نبيل قاووق بين روايتين: قائد وعلاّمة أم عقدة غامضة في أكبر خرق أمني بتاريخ الحزب

ان اسم الشيخ نبيل قاووق يعود إلى الواجهة بهدوء منذ اغتياله في أيلول 2024، لكنّ الأيام الأخيرة حمّلته طبقات جديدة من الغموض: إشارات في خطابٍ أخير للشيخ نعيم قاسم، همسات عن «تغييب» متعمّد، ثمّ اتهامات قاسية تقول إنّ «الرجل الثالث» في حزب الله قد يكون هو نفسه متورّطاً في أحد أخطر الاختراقات الأمنية في تاريخ الحزب، أي تفجيرات أجهزة النداء «البيجر».

ما القصة؟

بحسب صحيفة «النهار» في عددها الصادر الثلاثاء توقف مراقبون ومتابعون عند حديث الامين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، وتسميته لعلماء الدين الذين اغتالتهم إسرائيل في حربها الاخيرة على لبنان مسثنياً منهم، اسم نائب رئيس المجلس التنفيذي ومسؤول وحدة الأمن الوقائي في الحزب الشيخ نبيل قاووق.

وقالت الصحيفة إن «شائعات سرت (في السابق) عن ارتباطات خارجية له شكك الحزب في أهدافها»، من دون أن توضح المزيد.

ليس خبر «النهار» وحيدا، بل هي كررت ما نشره الشيخ البقاعي محمد علي الفوعاني، عبر صفحته على «فيسبوك» أن قاسم لم يذكر إسم الشيخ قاووق بين «المشايخ الشهداء»، وأنه تم دفنه في مقبرة عادية بدون «تشييع لائق».

ويقول الفوعاني: «لم يذكر اسم الشيخ قاووق لأنهم اكتشفوا عمالته ووضعوه في شقة علموا إنها ستُقصف من العدو والدليل إنه لم يكن معه مرافق، علما إن رجلًا (مثله) يجب أن يكون لديه 4 أو 5 مرافقين».

ماذا نعرف حاليا؟

فيما سمّى قاسم أسماء 15 شيخا وعلامة في خطابه الأخير، صحيح إنه لم يذكر اسم الشيخ نبيل قاووق، بين الذين اغتيلوا في الحرب الإسرائيلية، علما إن حزب الله عندما نعاه رسميا في 29 أيلول 2024، قال عنه حرفيا: «سماحة العلامة المجاهد الشيخ نبيل قاووق الذي نال وسام الشهادة الإلهية الرفيع أثر غارة صهيونية غادرة في منطقة الشياح»

أوحى أكثر من مسؤول في حزب الله مؤخرا أن التحقيقات في الخروقات التي تعرض لها الحزب أثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان باتت في «خواتيمها» إلا أنه لم يعلن عن أي خبر رسمي حتى الآن

عندما حصلت مجزرة «البيجر» في 17 أيلول/سبتمبر 2024 أعلن حزب الله فتح تحقيق داخلي واسع. هنا يظهر اسم نبيل قاووق في تقرير لوكالة «رويترز» يشير إلى أن «التحقيق الداخلي تعرّض لانتكاسة في 28 أيلول، إذ قُتل المسؤول الكبير في الجماعة المكلّف برئاسة تحقيق المشتريات، نبيل قاووق، في غارة جوية إسرائيلية»

بحسب رصد موقع «جنوبية» حينها، أي يوم 30 أيلول/سبتمبر 2024 دُفن قاووق في روضة الشهيدين في الغبيري، أي في واحدة من أكثر المقابر رمزية لدى حزب الله، جنباً إلى جنب مع قادة آخرين، لكن وسط إجراءات أمنية عالية وحضور إعلامي محدود جداً

من هو نبيل قاووق؟

وُلد نبيل يحيى قاووق عام 1964 في بلدة عِبّا في قضاء النبطية جنوب لبنان. في مطلع الثمانينيات، ومع بروز النواة الأولى لحزب الله في سياق الاحتلال الإسرائيلي 1982، غادر إلى مدينة قم الإيرانية، حيث أمضى نحو عشر سنوات في الدراسة الدينية، متأثراً بالمدرسة الفقهية–السياسية للثورة الإسلامية وولاية الفقيه، ومتقاطعاً هناك مع الدوائر التي ستُشكّل لاحقاً شبكة العلاقة العضوية بين حزب الله والحرس الثوري الإيراني.

بعد عودته إلى لبنان، برز اسمه سريعاً في الجنوب. منذ 1991 حتى 2010 شغل موقع «المسؤول التنظيمي لمنطقة الجنوب» في حزب الله، أي القائد السياسي–التنظيمي الأعلى للحزب في تلك الساحة الحسّاسة، بالتوازي مع العمل العسكري ومرحلة المقاومة المباشرة ضد الاحتلال وصولاً إلى انسحاب 2000، ثم حرب تموز 2006.

في هذه الفترة، قدّمته الوكالات الدولية كـ«القائد العسكري لحزب الله في جنوب لبنان» وهو يدير الجبهات، يلتقي قيادات إيرانية وسورية، ويشارك في تشييع مقاتلين وقادة، ويستقبل وفوداً عربية وأجنبية إلى الجنوب.

لاحقاً أصبح نائب رئيس المجلس التنفيذي، وعضو المجلس المركزي (الشورى)، أي في قلب المطبخ السياسي للحزب. وفي 2020 صنّفته وزارة الخزانة الأميركية «إرهابياً عالمياً خاصاً» باعتباره من القيادات الأساسية في بنية الحزب.

لكن موقعه الأهم في السنوات الأخيرة كان رئاسته لوحدة الأمن الوقائي في حزب الله، وهي وحدة سرّية للغاية مهمّتها منع الاختراقات والتجسّس داخل الحزب.

اغتيل في 28 أيلول 2024، وتم نعيه رسميا من قبل حزب الله في اليوم التالي، بوصفه «عالماً رسالياً ومجاهداً كبيراً وكان موجوداً بشكل دائم في ساحات الجهاد قريباً من المجاهدين في الخطوط الامامية وقضى عمره الشريف في ميادين الجهاد والعطاء والتضحية»، وأيضا بوصفه «مسؤول وحدة الأمن الوقائي في المقاومة الإسلامية حتى تاريخ شهادته المباركة».

وشُيّع قاووق في 30 أيلول، يوم تم تشييع القادة الذين اغتيلوا إلى جانب أمين عام حزب الله الأسبق السيد حسن نصرالله، في روضة الشهيدين – الغبيري، في الضاحية الجنوبية لبيروت.