"حزب الله" متوجّس وبراك يكشف توجهاً نحو تفاوض مباشر
تستعد لجنة "الميكانيزم" لاستئناف اجتماعاتها في 19 من الشهر الجاري، بعد تعيين السفير سيمون كرم رئيساً للوفد اللبناني. غير أنّ هذه الخطوة، التي تبدو للوهلة الأولى إجرائية وتقنية، تحمل أبعاداً سياسية تتجاوز الشكل. فبالنسبة إلى حزب الله، يأتي هذا التعيين في توقيت غير مناسب، إذ تتشبث إسرائيل بكل عناصر التصعيد، فيما يدخل لبنان إلى طاولة التفاوض من دون امتلاك أوراق قوة كافية، وبصورة توحي وكأن الدولة تسعى إلى توفير الإطار التفاوضي قبل فرض أي انضباط على الطرف الإسرائيلي.
إسرائيل، كما يظهر من سلوكها الميداني، تعمل فعلياً على الخروج من القرار 1701 عبر سلسلة خروق موثّقة لوقف الأعمال العدائية، ما رسخ لدى حزب الله قناعة بأن تل أبيب لا تنوي الالتزام بتفاهم 27 تشرين الثاني الذي كان قد رسم إطاراً أولياً لاستعادة الهدوء على الحدود. وبذلك، تبدو الإستراتيجية اللبنانية في موقع ضعف، إذ كان من منظور الحزب يفترض أن تعتمد الدولة منطق القوة، أي الامتناع عن فتح أي مسار تفاوضي جديد قبل تنفيذ إسرائيل التزاماتها، خصوصاً لجهة وقف القصف والانسحاب من النقاط التي احتّلتها بعد الاتفاق المذكور.
لكن الخطوة اللبنانية جاءت في ظرف سياسي وميداني يمنح إسرائيل هامشاً أوسع للضغط لا حافزاً للتراجع، بل ربما يعزز قناعتها بإمكان انتزاع تنازلات إضافية تحت نار العمليات العسكرية. فتل أبيب تجلس إلى الطاولة، لكنها تواصل في الوقت نفسه فرض وقائع جديدة على الأرض وتطوير معادلة حدودية تسمح لها بحرية عمل أكبر داخل العمق اللبناني. وهنا تكمن خطورة التناقض بين التفاوض واستمرار النار، لأن إسرائيل بارعة في توظيف القنوات التقنية كغطاء لتحسين شروط قوتها.
في المقابل، يؤكد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أنّ قرار التفاوض اتخذ لتجنيب لبنان الحرب، وأن لا تراجع عنه. أما رئيس مجلس النواب نبيه بري فيشدد على أن مهمة المفاوض الجديد تقنية بحتة وغير سياسية، فيما يكرّر رئيس الحكومة نواف سلام أن لبنان لا يريد مفاوضات تؤدي إلى اتفاق سلام، بل يريد مساراً يسحب الذرائع من إسرائيل لتفادي حرب جديدة، إلا أنّ حزب الله يرى أنّ أي انحراف عن الإطار التقني يستوجب إعادة تقييم فورية، ويطرح أسئلة أساسية: لماذا الآن؟ ما المقابل؟ هل تلقّى لبنان ضمانات؟ وهل خفّفت إسرائيل فعلاً من منسوب تهديداتها؟
وفي هذا الإطار، برزت مواقف خارجية تزيد المشهد تعقيداً، أبرزها ما نقل عن الموفد الأميركي توم بارّاك من إن "الهدف ليس نزع سلاح حزب الله بل منعه من استخدامه"، مع تشديده على ضرورة "حوار مباشر بين لبنان وإسرائيل خارج إطار الميكانيزم"، واعتباره أن "سفيرنا عيسى سيقوم بالمهمة". هذا الطرح يعكس بوضوح رغبة بعض دوائر القرار في واشنطن بدفع الأمور نحو مسار تفاوضي يتجاوز الطابع التقني، ما يثير مخاوف حزب الله من توسيع إطار النقاش بما يتجاوز ما اتُّفق عليه داخلياً.
من منظور حزب الله، كان يفترض ألا يعاد تطعيم الميكانيزم قبل وقف الحرب وانسحاب إسرائيل واستعادة الأسرى، ولا سيما أنّ الحزب التزم وقف الأعمال العدائية بينما تواصل إسرائيل خرق الاتفاق من دون محاسبة أو ضغط دولي فعلي. فالمطالب الإسرائيلية لا تنتهي، والرضوخ لها يهدد بجرّ لبنان نحو خسائر كبيرة بلا أي مكاسب حقيقية.
وتبدو الضغوط الدولية المرتبطة مباشرة بملف حزب الله أحد العوامل التي دفعت الدولة إلى تسريع خطوة التعيين. غير أنّ الحزب، رغم تحفظه، يؤكد أنه لا يسعى إلى الحلول مكان الدولة، بل يدعوها لاستخدام كل إمكاناتها الدبلوماسية ووضع التفاوض في سياق يخدم المصلحة الوطنية لا متطلبات الخارج. إذ لو كانت إسرائيل قد انسحبت فعلاً بعد اتفاق 27 تشرين الثاني، ولو مارست الولايات المتحدة ضغطاً حقيقياً على تل أبيب، لكان ممكناً الانتقال إلى نقاش داخلي حول الإستراتيجية الدفاعية ومسار التعافي الوطني. أما اليوم، فالمشهد أكثر تعقيداً، ويتطلب موازنة دقيقة بين الدبلوماسية وقوة الردع، وبين ضرورات الدولة وهواجس الحزب، منعاً لتحول التفاوض إلى بوابة لتكريس وقائع إسرائيلية جديدة على الحدود.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|