الصحافة

لودريان إلى بيروت.. للبديل الأممي لليونيفيل وضبط التوتر

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يشهد الملف اللبناني في الأسابيع الأخيرة حراكًا ديبلوماسيًا، يعكس تبدّلًا تدريجيًا في مقاربة المجتمعين الإقليمي والدولي للواقع الأمني والسياسي القائم، ولا سيما على الجبهة الجنوبية. ووفق ما أفادت مصادر ديبلوماسية فرنسية "المدن"، فإن هذا الحراك لا ينفصل عن قلق متزايد من استمرار الوضع الراهن بلا أفق، وعن محاولة منظمة لإعادة بناء إطار أكثر فاعلية لضبط الاستقرار ومنع انزلاقه نحو مسارات أكثر خطورة.

ويتجسّد هذا التحوّل في سلسلة تطورات متزامنة، أبرزها إدخال تمثيل مدني إلى لجنة الميكانيزم المعنية بمتابعة الوضع جنوب الليطاني، وعودة النقاش الدولي حول مستقبل الوجود الأممي بعد انتهاء ولاية قوات اليونيفيل نهاية العام المقبل، إلى جانب زحمة موفدين واتصالات أعادت بيروت إلى صدارة الاهتمام الديبلوماسي. وتشير أجواء باريس إلى أن هذا المسار لا يُقرأ كتحرّك ظرفي، بل كجزء من مقاربة أوسع لإعادة تقييم أدوات التدخل الدولي وحدود فاعليتها.

رسائل لودريان
في هذا السياق، تندرج زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت، الممتدة من الاثنين إلى الأربعاء، كجزء من مهمة سياسية أمنية مفتوحة كلّفه بها الرئيس إيمانويل ماكرون. ووفقاً للمصادر الدبلوماسية، فإن الهدف الأساسي للزيارة يتمثل في تثبيت المسارات المتاحة للاستقرار، وقياس مدى التزام الدولة اللبنانية بتعهداتها، وربط أي دعم دولي محتمل بمؤشرات عملية واضحة، سواء على مستوى الإصلاحات الداخلية أو في الملفات الأمنية الحساسة.
وتلفت المصادر نفسها إلى أن توقيت الزيارة ليس تفصيلاً تقنيًا، بل يعكس تقاطع ثلاثة عوامل أساسية: التطور الحاصل داخل الميكانيزم، تصاعد النقاش الدولي حول اليونيفيل وصيغ الوجود الدولي، والاقتناع المتزايد لدى باريس بأن سياسة إدارة التوتر لم تعد كافية، وأن المرحلة المقبلة تتطلب انتقالًا مدروسًا نحو تثبيت الاستقرار بشروط قابلة للتحقق تؤسس لخطوات نحو السلام.

لذلك تحمل زيارة لودريان رسائل سياسية مباشرة إلى المسؤولين اللبنانيين، تتضمن دعم الحكومة، والتشديد على ضرورة الإسراع في تنفيذ الخطوات المطلوبة، والتنويه بما تحقق في بعض الملفات، ولا سيما تعزيز دور الجيش اللبناني وضرورة إنجاز مهمة حصر السلاح. فباريس لا تخفي قلقها من مخاطر التباطؤ، وهي تحذر من أن استمرار الأداء بالوتيرة الحالية قد يفتح الباب أمام تدهور أوسع وتصعيد غير مرغوب، في وقت بات فيه المجتمع الدولي أقل إستعدادًا للتساهل، نظرًا لانشغاله بملفات إقليمية ودولية أخرى أكثر سخونة وإلحاحًا.

الميكانيزم والإصلاحات: خطوات نحو الاستقرار

صحيح أن إدخال المدنيين إلى الميكانيزم يشكّل بالنسبة إلى باريس خطوة مهمة في إتجاه تعزيز الشفافية وتوسيع دائرة التقييم والمتابعة، لكنها خطوة لا ترقى، بحدّ ذاتها، إلى مستوى الحل الشامل. فالمقاربة الفرنسية، وفق مصادر ديبلوماسية، تعتبر هذا التطور أداة مساعدة ضمن مسار طويل، يُفترض أن يُستكمل بإجراءات أمنية وإصلاحية متوازية. وفي موازاة ذلك، فإن إعادة فتح ملف مستقبل اليونيفيل والبحث في صيغ بديلة أو معدّلة تعبّر عن قلق دولي من محدودية الأدوات الحالية، وإستعداد مبكر للتعامل مع مرحلة ما بعد إنتهاء الولاية المقبلة.

ففرنسا تتحرك لمساعدة لبنان وتقديم النصح والخبرات، مستندة إلى دور تاريخي لم ينقطع، تعزز بصورة خاصة منذ إندلاع الأزمة المالية عام 2019. وباريس قادت بحسب تعبير أوساطها، محاولة منع الانهيار الشامل، بدءًا من المبادرات السياسية بعد إنفجار مرفأ بيروت، وصولًا إلى مواكبة الأزمات المتلاحقة، بما فيها تداعيات حرب الإسناد على الحدود الجنوبية. وشكّل لودريان أحد أبرز وجوه هذا الانخراط، من خلال جولات مكوكية ولقاءات دورية حمل خلالها رسائل أكدت أن الوقت لم يعد مفتوحًا، وأن الدعم الدولي بات مشروطًا بإشارات واضحة.

وبحسب المصادر الفرنسية، فإن ما سُجّل من تقدّم في دور الجيش اللبناني جنوب الليطاني يُعدّ مؤشرًا إيجابيًا، وهو تقييم تشارك فرنسا فيه الولايات المتحدة. إلا أن هذا التقدم لا يزال غير كافٍ لإقناع الدول المانحة بالانتقال إلى مستوى الالتزامات المالية، إذ إن غيابها، إقليميًا ودوليًا، عن إطار الميكانيزم يحدّ من قدرتها على التحقق المباشر من الوقائع الميدانية. من هنا، تُولي باريس أهمية خاصة للجولة الإعلامية الأخيرة التي نظمها الجيش جنوب الليطاني، والتي بدأت تُحدث تغييرًا تدريجيًا في النظرة الخارجية إلى لبنان.

أكثر من ذلك، تندرج الجهود الفرنسية ضمن مسعى للتحضير لمؤتمرين متلازمين: الأول لدعم الجيش اللبناني، والثاني مخصص لإعادة الإعمار. غير أن نجاح هذين المسارين، بحسب أجواء باريس، يبقى مرتبطًا بالتزام لبناني صريح بإنجاز كل ما هو مطلوب من الإصلاحات المالية والإدارية والقضائية. ففرنسا ترى أن غياب الإصلاحات يقيّد قدرتها على حشد الدعم الدولي، ويضعف صدقيتها أمام الشركاء، سواء في دعم المؤسسة العسكرية أو في إطلاق الاستثمار وإعادة الإعمار.

وفي هذا الإطار، يشدد المجتمع الدولي على ضرورة وجود مؤشرات «علمية وعملية» تشمل انتظام العمل المؤسساتي والتقدم في ملف حصر السلاح بيد الدولة. كما ستؤكد زيارة لودريان على ضرورة تسريع كل هذه الخطوات، محذّرة من أن البطء في التنفيذ يرفع منسوب المخاطر بدل أن يخففها.

السيادة والوجود الدولي
في ما يتصل بالقوات الدولية، تؤكد أجواء باريس أن ملف القوات الدولية والتمثيل الفرنسي فيها لن يغيب عن مباحثات لودريان، لاسيما وأن فرنسا تؤمن أن أي نقاش حول مستقبل اليونيفيل أو حول أشكال بديلة لوجود أممي أو متعدد الجنسيات يجب أن ينطلق حصريًا من الطلب اللبناني. والموقف الفرنسي قائم على إحترام السيادة اللبنانية والاستعداد لتقديم الدعم ضمن ما تقرره الدولة، من دون فرض صيغ أو تجاوز المؤسسات.
في موازة ذلك، لفتت المصادر الدبلوماسية، بأن فرنسا تؤيد الموقف اللبناني الداعي إلى إحترام إسرائيل لاتفاق وقف الأعمال العدائية، وأن خارجيتها تواصل إدانة الاعتداءات الإسرائيلية والخروقات المتكررة لوقف إطلاق النار، مطالبة بانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية. وهي ذكرت بتوثيق أكثر من عشرة آلاف خرق خلال عام واحد، معتبرة أن هذا الواقع يقوّض فرص الاستقرار ويعرقل أي مسار تهدئة مستدام. وهذا ما سيعيد تأكيده لودريان الذي تحاول أن تلعب بلاده من خلال تمثيلها في الميكانيزم دورا متوازنا شاهدا على ما يحصل وعلى ما يحققه لبنان على مستوى حصر السلاح.

بهذا المعنى، تختصر زيارة لودريان القصيرة زمنيًا، المكثفة سياسيًا، مقاربة فرنسية تقوم على توازن دقيق بين الدعم والضغط. ففرنسا ترى أن مجرد إنخراطها يشكّل عنصر توازن إيجابي، لكنها في المقابل تنقل رسالة واضحة: دعم لبنان لا يزال ممكنًا، لكنه بات مشروطًا أكثر من أي وقت مضى، فيما لم يعد عامل الوقت يعمل لمصلحته.

ندى أندراوس - المدن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا