التفاوض المرفوض من الحزب مفروض على الدولة.. هل يُبعد شبح الحرب الثانية؟
أبرز ما شهده لبنان منذ أيام هو تعيين السفير السابق سيمون كرم رئيسًا للوفد اللبناني في آلية «الميكانيزم» الذي شكّل في نظر قيادات سياسية على رأسها الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط «نقلة نوعية في مرحلة من أدق الظروف التي يمر فيها لبنان الذي يواجه تحديات مزدوجة في استعادة السيادة في الداخل وفي الجنوب المحتل»، بعدما كان الزعيم الدرزي أبرز المعترضين على المفاوضات التي قادت إلى اتفاق 17 ايار/مايو عام 1982.
وفي انتظار ما سيعلنه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع اليوم الأحد، فإن أوساط «القوات» أيّدت وجهة النظر القائلة إن تعيين السفير كرم هو نقلة نوعية في مسار استقلالية قرار الدولة اللبنانية، وذلك انطلاقًا من ثلاثة اعتبارات أساسية: «أولاً، إن اعتماد شخصية مدنية لتولي هذا الموقع يُخرج الملف من السقف العسكري التقني الضيق، ويمثل خطوة متقدمة نسبيًّا نحو مقاربة سياسية سيادية أشمل. ثانيًا، إن طبيعة التعيين بحد ذاته تحمل دلالات مهمة. فالسفير كرم معروف بثباته على الموقف السيادي اللبناني، وبتشبثه بالدولة ومؤسساتها، ورفضه أي مساومة على القرار الوطني. وبالتالي، يشكل اختياره رسالة بليغة عن توجه جديد، ولو محدود، نحو استعادة الدولة لدورها وموقعها. ثالثًا، تأتي هذه الخطوة لتكسر عملياً الحظر الذي فرضته الشيعية على أي تطور من شأنه أن يعيد الاعتبار للدولة اللبنانية. وقد وجدت هذه الشيعية نفسها اليوم أمام حائط مسدود، فقبلت بالتعيين على مضض، ما يعكس بوضوح تبدلاً في موازين القوى أو على الأقل تراجعاً في فائض التعطيل الذي كانت تستخدمه».
غير أن رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قال بيان رئاسة الجمهورية أن تسمية السفير كرم تم بالتنسيق والتشاور معه ومع رئيس الحكومة نواف سلام، نفى معرفته بالتسمية إلا من خلال وسائل الإعلام وقبل اجتماعه بمستشار رئيس الجمهورية العميد أندريه رحال، قبل أن يستطرد ليقول «المهم بالنسبة إلي هو ماذا سيفعله سيمون كرم؟ هل هو وقف النار والانتهاكات والانسحاب؟»، مضيفاً «إذا كان كذلك لا مشكلة، فالمهمة عندي أهم من الشخص والإسم».
ومن المعلوم أن السفير كرم له خبرة طويلة في المجالين القانوني والدبلوماسي وهو كان مقرباً من البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير الذي رعى تأسيس «لقاء قرنة شهوان» المعارض للوصاية السورية على لبنان بعد نداء مجلس المطارنة الموارنة الشهير عام 2000 والذي كان كرم أحد أعضائه إلى جانب ستريدا جعجع وفارس سعيد وسمير فرنجية وجبران تويني وجان عزيز المستشار الحالي لرئيس الجمهورية العماد جوزف عون والذي يُعتقَد أنه هو وراء تزكية الإسم لدى الرئيس.
ولم يكن مستغرباً اعتراض «حزب الله» ليس فقط على إسم السفير كرم الذي أثارت مداخلته قبل فترة في جامعة القديس يوسف جدلاً واسعًا، دفعت ببعض الحاضرين بينهم النائب التغييري الياس جرادة إلى الخروج من القاعة احتجاجًا على مضمون كلمته، التي انتقد فيها «حرب الإسناد» وتداعياتها على لبنان، معتبراً «أن شروط إنهاء الحرب جاءت أفدح من الحرب، وما يزيد الأمور بشاعة أن الذين أذعنوا لوقف إطلاق نار من طرف واحد مع إسرائيل، يطلقون ناراً سياسية وأمنية كثيفة على الداخل، ويهاجمون الدولة لاعتمادها الخيار الدبلوماسي، وهو الوحيد المتاح بعد النكبة».
وقد اعتبر أمين عام «الحزب» الشيخ نعيم قاسم «أن إشراك مدني في لجنة الميكانيزم مخالف للتصريحات الرسمية التي كانت تقول إن شرطه وقف الأعمال العدائية من قبل العدو»، وتوجّه للسلطة بالقول «إنكم قدمتم تنازلاً مجانياً، وهذا الإجراء هو سقطة إضافية تُضاف إلى خطيئة قرارات 5 آب/أغسطس»، معيداً التأكيد على عدم التراجع وعدم الاستسلام في موضوع السلاح شمال نهر الليطاني.
وقد ردّت أوساط نيابية على كلام الشيخ نعيم مستغربة «حالة الانفصام والاستمرار بدفن الرأس في الرمال واعتماد خطابات بعيدة عن الواقع»، ورأت «أن إشراك مدني ليس تنازلاً بل خطوة بديهية. وما هو غير بديهي هو أن يبقى لبنان أسير المواقف المتشددة لفريق الممانعة التي تعيق مسار الدولة العازمة على إعطاء فرصة للحلول الدبلوماسية بعدما أظهرت الخيارات العسكرية عدم قدرتها على الدفاع عن لبنان وردع الاعتداءات الإسرائيلية». واستهجنت «الحكم على النوايا والحديث عن تنازلات قبل التوصل إلى اتفاق، فيما الخطوة التي أقدم عليها رئيس الجمهورية ستستدعي دعماً من الدول الصديقة وستمنح فرصة للدولة وللجيش اللبناني لاستكمال تنفيذ المراحل المتبقية من خطة حصرية السلاح».
واعتبرت الأوساط «أن رفض التفاوض تحت النار ومحاولة الربط بين المسار الديبلوماسي وبين العمليات العسكرية الإسرائيلية يشكل مغالطة صريحة، لأن المسار العسكري منفصل عن المسار الدبلوماسي، ولأن إسرائيل لن توقف عملياتها بمجرد تسمية الدولة اللبنانية شخصاً مدنياً رئيساً لوفد التفاوض، وهذا شرط لبناني جرى تعميمه لاحتواء الغضب في البيئة الحاضنة للحزب. وقد جاءت العودة إلى الانذارات لعدد من المباني في القرى الجنوبية لتؤكد أن اسرائيل ماضية في مسارها العسكري الرامي إلى نزع سلاح حزب الله بمعزل عن أي تفاوض، وليس صحيحاً أن إشراك مدني سيؤدي إلى وقف أو تجميد الغارات الإسرائيلية».
يبقى أن التعويل هو أن تكون الجلسات المقبلة للجنة «الميكانيزم» التي تبدأ في 19 كانون الأول/ديسمبر الحالي أكثر إنتاجية، في ظل مُناخ عام يعبّر عنه الرئيس جوزف عون حول وجوب أن تسود لغة التفاوض بدل لغة الحرب، وأن الغاية ليست استهداف فئة أو شريحة من اللبنانيين كما بدأ البعض الترويج له، بل حماية لبنان وإبعاد شبح الحرب الثانية التي إذا ما وقعت ستصبح معها عملية إعادة الإعمار مسألة صعبة جداً وأكثر كلفة.
سعد الياس - القدس العربي
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|