الميكانيزم بحلتها الجديدة: أول خطوة عملية في تراجع الحزب سياسياً
لم يكن تعيين السفير سيمون كرم في لجنة "الميكانيزم"، يحمل اخباراً طيبة لحزب الله، فهو كان معارضاً لمثل هذه الخطوة، (وهو ما عبّر عنه امينه العام الشيخ نعيم قاسم في وقت لاحق من التعيين)، لان هذه الخطوة لا تعبّر فقط عن تغيير شكليّ في طبيعة الوفد اللبناني، بل عن تحوّل عميق في طبيعة الملف نفسه: من ملف يحمل طابعاً عسكرياً-أمنياً، إلى ملف سياسي-دبلوماسي تتولّاه الدولة كمؤسسة، ولو انها تعرضت لضغوط كبيرة.
ولا بد من النظر الى هذه الخطوة من خلال ثلاثة عناصر مترابطة هي: توافق غير مسبوق بين رؤساء الجمهورية ومجلسي النواب والوزراء، اعتراض الحزب، سياق دولي وإقليمي تدفع فيه الادارة الاميركية الحالية نحو مفاوضات مباشرة أكثر منها نحو إعادة حصر السلاح بيد الدولة.
العنصر الاول يعني عملياً اعلان الدولة انفصالها رسمياً عن الحزب في القرارات الخارجيّة، وانها تكتفي بابلاغه ما سيحصل عبر رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يفاوض ويحاور ويؤكد، ثم يبلغ الحزب بالحصيلة، وبالتالي، فإن الحزب لم يعد يمسك بزمام الامور سياسياً كما كان من قبل، وهذا امر لا بد من التوقف عنده والانتباه الى دلالاته، لانه يعني عملياً تراجع نفوذه في الحياة السياسية اللبنانية، بعد تراجعه عسكرياً. وهذا يعني ان موقعه داخل الدولة لم يعد كما كان، وان مسألة الجنوب بشكل خاص ولبنان بشكل عام، لم تعد مطروحة على طاولة الحزب، بل على طاولة الدولة بمؤسساتها، وبالاخص مجلس الوزراء. كما انه يعني بصريح العبارة توقف الدولة عن العمل في وحي ما سمّي بالـ"المعادلة الذهبية" اي الشعب والجيش والمقاومة، وهي معادلة بقي الحزب متمسكاً بها حتى اللحظة الاخيرة.
العنصر الثاني المتعلق بموقف الحزب يظهر ان المرحلة تتجاوز الحسابات العسكرية، وتتطلب مقاربة سياسية–تقنية تستند إلى الشرعية الدولية. اما الحذر الذي ابداه بري فلا يعني اعتراضًا بقدر ما يعني تثبيت دوره هو كضامن لأيّ مسار تفاوضي. فهو، تاريخيًا، كان بوابة لبنان في الملفات الحدودية والاتفاقات مع الوسيط الأميركي، ولذلك فإن موافقته تمنح الخطوة شرعية طائفية–سياسية يصعُب تجاهلها، مع ما يعنيه ذلك من ابقاء الابواب مفتوحة امام التفاهمات مع الحزب، علماً ان بري قرأ جيداً العنصر الثالث الذي يشير الى أن الإدارة الأميركية الحالية تبدو أقل اهتمامًا بـ"نزع السلاح"، وأكثر تركيزًا على المفاوضات المباشرة أو شبه المباشرة بين بيروت وتل أبيب، وهو ما كنّا قد ذكرناه اكثر من مرة، لان واشنطن تريد تهدئة طويلة الأمد تمنع اندلاع حرب مع إسرائيل، وتخفّف التوتر على الساحة الإقليمية.
هذا المفهوم والاستعجال، لا يعني بالضرورة “تطبيعًا” كما يتخوف البعض، بل مقاربة موضوعية تتعلق بالغاز، الحدود الاقتصادية، ومشاريع البنى التحتية. والولايات المتحدة تدرك أنّ انتقال الملف إلى أيدي الدولة اللبنانية، يفتح الباب أمام هذا النوع من التفاعلات. من هنا، يبدو بري وكأنه في موقف لا يُحسد عليه، كما انه يمسك العصا من المنتصف: فهو وافق على الخطوة لتثبيت موقع الدولة من جهة، ولا يصادم الحزب من جهة ثانية، ليسير بذلك بخطوات هادئة في حقل الغام التوازن بين الدولة والحزب.
كل هذه المعطيات تفيد بأن الحزب لم يعد كما كان، وان الانتخابات النيابية المقبلة هي بمثابة "حياة او موت" سياسي له، ويعمل على تفادي التعاطي مع الآخرين من موقع الخاسر او المدافع عن النفس، فيما يرغب هو في البقاء في موقع المهاجم، مع ادراكه بأنّ المسار الرسمي لاضعافه سياسياً قد بدأ بالفعل.
طوني خوري -النشرة
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|