومينيك دو فيلبان "اذا حاول سيغمند فرويد الدخول الى رأس الرئيس الأميركي، لا بد أن يعود مجنوناً من هناك". انها الشعوذة الديبلوماسية، والشعوذة الاستراتيجية. لكن العالم كله يدعو الى وقف طوفان الدم في الشرق الأوسط. لعلنا اقتربنا من النهاية...

نبيه البرجي -الديار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا